كانت اللهفة تستثيرني بشكل استثنائي للقاء رمز عربي مغربي عملاق له تجربة فريدة في العمل السياسي عبر عقود طويلة تدرج فيها عبدالإله بن كيران من عضو حزبي في حزب الاستقلال المغربي مرورا بالعمل والتنظيم في الاسلام السياسي الذي تحوّل إلى العمل الوطني بمرجعية اسلامية في العدالة والتنمية وصولا لمنصب رئيس الحكومة المغربية. حملنا مضيفونا الكرام في قلوبهم وعبر حافلة صغيرة من مقر اقامتنا في القنيطرة الرائعة نحو الرباط المدهشة التي لا توقف كيانك من الاندهاش في كل متر فيها.. تاريخ زاخر.. عمارة.. حضارة.. تكنولوجيا.. مدينة تشعرك بالفخر.. حافلتنا التي حمّلتنا ذكريات أجمل الزيارات في العالم العربي وفي مسير ممتع اوصلتنا مع العصر لبيت في ركن بين شارعين على بابه كوخ أمني يرقبنا من داخلة رجل بلباس عسكري بلون أخضر.. بناء متواضع من طابقين عرفنا أنه منزل دولة ابن كيران عندما اخبرنا حبيبنا العزوزي أحد اخوتنا من مرافقينا أننا وصلنا.. بالمناسبة أنا لم اسمع في المغرب كلمات دولة أو معالي أو عطوفة.. الناس هناك بكل بساطة ينادون بعضهم السيد أو سي أو دكتور بدون القاب التفخيم التي تقتلنا في الشرق. دخلنا البوابة الرئيسية ثم اخذنا الطريق نحو صالون مفتوح نحو غرفة الضيوف التي اعتقد أن مقاسها 4م×5م! بأثاث عادي جدا! جلسة مرتفعة متصلة.. قدمني رفاقي مشكورين لأكون أول الداخلين حيث استقبلنا وزير الاقتصاد والمالية السابق في الحكومة المغربية ورئيس الفريق البرلماني الحالي للعدالة والتنمية الدكتور ادريس الأزمي.. رجل في غاية اللطف واالتواضع.. استقبلنا بحفاوة بالغة.. جلس هو في كنبة طويلة كأنها صدر المجلس.. واشار لي العزوزي أن هذا مكان ابن كيران.. واجلسني بجانب الدكتور الادريسي.. لا اخفيكم أنني كنت سعيد بالمكان لارصد الرجل – ابن كيران- بكل لغة جسده وانفاسه.. المهم لم نجلس سوى ثلاث دقائق حتى دخل علينا ابن كيران بحضوره الطاغي فسلم علينا بحرارة شددت يده وابقيتها في يدي ونظرت في عينيه وعرفته بنفسي.. والحقيقية أنني صافحت أسدا.. هيبة وحضور لا تبعد احساسك بحب الرجل. جلس الرجل بحضوره الطاغي والأنظار تتجه نحوه.. تحدث مع الجميع وجاملهم ورحب بحفاوة بالغة بهم .. وشعرت أن الحديث في السياسة تأخر فبادرت لأفتح للرجل طريق في سؤال عام بعد الشكر على اتاحة اللقاء والإشادة بالتجربة السياسية المغربية حول نجاح هذه التجربة وخصوصيتها وأمكانية نقلها كفكرة عامة للبلدان العربية. لفترة تحدث الرجل في النصف ساعة الأولى بعمق سياسي سألخصه في نهاية السرد كما فهمته وشعرت أنني كنت محاوره الرئيسي في الجلسة فنبهني بلطف.. الأخوة الآخرين ما عندهم اسئلة؟ هنا تركت المجال لرفاقي واكتفيت بمتابعة الرجل رصدت كل كلمة منه قالها حروفا أو حركة من جسده. تداخل رفاقي مع المعزب الكبير بأسئلة متنوعة صبر الرجل على بعضها واختصر اجابة البعض الآخر وبعد ضيافة وحفاوة بالغة مرت في ساعتين اعتذر الرجل لوجود موعد آخر.. فتوادعنا وتصورنا للذكرى وخرجنا نحو موعد آخر لا يقل أهمية ساسرده لاحقا. ابن كيران رجل كارزماتي من طراز رفيع.. خلطة خاصة.. تواضع وثقة وفهم سياسي عميق وخطاب واضح والملحوظ جدا لسان سليط وخاصة على خصومه.. بقي الاشارة انه مما لم يرق لي في الرجل بعض المغالطات في احكام دينية عامة.. لمن يريد الخلاصة السياسية من ابن كيران -العمل الوطني فوق كل اعتبار.. لا قومية وأممية تعلو عليه -الديمقراطية أداة الحكم الناجعة -العمل السياسي حدوده الوطن.. ولا يجوز أن تكون هناك مرجعيات خارج حدوده – خطاب واضح تجاه النظام السياسي ورأسه.. ظاهره وباطنه واحد.. خطاب فيه حفظ مكانة الملك ودوره واستقرار عرشه مقابل حق الشعب في إدارة نفسه عبر صناديق الاقتراع -لكل دولة عربية تجربتها الخاصة.. ولايجوز استنساخ التجربة المغربية إلا في فكرتها العامة. -التغيير السياسي.. يأتي بالعمل السياسي المنظم طويل الأمد. -انجازات المغرب كبيرة.. لكن الطريق طويل لأكمال مشروع التنمية.