الآن. الآن. عليك أن تتفرج فيه الآن وليس غدا. عليك أن تكون أول من يشاهد حلقته الجديدة. والأفضل أن تفعل ذلك معتمدا على المصدر الأصلي. الذي هو قناة HBO. وقد يقبل منك استثناء أن تتفرج فيه مقرصنا. ومدبلجا دبلجة مستعجلة. وفي نسخة رديئة. أو بسوتيتراج هاو. لكنك لست موجودا إن لم تقم بذلك. وبمجرد ظهور الحلقة الجديدة عليك أن تتفرج فيها. ولا يقبل منك أي عذر إن تأخرت. ولست إنسانا. ولست في هذا العالم. ولست مواطنا كونيا. وقد تكون عدما. وقد تكون لا شيء إن أنت لم تتابع لعبة العروش. وقد تفكر أن تجمع حلقاته لتتسلى بها في رمضان. وقد ترى أنه من الأفضل أن تشاهد كل الحلقات. دفعة واحدة. وبعد أن ينتهي المسلسل. لكن لا. فتعريف الإنسان اليوم أنه حيوان يشاهد لعبة العروش. ومن لا يفعل ذلك. ومن يتخلف. فلا يمكن اعتباره إنسانا. الآن. الآن. أما إذا امتنعت. فإنك لا محالة ستشعر بعزلة. وستجد نفسك غير منتم إلى العالم. ولن تستطيع أن تناقش الراهن. ومتخلفا. وغير مواكب. والكل يتحدث عن موضوع. بينما أنت تجهل عنه كل شيء. وقد رأيت شخصا في الفيسبوك يبكي. ويصرخ: لي اشتراك في نيتفليكس. لكن ليس فيه لعبة العروش. يا الله أينه. ويطلب النجدة. ويطلب من الناس أن يشرحوا له. ويريد أن يدخل العالم. وأن يكون. وأن يشعر بوجوده. بينما لا تكفي منصة نيتفليكس كي تنتمي إلى العالم. وأن تمتلك هذه المنصة. فلا يعني ذلك أنك موجود. وقد تفكر لكنك لست موجودا. وكي توجد حقيقة. فعليك أن تشاهده. وأن تبحث عنه في مكان آخر. الآن. الآن. وربما يحاول كثيرون اللحاق بالركب. ويفكرون في مشاهدة حلقات الموسم الأول. لكن لا. فقد فاتهم الركب. ولم يعد الوقت يسعف. وتأخروا كثيرا. ولا وجود إلا في الموسم الثامن. والأخير. ولا يمكن العودة إلى الوراء. ولا استدراك الوجود. ويجب أن تكون الآن في الحلقة الثالثة من الموسم الأخير. وأن تتربص بالتي تليها. وأن تكون أول من شاهد النهاية. وأنت تعرف أن شعوبا شاهدتها. والعالم أجمع شاهدها. كي تكون مطمئنا. ومندمجا في العالم. وعليك أن تتسابق. وأن تتهيأ. كي لا ينفلت منك الوجود. وكي تنتمي إلى الحياة. وإلى الإنسان. وعجبا لمن لم يتفرج في الحلقة الثالثة ومازال قادرا على العيش. وعجبا لمن يربط حياته بضرورة مشاهدة الحلقة القادمة. وليس كما في الأفلام. فلا ماض للعبة العروس. وإما أن تشاهده في لحظته. وإما فأنت غير موجود. ولا يمكن أن تعود إليه. ولا يمكن أن يتحول إلى كلاسيك مسلسلات. وإذا كنت تتابع مسلسلا آخر. فعليك أن تتركه حالا. وإن لم تفعل ذلك. فلن تجد شخصا تتحدث إليه. وستصبح وحيدا. وبلا أصدقاء. ولا معرفة لك. وتعاني من عقدة النقص. ومن يجرؤ الآن ويقول إنه لم يتفرج فيه. وأنه لا ينوي ذلك. من هذا الإنسان الذي مازال قادرا على العيش خارج لعبة العروش. إلا إذا كان غير مهتم. وحتى وأنا أعترف أني لم أتفرج فيه. وبسببه وبسبب مقال عنه وجدتني عالقا في مسلسل أطول منه ولا ينتهي اسمه lost مسلسل قديم لم يعد أحد يشاهده. وقد دلني عليه مقال في تيليراما. اعتبره أهم بكثير من لعبة العروش. وأن الآن لا أستطيع الخروج منه. وليس لي من أتحدث معه عنه. ورغما عني وقعت في فخ لعبة العروش. ولو قاومته. ولو تحديته. فإنه يؤثر فيك. ويقودك إلى مسلل آخر. والأهم. والأخطر. والذي لا شك فيه. أن ما تبقى لنا من حياة سنقضيها مع المسلسلات. ورغما عنا سنشاهدها. وسوف يصير من الصعب في المستقبل أن نخرج منها. وأن نفكر ونعيش بمعزل عنها. وما الحياة اليوم إلا مسلسلات. ومسلسل يسلمك إلى آخر. إلى أن ينقضي أجلنا.