حين اخترع نوبل الديناميت، فإنه لم يتعمد إهداء آلة قتل فتاكة للجيوش المتناحرة، وإنما أراد تسهيل الحفر والبناء وإنجاز البنيات التحتية الضخمة. لكن حين قاد العالم الألماني أوبنهايمر مجموعة من الفيزيائيين إلى اختراع القنبلة النووية سنة 1945، فإنه كان بليدا بالمفهوم الواسع للكلمة، أيْ اختراع الشيء دون تبصر، ولأنه وضع العالم على شفا الانهيار، (الحرب الباردة) فالانفجار الذري أو الهيدروجيني لا يضمن النصر لأي جيش، وإنما يفني الجميع. ولا يزال التهديد النووي قائما إلى اليوم، مع مريض اسمه بوتين. والنتيجة، ندِم نوبل وندم أوبنهايمر ولم يتّعظ البشر. مؤخرا، ندم عالم آخر متخصص في اللوغارتمات (الخوارزميات من وجهة نظر قومية)، اسمه جيوفري هنتون، على المساهمة في الدفع بالذكاء الاصطناعي إلى مستوى خطير يهدد البشر، هل كان ذلك بحسن نية أم بسبب التهافت على ملايين دولارات غوغل أم بسبب البلادة؟ حتى إلون ماسك المعروف بانتصاره للاختراعات العلمية، حذر من تجاوز المسموح به في علاقة الإنسان بالآلة. فقد كان من الواضح أن استعمال الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مؤمَّنا بفرامل أخلاقية وأمنية تضمن عدم تجاوزها، غير أن الأمر انفلت من بين يد علماء اللوغارتمات وانتقل إلى مجالات التجسس والنصب والاحتيال وتهديد الوظائف وتمكين الروبوت من ذكاء فوق بشري قد يجعله مستقلا عن البشر أو عدوا له أو ما لا تحمد عقباه من المصائب التي ابتلى البشر أنفسهم بها عن وعي وسبق ترصد. (بلوك بوكس). السؤال الذي يطرحه كل عاقل هو: لماذا يخترع الإنسان آلة تمتلك القدرة على اتخاذ القرار والاستقلال عن البرمجة البشرية؟ أو ما يسمى "الذكاء الاصطناعي الفائق"، ماذا سيستفيد؟ يمكننا جعل الآلة الذكية قادرة على الأداء الخارق أحسن من الإنسان بمليون مرة دون تحريرها من سيطرة مخترعها. لقد استطاعت الآلة أن تجري عمليات جراحية شديدة التعقيد فقط ببرمجة ذكية تطبيقية. كما أن هناك مجالات كثيرة نجحت فيها الآلة، من خلال إنجازات أكثر دقة وأقل خطأ وفي مدد زمنية قياسية، في مجال الصناعة والفلاحة وتسهيل البحث العلمي والأمن الداخلي والخارجي للدول وغيره. في السنوات الأخيرة، ظهر تطبيقات خطيرة في متناول المهتمين باستعمال الهاتف الذكي والحواسيب المتطورة، تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "CHATGPT" و"MIDJOURNEY"، وهي في الأصل برامج للمحادثة الذكية في مجال التعلم والتعليم. تكمن خطورتها في الاستعمال الخبيث الذي يكون وراءه اللصوص والمحتالون والمبتزّون، إذ بإمكانها خلق صورة أصلية لشيء أصلي، مثل التوقيع والصوت والصورة الجامدة والمتحركة وغير ذلك. وقد سمعنا عن بعث أم كلثوم وعبد الحليم بصورتيهما وصوتيهما الأصليين، يبقى على النصاب وضع ألحان في مستوى عبقرية الموجي وعبد الوهاب وبليغ حمدي، وهو ما عجز عنه الذكاء الاصطناعي إلى حد الآن. بل سمعنا أن بإمكان الآلة كتابة رواية أو سيناريو مماثل لإبداع الكُتّاب. (وهو أمر لم نتحقق منه بعد). سيكون الأثر الأسوأ للذكاء الاصطناعي موجودا في البلدان المتخلفة، التي لن يأخذ الناس فيها من الذكاء الاصطناعي سوى الجوانب الشيطانية، أخطرها في المغرب مثلا، الغش في الامتحان والكسل في إنجاز البحوث الأكاديمية، وانتحال الصفة وتوقيع الشيكات وتزوير الوثائق الأصلية بأخرى أكثر منها أصالة. وليس من المستبعد أن نرى المهندس والطبيب متخرجين من "مدرسة" الذكاء الاصطناعي. لا يفضحهما سوى التطبيق الواقعي للمهنة. آنذاك سيكون الأوان قد فات، سنكون بذلك تحولنا من البلادة الجماعية إلى الانتحار الجماعي.