مُستشهدا بجملة من المعطيات الدينية والسياسية والوقائع التاريخية التي كان الشرق الأدنى مسرحا لها منذ قرون، فكّك إسماعيل العلوي، الأستاذ الجامعي والوزير الأسبق، سردية "تهجير اليهود من أرض الميعاد"، منذ غزو القبائل الملقبة بالسامية للمنطقة خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد، إلى غاية إنشاء الكيان الإسرائيلي، عام 1948، ليخْلُص إلى أن ما يروّجه اليهود عن أنفسهم بشأن تهجيرهم من أرض فلسطين غير صحيح، واصفا هذا الادّعاء ب"الخرافة". وقال العلوي، في ندوة نظمتها مؤسسة أبي بكر القادري للفكر والثقافة، بمناسبة ذكرى وفاة مؤسسها، حول موضوع "القضية الفلسطينية وحقيقة الصهيونية"، مساء أمس الجمعة، إن اليهود حرّفوا كثيرا كتابهم المقدس "التوراة"، وضمّنوه ما سمّاها "أساطير"، ومن ذلك أنهم شعب الله المختار، وأن المصريين حاولوا أن يستعبدوهم فقرروا (اليهود) أن يهاجروا بقيادة موسى عليه السلام، لينتقلوا من مصر إلى بلد يدّعون أنه أعيد إليهم من قبل الله وأخذوا يحتلونه عنوة ضد سكانه الأصليين الكنعانيين بالأساس. وأوضح المتحدث أن التوارة الذي يعتبره اليهود كتابهم المقدس فيه بعض المعطيات التي يمكن إثباتها استنادا إلى معطيات التاريخ الوضعي العلمي المضبوط، "لكن في المجمل هذا الكتاب الذي يعتبرونه (اليهود) مقدسا هو عبارة عن مجموعة من أساطير الأولين استندوا إليها لتبرير مواقفهم الحالية، التي تتكلم عن أرض الميعاد، وتبيح لهم استرجاع هذه البقعة من أجل الاستيطان بها"، على حد تعبيره. وأردف الأستاذ الجامعي المغربي: "زيادة على هذا الوهم الذي يحاولون (اليهود) ترجمته على أرض الواقع، علينا أن نتذكر، انطلاقا مما عرفه التاريخ بعد ذلك، أن هجرة عدد كبير من سكان المنطقة كانت دون أن تُفرض عليهم إلا مرة واحدة، علما أن هجراتهم من القدس إلى بابل دامت ما يفوق سبعين سنة، وهمّت أساسا الكهنة والنبلاء من القوم، وبالتالي لا يمكن أبدًا أن نتكلم عن هجرة جماعية لسكان فلسطين القديمة في ذلك العهد". وأوضح العلوي أن "الكهنة والنبلاء الذين هاجروا إلى بابل وأقاموا بها لمدة لا تتجاوز سبعين سنة تأثروا كثيرا بديانة البابليين في جوانب عديدة، ثم عادوا إلى بلادهم وسطّروا هذه الأشياء في مجلدات تجد صداها في ما يسمى الكتاب المقدس، أو العهد القديم". كما أشار الأستاذ ذاته إلى أن المنطقة "لم تسجّل أبدا أي تهجير كبير، حجما، بالنسبة لسكانها إلى أي منطقة أخرى، فكل اليهود الذين يوجدون اليوم في العالم إنما هم نتاجٌ للعناصر التي فضّلت مغادرة بلادها والاستقرار في بلدان أخرى من أجل التجارة أساسا"، لافتا إلى أن "جميع الدراسات العلمية الدقيقة التي انكبّت على التحقق من هذه الدعاية التي يروّج لها الصهاينة، بزعْم أنه كان هناك طرد لليهود ما أدّى إلى شتاتهم، كلها خرافات، والأبحاث التاريخية تؤكد ذلك". وأوضح المتحدث أن اليهود الموجودين في دول البحر الأبيض المتوسط ليسوا مهجّرين من أرض فلسطين، كما تزعم ذلك الحركة الصهيونية، بل كانوا سكانا أصليين تمّ تهويدهم؛ "فاليهود الذين عاشوا في اليمن هم عرب ولا علاقة عضوية أو أصلية لهم مع أرض فلسطين، والأمر نفسه بالنسبة لليهود في شمال إفريقيا، فكلهم من قبائل أمازيغية هُوِّدوا نظرا للعمل التبشيري الذي كانت تقوم به بعض المجموعات من الكهنة اليهود". مُعطى آخر يفنّد دعاية "شتات اليهود"، يردف العلوي، انطلاقا من الكتابات التاريخية في هذا الموضوع، "هو أن اليهود في شرق أوروبا وأوسطها يتحدرون من قبائل الخزر الذين كانوا يقطنون في مصب نهر 'الڤولگا'، والذين فرض عليهم ملكهم تبني اليهودية كدين"، لافتا إلى أن "اليهود في أوروبا الشرقية والوسطى كلهم من أصل تركي على المستوى العرقي، ولا علاقة لهم بفلسطين أو الأقوام التي كانت تعيش في الشرق الأوسط". وخلص المتحدث ذاته إلى أن "الحركة الصهيونية لم تنْبنِ على معطيات موضوعية في ما يخص أصول الناس الذين تبنّوا الدين اليهودي في وقت من الأوقات"، موردا أن "الإيديولوجية التي قامت عليها الحركة الصهيونية لم يكن هدفها الطمع في أرض مقدسة، بل كانوا يريدون 'مأوى قوميا'، ظنا منهم أن اليهود يشكّلون شعبا متميزا مقارنة مع الشعوب الأخرى". وبخصوص الوضع الراهن في فلسطين، قال العلوي: "إن صمت منظمة التحرير الفلسطينية عما يجري في غزة مؤلم. وسيظل هذا الأمر مصدر ألم بالنسبة لي، لأن المنظمة كان عليها أن تكون على قائمة المنددين، لكن كان هناك نوع من الفتور على هذا المستوى. وما يزيد من حدة الألم هو غياب وحدة الصف الفلسطيني، ونتمنى أن تتحقق هذه الوحدة، لكن يظهر أن هذا لن يتحقق". في السياق ذاته، قال حسن عبد الخالق، الإعلامي، والدبلوماسي سابقا، إن "الانقسام يضعف الصف الفلسطيني ويوفّر للجانب الإسرائيلي وللغرب فرصة ادّعاء أن فلسطين لا يوجد فيها مخاطب شرعي وذو مصداقية من أجل تطوير المفاوضات"، محذّرا من خطورة التحركات التي تقوم بها دول إقليمية في المنطقة، خدمة لمصالحها، وفي مقدمتها إضعاف الدول العربية، على حساب القضية الفلسطينية. وذهب عبد الخالق إلى القول: "إذا كان البعض يرى أن إيران تخدم القضية الفلسطينية فهو واهم. إيران لها أجندة في المنطقة العربية، وهي تلتقي مع إسرائيل في هدف إضعاف العرب"، لافتا إلى وجودها في عدد من دول المنطقة (لبنان والعراق واليمن وسوريا)، والتحكم في قراراتها عن طريق أذرعها السياسية والعسكرية. واعتبر المتحدث أن هذا الوضع "يخدم إسرائيل في إضعاف العرب، وهذا معطى أساسي ينبغي التركيز عليه، وإذا لم ننتبه إليه سنظل ندور في حلقة مفرغة"، وزاد: "على العرب أن يستنهضوا مكامن القوة فيهم، والتخلص من هذا العبء الموجود في دواخلهم، من أجل خدمة القضية الفلسطينية". وتوقف الإعلامي ذاته عند تعاطي المغرب مع القضية الفلسطينية، منذ أن أثيرت، قائلا إن المملكة "ظلت تخدم القضية ولا تستخدمها، وهناك فرق كبير بين الخدمة والاستخدام"، خاتما: "المغرب لم يخلق فصيلا فلسطينيا، ولم يمدّ طرفا بالسلاح لشق الصف الفلسطيني بخلاف بعض الدول التي تستخدم القضية الفلسطينية إما من أجل إثبات مشروعية أنظمتها السياسية أو من أجل مآرب أخرى".