يرتبط الفعل السياسي دوما بموقف و هدف تصبو اليه الهيئة السياسية، فتمظهرات الآراء و معارك النقاش جلها تداخل افكار و تصارع وجهات نظر للإقناع و ابراز من يتمكن من حشد دعم اكبر و تأييد اكثر ليمرر اقواله التي ستجلب الجميع لتحقيق الهدف، لكن ترى هل الخروج عن الاجماع و سوق الامثلة الهجينة اسلوب جيد للإقناع ام مغامرة غير محسوبة العواقب ؟ حين صرح وزير السياحة لشخصه و هيئته السياسية و حكومته بخصوص الحريات الفردية كان منسجما مع عموم المتلقين لفقرات حواره و لم يختلف معه احد حول اهمية الحرية الفردية، ذلك ان لكل الحق في الحياة بالطريقة التي تحلو له و الكيفية التي تروقه وهو نفس موقف حزب الحركة الشعبية الذي دافع عن الحرية الفردية كجزء من منظومة حقوقية شاملة تضمن حرية التعبير و الاختلاف ايضا و حرية المعتقد و ما الى ذلك، غير ما جاء من أجوبة حول جوانب خفية من السلوك الفردي الشاذ سوآءا اجتماعيا أو جنسيا يظهر الابداع السياسي و التفرد في تبني المتناقضات على اعتبار ان الدفاع عن مبدا سام شيء و الدفاع عن المنزلقات شيء نقيض، فلا ينسج المبدأ مع نقيضه و لو كان من صلبه و لسنا بصدد المقولة الهرقليطيسية حول الاطروحة و الاطروحة المضادة، و لا ينسجم موقف و تجاوز الموقف، وهذا يحيلنا على مجموعة التصريحات المتخبطة التي عبر عنها وزير السياحة و أمين حزبه العام. فتصريح وزير السياحة لقناة امريكية تناول مواضيع حساسة تتعارض و الاجماع الوطني حولها، اضف الى ذلك الرفض الصريح لجل التعاليم الدينية و على رأسها الدين الاسلامي لها دون اغفال اصطدام هذه المواضيع و العديد من النصوص القانونية التي تجرمها و تحارب جل ظواهرها، فدفاعه عن المثلية باعتبارها حرية شخصية لا يجوز التدخل فيها بالرغم من تجاوزها حدود الفضاء الحميمي للفرد و ولوجها باب السلوك الاجتماعي الذي يصارع من أجل الشرعنة و القبول الاجتماعي، أمر لا يختلف عاقلان عن كونه مغلوطا و مسألة لا تجيز خرق قوانين وضعها المشرع و صادق عليها البرلمان، و ان كان تعبيرا عن رغبة نابعة من قناعة مؤسسة سياسية في شخص حزب الحركة الشعبية كان الاجدر اجتماع هياكل الحزب و دراسة الموضوع أو اصدار بيانات تتناوله ثم تتبعها مقترحات مكتوبة يتم الترافع من اجلها داخل قبة البرلمان. لكن بديهية الحقوق الفردية تجاوزت ما هو متعارف عليه و صارت على يد اقلية مجهرية تمارس تحرشا فكريا harcèlement) Morale ) و استفزازا ممنهجا تحت مسميات الحداثة و حقوق الانسان و كذا الاعلان العالمي لحقوق الانسان لتدخل في نطاق سلوكيات تتحدى القانون و الدستور، هذا الاخير الذي وضع وعاءا يؤطر العملية التشريعية و يحدد مصادرها و هي الدين الاسلامي وفق ما تعارف عليه دارسو القانون باعتبار الشريعة احد مصادر التشريع و هذه الاخيرة تكفل ذوي الحقوق و الاقليات الدينية من أصحاب الديانات السماوية الكتابية و تراعي في الان نفسه مستحدثات الزمان من مستجدات تحيلها على ادواتها التشريعية التي تفرض مواكبة العصر. دعم الوزير لتلك الحريات و خصوصا المثلية اغفل في سياق اندفاعه الفصل 32 من الدستور و الذي يعتبر الخلية الاساسية للمجتمع قائمة على الاسرة المبنية على زواج شرعي و نفس الفصل اقر بعمل الدولة على الحماية الحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية للأسرة، و هنا نستحضر سذاجة سياسيينا و انسياقهم وراء كل ما هو خارج عن المألوف قصد الشهرة و التميز و تسجيل كرات في مرمى المنظمات الدولية التي تسير عكس هويتنا الوطنية و قناعاتنا المغربية المحضة و التي بنيت عبر قرون ضمن حضارتنا المغربية التي حققت اشعاعا عم أفريقيا و أوروبا، غير اننا هنا بصدد مشروع اجتماعي جديد يريد السيد وزير السياحة رسم معالمه، فهل تكون له الجرأة ليقود حزبه للمطالبة بتعديل الدستور حتى يغير الفصل آنف الذكر ؟ فالأسرة القائمة على زواج شرعي معروف اركانها و هما رجل و امرأة و القبول بالمثلية يعني قبول بتساوي الحقوق بينهم و بين اركان الاسرة و بالتالي كفالة حقهم في تأسيس أسرة تضم مثليان و لم لا تربية أبناء، وطالما لن يقدرا على انجابهما لاختلاف طبيعة تركيب جسديهما فسيتعين عليهما تبنيهم من دار الايتام او ممن سيتخلى عنهم طواعية و هنا سنضطر لتغيير مدونة الاسرة قبل التبني لتمكنهما من الزواج و بعد ذلك تربية اطفال و تمتيعهم بحماية قانونية تضمن حقوقهم الانية و المستقبلية و هو ما ينعين عليه تغيير منظومة الارث، وحينها يصبح من الضروري أن نقحم تسمية جنس بشري جديد في مقرراتنا الدراسية و أوراقنا الرسمية و اماكننا العمومية فيصبح لدينا الذكر و الانثى و المثلي، و بما انه جنس ثالث له نفس الحقوق و الواجبات فسيصبح من الضروري ايضا احداث تمييز ايجابي جديد ولنكون عبر كل هذا قد قمنا بتغيير أسس المجتمع المغربي ككل انسجاما مع ما حققته الدول الليبيرالية المتقدمة في هذا المجال، حتى انبرت جمعية أمريكية تطالب بحذف تسمية ( الذكر و الانثى ) من المقررات الدراسية على اعتبار انها عنصرية تجاه المثليين. اذا تسمر وزير من حكومتنا الغراء امام عدسات القنوات الفضائية العالمية يجب ان لا يغفل ان أقدامه لا زالت بالمغرب، البلد الذي يظم مدنا للصفيح و جل قراه مهمشة و خارج الشبكية الطرقية المعبدة، مغرب لا ينحصر حول الرباط او الدارالبيضاء، مراكش، اكادير و طنجة، لا يحوم سكانه حول البرلمان و لا يناقشون امور حياتهم و اشكالية قوت يومهم بالصالونات الفاخرة و الفنادق الفخمة، فكل قول ينطق به وزير يعتبر تصريحا بتوجه رسمي لمؤسسات يمثلونها و ما أخطر التصريحات المجانية الغير محسوبة النتائج و العواقب، و كان من الاجدر ان يصدر حزب الحركة الشعبية بيانات توضيح و يناقش هذا التصريح في مجلسه الوطني لأنه موضوع يهم القادم من الاجيال المغربية و ما ستؤول اليه منظومة الاسرة و تركيبة المجتمع، و هنا نسجل تناقضا جديدا يضاف الى مسألة الاطروحة و الاطروحة المضادة، اذ ما نراه نحن المتتبعين من تصريحات تضمر شرا و خطرا مستقبليا يراه سياسيونا كلمات مضيئة تلمع صورهم امام شاشات التناقض و الاختلاف و ترفع اسهمهم داخل منظمات لا تحترم الخصوصيات الاجتماعية و الفكرية و العقائدية ايضا للمغرب لنتساءل مرة اخرى عن موقع الحكامة داخل هذه الاحزاب و دور الهياكل و الديموقراطية؟ ثم نحمل مجهرا دقيقا لنبحث عن معارضي هذه الافكار داخل الاحزاب و اصواتهم ثم مواقعهم؟ و نضيف سؤالا أخيرا حول دور علماء المملكة و مثقفيه في تتبع هذه التصريحات و الرد عليها. *عضو المكتب المديري لمركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية