"لغة الخشب" لم تندثر.. ما زالت عندنا متداولة.. على نطاق واسع شاسع.. المصطلح ليس جديدا.. هو قديم يتجدد.. ابتكار فرنسي أثناء "الحرب الباردة" بين المعسكرين، الغربي والشرقي، لتوصيف خطابات سياسية وإعلامية للاتحاد السوفياتي السابق.. وتسلل المصطلح إلى خطاباتنا السياسية، ويعني - من جملة ما يعني - "النفاق السياسي"، والكذب المغلف بالمديح والإطراء، مع مناورات وتلاعبات.. هذا موجود عندنا، على مختلف الأصعدة: حكومة، برلمان، جماعات، سلطات، جمعيات، فئات شعبية... ثقافة "خشبية" منتشرة على أوسع نطاق.. ويرافقها "توظيف الدين لأهداف سياسية وتجارية..."، وتصنيع أحلام وأوهام لاستغلال الفقراء سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتجاريا وجنسيا، وكل ما هو لاأخلاقي ولاإنساني... "ثقافة خشبية" لم تعد تقتصر على سياسيين، أصبح يمارسها كثير من المنتسبين للأحزاب، والسابحين في أفلاك السلطات، وانتشرت بكل الأوساط، وكل الطبقات.. وظهرت استعمالات للغة الخشبية بطرق شتى لتضليل الناس واستغلالهم في مجالات متنوعة.. وتمكنت "لغة الخشب" من رسم أوهام اقتصادية ودينية وغيرها، على أساس غير واقعي.. ولفهم مخاطر النفاق والخداع التي تمارسها "اللغة الخشبية"، هذا يتطلب قدرة استيعابية وتربوية وتكوينية.. والمخاطر تستفحل عندما تتدخل "المدرسة" نفسها لنشر مناورات "خشبية" أمام التلاميذ والطلبة.. وتساهم "المدارس"، العمومية والخصوصية، في ترديد مضامين ديماغوجية لا علاقة لها بالمنطق العلمي.. ومشاكل التعليم لا تعد ولا تحصى، بسبب العبث الممارس في كثير من المؤسسات، بسلوكات مخلة من بعض الأسر، وبعض الأساتذة، وبعض التلاميذ، وحتى بعض الغرباء... وفوق كل هؤلاء، بعض كبار الوزاء.. وفي هذا الواقع المهترىء، تسللت إلى ""خشبيات العصر" حربائيات واجتهادات نفاقية تنفث سمومها على عامة الناس، في حملات انتخابية، ومناظرات سياسوية، وشطحات كلامية خطابية هنا وهناك.. المتزلفون، بأشكالهم وأنواعهم، اكتشفوا أن الثروة عندنا تكمن في جهل بسطاء البلد بحقائق ما يجري ويدور أمام العلن، وبالكواليس.. وصارت "خشبيات العصر" تركب على جهل كثير من الناس، لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية، وأهداف أخرى... ها هو مصلح "الخشب اللغوي" يختزل كل النفاقات السياسية المحلية والوطنية والعالمية.. وأصبحنا اليوم أمام وحش كاسر اسمه "عمومية الخشب".. وظهرت "مراكز" للتكوين والتأطير في أنواع وأشكال "لغات الخشب".. وأصبحت "شخصيات انتخابوية" تقوم بدور المعلم والمربي والمؤطر، لتسريب "الخشبيات" حتى إلى أجيال حالية وأخرى قادمة.. هناك نية لتوريث "الخشبيات" من جيل إلى جيل.. وبموازاة مع هذه الظاهرة، أصبحت كثير من "منابر التواصل" تنتج هي نفسها سلوكات ذات وجهين، منها ما "يحظى" بالدعم والإشهار وكل ما هو إفادة واستفادة، انبطاحا أمام جهات لا يهمها إلا تضليل عامة الناس.. واليوم، ونحن في عصر "تكنولوجيا النانو"، وعلوم الفضاء، والتطلعات الكونية، تتطور "لغة الخشب"، وما زالت عندنا تنتج ثقافة عامة لا تخلو من توابل "خشبية".. وعندما تسمع تنظيرات على الشاشة، تكتشف أن جل مضامينها ليست سوى دورانا والتفافا وانحرافا عن صلب الموضوع.. وحتى في فرنسا التي أنتجت مصطلح "لغة الخشب" ما زالت العقلية "الخشبية"، في كثير من شوارعها، قادرة على قيادة "اليمين المتطرف" إلى سلطة القرار.. "لغة الخشب" تقود التطرف الفكري والسلوكي والعنصري إلى الكراسي الحاكمة في كثير من البلدان، بالقارات الخمس.. "الخشبيات" تهدد حقوق الإنسان، وحقوق الإنسانية، في كل مكان من كوكب الأرض.. وهذا خطر حقيقي يهدد السلامة النفسية والعقلية والحقوقية لكل المجتمعات التي تعشش فيها "ديماغوجية الخشب"! والشعوب الأكثر هشاشة، من المنظور العددي، هي الأكثر تقبلا للخطابات "الخشبية": خطابات المديح المبالغ فيه.. خطابات المناورات.. والكذب المغلف بالبريق المصطنع.. ومن اللغات ما هو أكثر إنتاجا للتعابير الخداعية النفاقية، وللرموز الكلامية التهكمية والتضليلية.. نفاق اجتماعي يقود إلى نفاق إيديولوجي، وخداع سلوكي حتى على مستوى كراسي "الشأن العمومي".. أينما انتشرت ثقافة الالتفافات، انتعشت "لغة الخشب".. لغة غنية بتعابير تحرض على نهب الغير، وعلى الكذب والخداع.. لغة لا تجد في البلاد كفاية من "شحنة القدوة".. وعندما تجف الضمائر، يختفي القدوة، ومن ينبه إلى مخاطر "لغة النفاق".. ومن هذا الأساس، يتوجب التنبيه إلى تجنب حشو لغتنا بتعابير فضفاضة ذات تفاسير أحيانا متناقضة، ومن خطابات "سياسية" تفتقد قيمة أخلاقية.. قيمة تربط الفكر بالسلوك.. وأي سياسي يذهب كلامه في اتجاه، وسلوكه في اتجاه معاكس، هو يحارب الواقع بخيالات فكرية واهمة.. لا نقبل "أصناما متحركة" في بلدنا.. في خطابات "الأصنام" غموض، ولعب بالكلمات، مع سلوك بلا حياة.. لغتنا بحاجة إلى دعائم تقويمية، تجنبها اللف والدوران.. - ما أحوجنا إلى وضوح، ومنطق، وصدق! بدون هذا، نتحول إلى كراكيز "خشبية" حتى هي منافقة.. مخادعة.. كاذبة!