قد يتساءل البعض عن علاقة المغرب بما حدث في السودان ،وقد يكون مجرد طرح السؤال في حد ذاته في نظر البعض خروجا عن الخطاب المعهود حول الاجماع الوطني وعن الوحدة التراتبية غير القابلة للنقاش. ما حدث في جنوب السودان تداخلت فيه العديد من العناصر الخارجية والداخلية ، فالعامل الخارجي لا يمكن اغفاله في كل الصراعات الدولية وفي بعض الاحيان يكون هو الحاسم . أما العوامل الداخلية فهي ايضا لا يمكن نكرانها، فالاحتقان السياسي وخنق الحريات والتهميش والاقصاء والاستحواذ على الثروات كلها عومل سلبية تدفع الى انضاح المخططات الخارجية وتيسير تنفيذها. فالنظام السوداني على مر العقود تعامل مع الجنوب على اعتباره جزءا لا يتجزأ من أرض السودان، وحاول تجاهل الخصوصية العرقية لسكان الجنوب ،بالإضافة الى التمييز بشتى انواعه الذي مورس طيلة عقود الانظمة الحاكة في السودان . كما اتجه نظام الانقاذ الى خيار الحسم العسكري الذي اثبت فشله ولم يكن لدى النظام السوداني بد من القبول بانفصال الجنوب مقابل استمراره لبضع سنين ،خاصة بعد انشقاق منظر ثورة الانقاذ حسن الترابي والتلويح بإسقاط النظام ، ونظرا لكون الغرب يفضل بقاء البشير على نظام جديد قد يبعثر اوراق المنطقة بأكملها ، كان المقابل هو القبول بنظام البشير مقابل انفصال جنوب السودان . فاتفاق نيفاشا الاول والثاني ونيروبي وغيرها كلها اتفاقات كانت ضمنيا تؤسس لدولة جديدة بجنوب السودان، ولم يكن أمام نظام البشير إلا مجاراة تحصيل هذا الامر من خلال استفتاء شكلي عرفت نتائجه مسبقا . لم يكن أحد من السياسيين في السودان يعتقد أن هناك فرصة ولو واحد في المائة من بقاء السودان موحدا بعد الاستفثاء ،حتى أحزاب المعارضة وقبيل الاستفتاء سارعت الى طرح برنامج انقاذ باقي السودان من التفتت، لكن قوة البطش العسكري والتضييق على الحريات في الشمال جاءت في الفترة التي كان الجميع منشغلا بالاستفتاء في الجنوب مما جعل الانظار تتجه جنوبا، ولم يحظى حراك المعارضة بأي تغطية اعلامية تذكر . فالجزيرة كانت منشغلة ايضا بقضية المصالحة في دارفور وكانت تغطيتها على قدر ما يفي بالغرض الاخباري وليس التعريف والتحليل كما في قضايا اخرى . العناصر التي ذكرت في صراع السودان موجودة في النزاع المغربي الجزائري حول الصحراء ، فالعامل الخارجي حاضر بقوة وهو الذي يمسك بكل الاوراق .وكل ما يجري من حوار مجرد جولات في الفراغ حتى لا نقول كما قال معلق الجزيرة "العبث" الذي عرفت نتائجه مسبقا .فعندما يقبل نظام سياسي ما بمقايضة سيادته و وحدثه الترابية وهو على يقين تام أن ما يقوم به لا ترجى منه نتيجة ، فهذا هو العبث بعينه ، فلا يمكن جعل الوحدة الترابية خطا أحمرا ،وفي نفس الوقت يتم التفريط فيها بطريقة غير مباشرة . ألم تكن فكرة الاستفتاء تفريطا ، سواء كان تأكيديا أو غير ذلك ، المهم انه فتح باب احتمال حصول الانفصال حتى ولو كان ضعيفا الا إنه في منطق الرياضيات ممكن . ثم جاء الاعتراف بالجمهورية الوهمية كممثل وحيد للشعب الصحراوي من خلال إجراء المفاوضات معها ،مع كون الدبلوماسية المغربية تعرف ان المفتاح مع الجزائر ،فلماذا التفاوض إذن ؟ حضور الكوركاس في المفاوضات لا يمكن اعتباره طرفا، لأنه لا يفاوض باسم الصحروايين وانما باسم مؤسسة تابعة للسلطة، بمعنى ان حقيقة الامر هناك طرفين المغرب والبوليساريو . وهذا الاعتراف هو ايضا تفريط في الوحدة الترابية ، فالجمهورية الوهمية موجودة في قاموسنا نحن لكنها عند البعض حقيقة والدولة هي من أعطاها تلك الشرعية الدولية. فإذا كان الاجماع الوطني غير قابل للنقاش ، الا أن الامور في ميزان السياسية لا تقاس بالإجماع ، فمشكلة الصحراء مرتبطة بالصحراوين الى حد كبير وهناك يجب ان نبحث عن الاجماع ،والصحراويون ليسوا على إجماع في هذا الامر وهنا تكمن معضلتنا ،بحيث اننا نحسب حسابات الاغلبية وأن 99و99 من المغاربة مع الوحدة الترابية ، هذا صحيح ،ولكن بمنطق السياسية القضية تخص الصحراويين فكم منهم مع الوحدة وكم ضدها ؟ بلا شك أن من يسمون بانفصالي الداخل جزء من هذه الحسبة حتى ولو كانوا قليل، لكن بحساب السياسية يصبحون كثير ،واذا اضفنا إليهم صحراويي تندوف، الذين خضعوا لعملية غسل دماغ في معسكرات كوبا وإسبانيا وليبيا والجزائر ،وتم انشاء جيل كامل تربى على الحقد والكراهية لكل ما هو مغربي، يسقط مفهوم الاجماع .وهذا العداء في الطرف الاخر ، يقابله عداء دخلي ايضا نتج عن سياسة القمع التي شهدتها الصحراء في العهد السابق، كلها عوامل تستدعي اعادة النظر في طريقة التعاطي مع ملف الصحراء خاصة بعد ان وصلت المفاوضات الى الباب المسدود وذلك من خلال الخطوات التالية: 1. تحديد من هو الصحراوي : يجب على الدولة الاتجاه نحو اعتماد المعيار الجغرافي في تحديد من هو الصحراوي ولا يجب التركيز على العنصر القبلي والعرقي ،فالمطالبة بإحصاء سكان المخيمات سيفتح المجال الى المطالبة بإحصاء صحراوي الداخل ايضا ،ولن تقبل الجزائر بذلك من طرف واحد ،وسيعيدنا هذا الامر الى المربع الاول، مربع تحديد الهوية الذي فشل سابقا . فالصحراوي اذن هو كل من يقيم بالصحراء بغض النظر عن عرقه وقبيلته فحق الحصول على الجنسية في القوانين الدولية مكفول لكل من أمضى 10 سنوات في بلد الاقامة. 2. ابراز تمثيلية فعلية لسكان الصحراء: على هذا الاساس يجب تجاوز الكوركاس الذي لا يعدو ان يكون ألية مصطنعة تفتقد الى الاعتراف الدولي ، فالإشارات التي حملها اخر تقرير الامين العام تفيد بضرورة الانفتاح على أطراف اخرى، بمعنى جهات صحراوية اخرى غير التي تفاوض حاليا . وهذه الاشارة تحدثت عنها الدبلوماسية المغربية بإيجابية لكنها لا تعرف كيف تتصرف تجاه تنزيلها. والحل يكمن في تنزيل جهوية متقدمة فعليا فالدستور الحالي لم يمضي في الامر كما كان مطلوبا ، فالجهوية المقررة ليست سوى جهوية عادية ، والجهوية المتقدمة هي التي تنتج عنها حكومات وبرلمانات جهوية، فعندما سنتحدث عن رئيس الحكومة الصحراوية ،ورئيس البرلمان الصحراوي ،ووزير صحراوي، سنعلن موت البوليزاريو، ولن نحتاج الى أي مفاوضات ولا سلاح ،خاصة اذا كانت هذه المؤسسات ذات شرعية شعبية .ولن نحتاج الى تحديد هوية ولا احصاء الصحراوين وكل ذلك الجدال سينتهي في تقديرنا وستضطر الجزائر الى التصرف بشكل ما تجاه اللاجئين لديها. كل ما سنحتاجه هو اطلاق الشخصيات الصحراوية للدفاع عن مصالحها أمام العالم الذي لا يجد امامه حاليا الا عصابات عبد العزيز المراكشي . 3.رفع يد الدولة عن الملف : وهو امر ضروري لان الانفراد بالملف هو ما جعله يصل الى ما وصل اليه ، فالقضية تخص كل المغاربة لذلك يجب ان يكون الحل شأنا عاما أيضا ،والتصرف الانفرادي يعيد تكرار الاخطاء القاتلة كما حصل في السودان ولا يمكن لذلك ان يتحقق الا في اطار ديمقراطية حقيقية يقرر فيها ممثلو الشعب عناصر الحل وطرق تنزيله. 4.الاعتذار الرسمي للدولة عن الضرر المعنوي الذي لحق الصحراويين: ،فرغم استفادتهم من هيئة الانصاف والمصالحة، الا انه يجب الاعتذار الخاص لما يمكن الاصطلاح عليه "ضحايا الوحدة الترابية" ، سلوك يمكن ان يضمد جراحات بعض الاسر التي فقدت عزيزا في هذا النزاع ،خاصة ان البنية القبلية والترابط العائلي في الصحراء توسع دائرة المتضررين و الحاملين لفكر الثأر ضد الدولة، وهذا السلوك يتجسد على أرض الواقع كلما أتيحت بؤرة للتوتر سواء في القضايا الاجتماعية أو السياسة أوفي الجامعة الخ... 5.تجاوز سياسة التمييز : خاصة بين المناطق المغربية جنوبا وشمالا وبين الافراد ، وتجاوز عقلية الترضية التي تقوم بها الدولة تجاه الصحراوين من خلال التشغيل والامتيازات الاخرى، وحتى التعاطي الامني. ولا يجب ان يكون هناك امتياز بدعوى الخوف من استغلال الامر سياسيا ،وهذا لن يتم الا في اطار تطبيق القانون، فما يقوم به بعض المحسوبين على الصحراء من اعتداءات وحتى جرائم في حق الممتلكات العامة والخاصة والافلات من العقاب يهدد بتفجير الوضع في الصحراء ،التي تغيرت تركيبتها السكانية بشكل كبير .ولا يجب الدخول في نفس الخطأ السوداني من خلال التصنيف جنوبي –شمالي، ودعم الشماليين على حساب الجنوبيين ، مما أدى الى نتيجة عكسية ، انتهت بالانفصال الجغرافي والسكاني والى تشتيت العائلات و الى هجرات جماعية في الاتجاهين ستنتهي لا محالة بحرب أهلية في مناطق التماس وستؤدي الى استدامة النزاع الى ما لا نهاية. ان الاخطاء التي قام بها النظام السوداني في تعاطيه مع الجنوب تكرر بنفس الطريقة في التعاطي مع ملف الصحراء وعجز الدبلوماسية وافتقارها الى الحلول البرغماتية من خلال عدم استغلال العلاقة المتميزة مع القوى الكبرى والمضي في تنزيل الحكم المحلي الموسع ، والانفتاح الديمقراطي ، يجعلنا نخشى على مستقبل ملف جنوب المغرب .ان الاجماع الذي يتحدث عنه لا يعني أن كل الصحراويين بالمفهوم القبلي قد وقعوا شيكا على بياض للمغرب ،كما ان الاطراف الدولية لا تريد حلا للملف ،وليس الوقت في صالح المغرب حاليا رغم أن البعض يروج مقولة- المغرب في أرضه وفي صحرائه – عبارة أصبحت متجاوزة ،بعد الربيع العربي، و نحن نقترب من 2012 التي حددت لتنزيل مبادرة الحكم الذاتي الذي لم تبلور بعد تفصيلات تنزيله الى حد الان، مما يعطي انطباعا داخليا وخارجيا ايضا بعدم الجدية .