دعا إعلاميون وباحثون شاركوا في الجلسة الثانية لملتقى بوجدور الدولي للإعلام إلى النهوض بالموروث الثقافي الحساني، انسجاما مع مقتضيات دستور 2011، الذي نص على صيانة هذا الموروث، والنهوض به، باعتباره رافدا من الروافد الرئيسية للهوية المغربية. سعيد زعواطي، الإعلامي بقناة "الجزيرة" القطرية، دعا إلى تطوير التقديم الإعلامي للثقافة الشعبية؛ وذلك بالتعاطي معها بحياد، بتقديمها كما هي، في صورتها الحقيقية، بعيدا عن أي مبالغة، وتفادي "الحماس الزائد" في تقديمها للمتلقي. واستطرد زعواطي بأنه على الإعلامي أن يتحلى بالحياد، بعدم الاقتصار فقط على الجوانب المشرقة للثقافة، بل أن يتطرق أيضا إلى السلبيات التي يعج بها الموروث الثقافي، مُبرزا أن التناول الإعلامي للثقافة الشعبية يجب أن يتجاوز تقديمها "كفولكلور يقدَّم في المناسبات". مسألة أخرى اعتبرها زعواطي مسيئة إلى الثقافة، بصفة عامة، لدى المتلقي، وهي تناوُلها، إعلاميا، من طرف أشخاص غير مؤهَّلين؛ وقال حين حديثه عن الشعر: "يجب على الإعلاميين أن يستضيفوا شعراء وباحثين ومهتمّين حقيقيين، لأن استضافة أشباه الشعراء تسيء إلى صورة الثقافة لدى المتلقي". الإعلامي بقناة "الجزيرة" دعا إلى فتح نقاش صريح حول التعاطي مع الثقافة الشعبية في وسائل الإعلام، منتقدا المقاربة التي يعتمدها بعض مخرجي الأعمال الدرامية المتناولة للمتخيل الشعبي، والتي ترتكز على تكريس صور نمطية مسيئة إلى الثقافة الشعبية، قائلا: "يحب التحلّي بالمسؤولية والحرص على ضبط الرواية المستعملة في الأعمال الدرامية". وبخصوص الثقافة الحسانية، دعا زعواطي إلى العمل على إخراجها من نطاقها المحلي، وتوسيع دائرة التعريف بها، لتتجاوز حدود الوطن، وقال في هذا الإطار: "الثقافة الحسانية أوسع من حصرها في الحديث عن الشاي والزي الصحراوي، ولا بد من التفكير في تسويقها بلغات أخرى، لتحقيق التعريف بها على الصعيد الدولي". محمد لمين ماء العينين تحدث في عرضه عن الحكاية الشعبية، قائلا إنها ليست مجرد حكايات تروى من أجل الاستئناس، بل تحمل مجموعة من القيَم والمُثل العليا، كما أنها جزء من ذاكرة الشعوب، وتهدف إلى تحقيق مجموعة مِن الأهداف، وعلى رأسها التربية وتمكين الفرد من زاد معرفي، وكذا تدريبه على حل المشكلات الحياتية. وأوضح لمين ماء العينين أن للحكاية الشعبية أربع فوائد؛ أولها تنمية روح الإبداع لدى الأطفال، ونشر المعرفة في صفوف المتلقّين، وتوفير الحلول والأفكار اللازمة للمشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الإنسان، إذ يستفيد المتلقي من الحلول التي يلجأ إليها أبطال الحكاية، ثم نقل المبادئ والقيَم النبيلة، كتربية الناشئة على التحلي بالخصال المقوّية للروابط الاجتماعية وذمّ القيم التي تؤدي إلى التفرقة. واعتبر عبد الوهاب سبويه أن الثقافة الحسانية بصمت على مساهمة بارزة في حضارة شمال إفريقيا والشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بإرثها الزاخر، سواء في مجال الفكر أو الشعر أو الأدب، مشيرا إلى أن الصحراء تضم مكتبات غنية بالمخطوطات النفيسة، لكنها لا تلقى العناية اللازمة من طرف وسائل الإعلام المغربية، في حين أن الإعلام الغربي يهتم أكثر بهذا الموروث. خطاري الشرقي، مدير مركز الجنوب للدراسات والأبحاث، خصص عرضه لموضوع "الثقافة الحسانية والصورة: الواقع والمُتَخيّل"، وقال إن الثقافة الحسانية يغلب عليها الطابع الشفهي، ولا يحضر فيها التدوين بشكل كبير، مشيرا إلى أن هناك تحولا على مستوى عرض الثقافة الحسانية في الآونة الأخيرة، وخاصة على مستوى التلفزيون والسينما. في هذا الإطار أشار خطاري إلى القرار الذي اتخذه وزير الاتصال السابق، مصطفى الخلفي، بتطوير منظومة الإنتاج السينمائي والتكوين، قصد إماطة اللثام عن الثقافة الحسانية والتعريف بها، فجرى تصوير عشرات الأفلام الوثائقية في الصحراء، وتم عرض عدد منها في ملتقيات سينمائية دولية. ورغم تنويهه بالتقدم الحاصل على مستوى عرض الثقافة الحسانية، فإن خطاري الشرقي يرى أن طريقة تناولها، سواء في الإعلام أو السينما، ينبغي أن تتطور؛ وذلك بتجاوز تكرار تيمات وخطاب معين، وإيجاد نصوص تمكّن من نقلها إلى المتلقي في قالب حديث، يواكب التحولات التي يعرفها العصر.