هم "مُسلمون سابقون" تمرّدوا على القدر... قدرٌ جعل منهم مسلمين منذ أن رأت أعينهم الدّنيا، إلاّ أنهم رسموا طريقا مختلفة بحثا عن حياة جديدة بعيدة عن الأديان؛ قد يوجد البعض منهم بيننا دون علمنا بالضرورة، فالوصول إليهم صعب جدا، يَتردّدُون كثيرا قبل الحديث أو الإفصاح عن هوّيتهم ومعتقداتهم لك، وإن فعلوا فغالبا ما يضفون نوعا من السرّية على حياتهم ويرفضون الخوض في التفاصيل. يفسِّر بعض من الشباب ممّن تحدّثنا إليهم، إناثا كانوا أو ذكورا، أنّ هذا القرار ناتج عن عدة أسباب؛ إذ يُقرّ البعضُ منهم بتناقض العلم مع الدين كما يعتقدون أنّ الخطاب الديني لا يُواكب التجديد الذي تعيشه المجتمعات، ما جَعلهم يقتنعون أنّ الديانات من صنع البشر فقط. أمّا عن البعض الآخر، فلا يُلحد لشيء سوى لمجرّد أنّ الأمر أصبح "موضة" العصر، وأنّ كل من يُقْبل على قرار كهذا هو شخص "بلغ أوج الثقافة والحضارة والانفتاح". لم أختر الإسلام.. سعيد، اسم مستعار اخترناه لشاب يبلغ من العمر 19 سنة، بدا مُتردّدا في البداية قبل أن يُقرّر الحديث إلينا بعد التحقّق من هوية المتحدِّث إليه. بدايات قصة هذا الشاب مع الإلحاد كانت عن طريق مشاهدة فيديوهات على اليوتوب، والتي يقرّ أنها أشعلت بداخله شرارة الأسئلة الوجودية. "لم أختر الإسلام، صحيح أنّني وُلدت مسلما لكن هذا لا يتطلّب أن أسير على النهج ذاته بعد أن وجدت الكثير من الأخطاء والتناقضات في القرآن،" يحكي الشاب بثقة ويقين كبيرين. نيران اللعنات لا تُفارق سعيد في حالة البوح بمعتقداته، إذ يؤكّد أنه يتعرّض للكثير من الانتقادات ومختلف أشكال السب والشتم كما يتوصّل بالعديد من الرسائل المجهولة التي يصفها بالغريبة. "يُراسلني باستمرار أشخاص لا أعرفهم، يباشرون الحديث في موضوع اللاّ دينية بطريقة غريبة، فلم أعد أثق بأي شخص مجهول يتواصل معي، وأرفض الانضمام لأي جمعية حقوقية تدافع عن الأقليات، لأن الأمر لا يجلب سوى المشاكل"، يروي سعيد. بعد هذا التحوّل الجذري في المُعتقد، يؤكّد سعيد أنه أصبح يشعر براحة نفسية كبيرة قائلا: "إن أخفقت أو نجحت في شيء ما، فأنا من يتحمّل المسؤولية، ولا وجود للقضاء للقدر، وهذا يجعلني أشعر بارتياح كبير". لا يُخفي سعيد وجود العديد من أصدقائه الملحدين الذين لم يبذلوا أي مجهود من أجل البحث حول الموضوع بل اتباعا لما أسماه ب"موضة العصر"؛ "أصبح الأمر موضة عند بعض الشباب، لا يبحثون في الشؤون الدينية ويعتقدون أن الإلحاد وسيلة للظهور وإثبات الذات،" يقول سعيد. الإنسانية تجمعُنا.. "الدياناتُ قيودٌ لا حاجة لها، عددها كثير جدا، إنّه لأمر غير منطقي أن يعرف العالم هذا الكمّ الهائل من الديانات، ثم إنّ الإنسانية تجمعنا،" هكذا برّر حميد موقفه من الديانات، مشيرا إلى "أنّ رأيَهُ هذا هو نتيجة سنوات طويلة من البحث حول الموضوع". يتساءل حميد، الشاب البالغ من العمر 23 سنة، عن جدوى الدّخول في التفاصيل التي يقرّ أنها "مجرّد دهاليز وتعقيدات"؛ لأن لحميد قناعة بأنّ "فِعْل الخير هو أهمّ ما استخلصت إليه كلّ الديانات". ومدافعا عن موقفه، يقُول حميد: "لم يُقنعني الإسلام، فهو ديانة تحتوي على الكثير من التناقضات، كما أن نمط الحياة الذي أريد اتباعه لا يتناسب تماما مع هذه الديانة ولهذا قرّرتُ أن أصبح لا دينيا". حاولنا الاستفسار عن ماهية التناقض الذي وجده حميد بالإسلام، إلاّ أنّ هذا الأخير اعتبر السؤال مستفزّا فقرّر عدم الإجابة قائلا: "هذا سؤال مستفزّ ولست مجبرا على الإجابة، يكفي أنّ عدد الديانات كثير جدا، وهذا أمر غير مقبول وغير منطقي؛ لهذا السبب بدأت أطرح على نفسي الكثير من الأسئلة والتي أسفرت في نهاية المطاف عن قراري هذا". وعلى خلاف الكثير من اللاّ دينين المغاربة، يؤكّد حميد أنّ هذا القرار لم يكن صعبا بالنسبة إليه، خصوصا أنّ عائلته وأصدقاءه على علم بالموضوع. وبنبرة صوت متمرّدة، يشدّد أنّه لا يُعير أي أهمية لآراء الآخرين، ولا يهتم بنظرة ممن حوله، فبحسب حميد "من لا يقبل الشخص كما هو، لا يستحق أن يكون في حياته". "حاولت أمي أن تنصحني مراراً وتكرارا بإعادة النظر في هذا القرار الذي كانت تصفه بالمُتهوّر، إلاّ أنني كنت متيقّنا أن الديانات من صنع البشر فقط، ولا وجود لها"، يقول حميد، الذي يؤكّد أنّه يؤمن بوجود الله وحده. اختيارات حميد وبوحه بقناعاته الدينية لم تدفعه إلى قطع علاقاته مع أصدقائه المسلمين، إذ أكّد لنا أنه ما زالت تربطه بهم وببعض زملائه بالعمل "علاقة قوية، يطبعها الاحترام والمودّة". انتقال جيلي للمعارف.. تغيّر ملحوظ ذلك الذي كشف عنه الاستطلاع الأخير الذي أجرته "شبكة البارومتر العربي"، الذي أكّد أن عدد غير المتديّنين تضاعف أربع مرات في المغرب منذ سنة 2013 إلى الآن. وفي هذا الصدد، يقول أحمد الحمداوي، الدكتور المتخصصّ في علم النفس التربوي، إنه "خلال مرحلة المراهقة، يخضع الشباب المغاربة للعديد من التغيّرات على مستوى الاعتقادات المجتمعية والتي تأتي على رأسها التعامل مع المعتقدات الدينية التي وجدوا عليها الأجيال السابقة، فلا يقبلون بالانتقال الجيلي للمعارف." ويُضيف المتحدّث، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنّ "محاولة تغيير الشباب لقناعاتهم الدينية وإعادة النظر فيها ينبني على أساس أنّ على هذه الأخيرة الخضوع لأسس علمية وملموسة"، وزاد: "الإنسان ابتداء من فترة المراهقة يبدأ في طرح أسئلة متعدّدة حول الوجود الفعلي الله، بعض الشخصيات الدينية، كما يطرح تساؤلات حول مفهوم الدين، العقاب والمصير والآخرة". وعلى الرغم من وجود مُعطيات تعكس ارتفاع ابتعاد الشباب المغاربة عن الدّين، فإن الحمداوي أقرّ بأنّ "المجتمع المغربي محافظ ومتدّين، ويجب أخد الحيطة والحذر عند الاطّلاع على هذه الإحصائيات"، مُستدلاّ بدراسة أمريكية حديثة أكدت أن "المغاربة في صدارة الشعوب المواظبة على الصلاة." ما موقف الإسلام؟ تكفل المادّة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل شخص "الحقّ في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة"، إلاّ أن هناك حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم يسمح بقتل المرتدّ؛ ما أثار الكثير من الجدل بين الباحثين في الشؤون الدينية، فمنهم من شكّك في صحّته مستدلاّ بعدم وجود أي آية في القرآن الكريم تحث على ذلك، وفئة أخرى منهم من الذين يقرّون أنّ لا مجال للشك في أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم. عبد الله شاكر، الرئيس السابق للمجلس العلمي المحلّي بالجديدة، يرى أنّ "الخروج عن الإسلام يشكل تهديدا بالنسبة للمجتمع المغربي، ولا يجب فتح المجال أمام الجميع من أجل الإقبال على قرار كهذا". واستشهادا بالآية القرآنية: "لا إكراه في الدّين"، يقرّ المتحدّث ضمن تصريح لهسبريس بأنه لا يجب إكراه أي أحد من أجل الدّخول في دين الإسلام، ويتعلّق الأمر هنا ب"الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن دخلوا الإسلام سابقا، وليس بالمسلمين"، وزاد: "في حال توبة المرتدّ، سيغفر له الله تعالى، شريطة أن يرجع للإسلام طواعية وإيمانا وليس خوفا من عقاب جهنم". خطابات من هذا القبيل، غالبا ما تلقى انتقادات متعدّدة من طرف المتتبعين للشؤون المجتمعية بالمغرب؛ وفي هذا السياق، يؤكد الحمداوي أنّ "الخطاب الديني لا يتماشى مع التحّولات المجتمعية والثقافية بالمغرب، ولا يُناسب المناخ النفسي والاجتماعي، على الرغم من المجهودات التي قامت بها الدّولة في هذا الصدد." ويشير الدكتور الباحث في علم النفس إلى أنّ "للمجتمع المغربي خصوصيات ومتغيرات تتحكم في تحولاته، لكن الخطاب الديني بعيد عن مواكبة الهموم والقضايا المجتمعية للشباب،" مُعتبرا إياه أكثر من مجرّد "دعوات للصلوات والعبادات، وإنّما أجوبة فعلية عن تساؤلات ومعاناة الشباب على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي". *صحافية متدربة