موظفو "لاراديل" سابقاً يخرجون للاحتجاج بعد إدماجهم في الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM(TTA)    جمعية منار العنق للفنون تنظم مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير في دورته العاشرة    طنجة.. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الأوغندي وديا بأربعة أهداف لصفر    ولوج الموانئ... تنظيم محكم وترخيص صارم (المادة 49)    ميناء طنجة المتوسط : إحباط محاولة لتهريب كمية من الذهب    العرائش... مدينة تغرق في أولى زخات المطر : "روغار" مفتوح يفضح تقاعس المسؤولين ويهدد سلامة المواطنين    القنصلية العامة في لندن تحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    ترامب يوبّخ صحفية لسؤالها عن خاشقجي ويدافع عن بن سلمان.. والأخير يعلن رفع استثمارات بلاده في أمريكا إلى تريليون دولار    الأمن يضع كاميرات المراقبة لأول مرة في شوارع أكادير    العرائش: قسم الاقتصاد و التنسيق يستعد لتنزيل القرار العاملي مطلع السنة المقبلة و مخاوف من سحب المأذونيات من المستغلين في وضعية غير قانونية    استقلال المغرب…ثمرة كفاح مشترك بين الملك والشعب    العرائش: رئيس الائتلاف المغربي للسائقين غير المالكين يؤطر لقاء تواصليا لمهنيي سيارات الأجرة    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    تأهل سيدات الجيش الملكي لنهائي دوري أبطال إفريقيا بعد تغلبهن على مازيمبي    حموشي يترأس بالرباط حفل التميز السنوي الذي نظمته مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني    نبيل باها: المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في المنافسة    الجزائر "شاهد زور".. من خان فلسطين فعلاً؟    ترامب يستقبل ولي العهد السعودي في زيارة رسمية إلى البيت الأبيض    حكيمي يتوج بجائزة "الأسد الذهبي" لسنة 2025    أسود الأطلس يمطرون شباك أوغندا برباعية نظيفة في ودية طنجة    مهدي اغويركات يفوز بجائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 من الأكاديمية الفرنسية    المكتب الوطني للسياحة يفعل إجراءات مهمة استعدادا ل"الكان"    يهم المغرب .. البرازيل تهزم فرنسا        اتحاد طنجة ينفصل عن مدربه هلال الطير    سعيد التدلاوي يندد بغياب التشاور بين وزارة الفلاحة والغرف الفلاحية    تشكيلة "أشبال U17" أمام منتخب مالي    شلل رقمي يضرب الإنترنت عالميا.. والمنصات المغربية ضمن المتضررين    مصر تلغي نتائج التصويت في 19 دائرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    "دينوس ألايف".. المعرض التفاعلي المخصص لعالم ما قبل التاريخ يصل الدار البيضاء    دراسة: المغرب من الدول الأكثر تأثرا بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة من مكبات النفايات    الصناعة التقليدية المغربية تتألق في إشبيلية... انطلاق فعاليات الأسبوع الثقافي «We Love Morocco»    الملك يتوصل بتهنئة رئيس الإمارات    عمر هلال يترأس المؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وباقي أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط    طرح 20% من أسهم "الشركة العامة للأشغال بالمغرب" في البورصة بهدف جمع 5.04 مليار درهم    جرد ببعض ما اكتشفه في الكهف الحاضر القديم    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الماء والبنية التحتية..محور مباحثات بين وزير التجهيز والماء وسفيرة الصين    الإعلان عن الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في دورتها ال23 بالرباط    الشعب المغربي يحتفل غدا الأربعاء بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء    مروحيات جديدة تعزز قدرات البحث والإنقاذ القتالي لدى القوات المغربية    خفض المساعدات الأمريكية والأوروبية قد يتسبب ب22,6 مليون حالة وفاة بحسب دراسة    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار    حجيرة: طاقات تصديرية "غير مستغلة"    مشاركة مغربية في ندوة للجيش الإسرائيلي لاستخلاص الدروس من "حرب الإبادة" في غزة    جمارك ميناء طنجة المتوسط تحبط محاولة تهريب الذهب    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحق في الإيمان والحق في الإلحاد
نشر في لكم يوم 19 - 05 - 2019

تلقيت ‬عبر ‬‮«‬الواتساب‮»‬ ‬ملصقين ‬لندوتين ‬إحداهما ‬حول ‬‮«‬الإلحاد ‬الجديد ‬بين ‬أسبابه ‬النفسية ‬والمعرفية‮»‬ ‬وهو ‬وموضوع ‬ندوة ‬بالدار ‬البيضاء، ‬والثانية ‬حول ‬‮«‬منهجية ‬التعامل ‬مع ‬شبهات ‬الملحدين‮»‬ ‬شعار ‬ندوة ‬نُظمت ‬بتطوان.‬
وشارك ‬في ‬اللقاءين ‬معا ‬ثلة ‬من ‬الدعاة ‬المنتمين ‬لتيار ‬الإسلام ‬السياسي ‬والمختصين ‬في ‬الشريعة ‬الإسلامية.‬
ولعله ‬تقدم ‬كبير ‬أن ‬يجعل ‬الإسلاميون ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬موضوعا ‬للتفكير، ‬عوض ‬اعتماد ‬أساليب ‬التكفير ‬وهدر ‬الدم ‬والتحريض ‬الشرس، ‬فعقد ‬ندوة ‬للحوار ‬والنقاش ‬أمر ‬محمود ‬في ‬جميع ‬الأحوال، ‬لكن ‬مع ‬تسجيل ‬الملاحظات ‬التالية:‬
1) ‬أن ‬كلمة ‬‮«‬إلحاد‮»‬ ‬تعني ‬لغويا ‬الميل ‬والانحراف ‬عن ‬الحق، ‬والزيغ ‬والضلال، ‬وهي ‬إيحاءات ‬ومعان ‬سلبية ‬نُحتت ‬من ‬قبل ‬المؤمنين، ‬وهي ‬لذلك ‬تحمل ‬الكثير ‬من ‬أحكام ‬القيمة، ‬حيث ‬تحاكم ‬الآخر ‬فقط ‬لأنه ‬مختلف، ‬وتعطي ‬المؤمنين ‬الحق ‬في ‬تزكية ‬أنفسهم ‬والحكم ‬على ‬غيرهم ‬بكل ‬الأوصاف ‬السلبية، ‬مع ‬أن ‬الواقع ‬المجتمعي ‬قد ‬يعكس ‬خلاف ‬ذلك ‬تماما .‬
من ‬جانب ‬آخر ‬فغالبا ‬ما ‬يخلط ‬الإسلاميون ‬بين ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬و»اللادينية‮»‬، ‬بينما ‬هما ‬موقفان ‬مختلفان، ‬ف»الإلحاد‮»‬ ‬نفي ‬حاسم ‬للألوهية ‬وللمبدأ ‬الميتافيزيقي، ‬بينما ‬اللادينية ‬قائمة ‬على ‬التشكيك ‬في ‬الديانات ‬المتواجدة ‬حاليا، ‬باعتبارها ‬بعيدة ‬كل ‬البعد ‬عن ‬أن ‬تعكس ‬بشكل ‬مقنع ‬فكرة ‬الألوهية، ‬بوصفها ‬حقيقة ‬مطلقة ‬متعالية ‬كما ‬يدّعيها ‬المؤمنون. ‬ولأن ‬اللاديني ‬لا ‬يتوفر ‬على ‬جواب ‬نهائي ‬بهذا ‬الشأن، ‬فإنه ‬يترك ‬السؤال ‬معلقا ‬دون ‬الحسم ‬فيه، ‬مع ‬تأكيده ‬بأن ‬الديانات ‬في ‬صيغتها ‬الرائجة ‬بين ‬البشر، ‬بمفارقاتها ‬وتناقضاتها، ‬مجرد ‬صناعة ‬بشرية.‬
2) ‬أن ‬الذي ‬يبدو ‬من ‬أسماء ‬المشاركين ‬في ‬هاتين ‬الندوتين ‬وانتماءاتهم ‬الإيديولوجية، ‬أنهم ‬يريدون ‬مناقشة ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬من ‬منطلق ‬الإيمان ‬المسيّس، ‬بينما ‬سيصعب ‬كثيرا ‬فهم ‬الموضوع ‬بدون ‬رؤية ‬علمية ‬محايدة ‬من ‬جهة، ‬ومن ‬جهة ‬أخرى ‬من ‬داخل ‬موقف ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬ذاته، ‬فالكثير ‬من ‬الأشياء ‬ستقال ‬عن ‬الملحدين ‬في ‬غيابهم، ‬قد ‬لا ‬تكون ‬دقيقة ‬تماما، ‬بل ‬قد ‬تكون ‬بعيدة ‬عن ‬واقع ‬الظاهرة، ‬ومن ‬هنا ‬كان ‬لا ‬بد ‬لهؤلاء ‬من ‬التفكير ‬في ‬استحضار ‬‮«‬الملحدين‮»‬ ‬والاستماع ‬إليهم، ‬والسماح ‬لهم ‬بالرد ‬على ‬‮«‬الشبهات‮»‬ ‬التي ‬تستهدفهم. ‬ولعل ‬الحديث ‬عن ‬‮«‬الملحد‮»‬ ‬والطعن ‬فيه ‬في ‬غيابه ‬من ‬تقاليد ‬الفكر ‬الديني ‬القديم، ‬فقد ‬ألف ‬‮«‬ابن ‬الراوندي ‬الملحد‮»‬ ‬114 ‬كتابا ‬لم ‬يصلنا ‬منها ‬أي ‬واحد، ‬ولا ‬يتعرف ‬عليه ‬القارئ ‬اليوم ‬إلا ‬من ‬خلال ‬ردود ‬خصومه ‬عليه.‬
غير ‬أنني ‬ألتمس ‬عذرا ‬لهؤلاء ‬الإسلاميين ‬في ‬عدم ‬قيامهم ‬بتنظيم ‬حوار ‬حقيقي، ‬وهو ‬كون ‬المجتمع ‬الذي ‬يعيشون ‬فيه ‬ما ‬زال ‬من ‬التخلف ‬بحيث ‬أنه ‬لا ‬يقبل ‬بوجود ‬‮«‬الملحد‮»‬ ‬بله ‬السماح ‬له ‬بأخذ ‬الكلمة، ‬وأضيف، ‬حتى ‬أضع ‬إخواننا ‬الإسلاميين ‬في ‬الصورة، ‬بأنهم ‬مسؤولون ‬بجانب ‬سلطات ‬الاستبداد ‬عن ‬هذا ‬الوضع ‬البئيس ‬الذي ‬يتخبط ‬فيه ‬المسلمون، ‬حيث ‬ساهموا ‬بدورهم ‬في ‬تجهيل ‬المجتمع ‬وشحنه ‬وتحريضه ‬ضدّ ‬مظاهر ‬الاختلاف ‬حتى ‬صار ‬الناس ‬في ‬سلوكهم ‬فيما ‬بينهم ‬ومع ‬غيرهم ‬أقرب ‬إلى ‬البهائم ‬منهم ‬إلى ‬البشر، ‬وصار ‬التشنج ‬والتخبط ‬والهياج ‬العاطفي ‬غالبا ‬على ‬التفكير ‬والوعي ‬المواطن ‬والحوار ‬والتبادل.‬
3) ‬أن ‬تعبير ‬‮«‬الإلحاد ‬الجديد‮»‬ ‬يبدو ‬غير ‬واقعي ‬وغير ‬علمي، ‬ذلك ‬لأن ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬لا ‬يوجد ‬فيه ‬قديم ‬وجديد ‬بل ‬هو ‬ظاهرة ‬مجاورة ‬للإيمان ‬منذ ‬أقدم ‬العصور، ‬وسيظل ‬الموقفان ‬معا ‬متجاورين ‬في ‬المجتمعات ‬البشرية ‬حتى ‬النهاية. ‬ربما ‬يشكل ‬المؤمنون ‬بالديانات ‬التوحيدية ‬وغيرها ‬من ‬الديانات ‬القديمة ‬أو ‬الجديدة ‬أغلبية ‬البشرية، ‬لكن ‬أشكال ‬إيمانهم ‬واعتقادهم ‬تصل ‬أحيانا ‬حدّ ‬التناقض ‬التام، ‬وقد ‬يشكل ‬الملحدون ‬أقلية ‬في ‬نادي ‬البشرية، ‬لكنهم ‬تجمعهم ‬فكرة ‬واحدة ‬واضحة.‬
من ‬جانب ‬آخر ‬سوف ‬يلاحَظ ‬بأنّ ‬غالبية ‬المؤمنين ‬أناس ‬بسطاء ‬وقد ‬تسود ‬بينهم ‬الأمية ‬وكثير ‬من ‬الجهل ‬أحيانا، ‬كما ‬هو ‬الأمر ‬في ‬بلاد ‬المسلمين، ‬إذ ‬يمكن ‬لأي ‬شخص ‬مهما ‬كانت ‬درجة ‬تدنّي ‬ذكائه ‬ووعيه ‬وثقافته ‬أن ‬يكون ‬مؤمنا ‬ولو ‬بالتقليد ‬الأعمى ‬لما ‬هو ‬موجود ‬ومكرس ‬في ‬المجتمع، ‬بينما ‬لا ‬تجد ‬‮«‬مُلحدا‮»‬ ‬من ‬هذه ‬الطبقة، ‬بل ‬يصعب ‬أن ‬تجد ‬‮«‬ملحدا‮»‬ ‬لا ‬يطالع ‬الكتب ‬ولا ‬يبحث ‬ولا ‬يشغل ‬نفسه ‬بالمعرفة، ‬وذلك ‬بسبب ‬القلق ‬المعرفي ‬الذي ‬لديه، ‬والذي ‬يدفعه ‬إلى ‬التساؤل ‬والبحث ‬المستمر ‬الذي ‬أفضى ‬به ‬إلى ‬بناء ‬موقف ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬الذي ‬هو ‬من ‬الصعوبة ‬بمكان، ‬إذ ‬ليس ‬من ‬السهل ‬أن ‬يقتنع ‬الإنسان ‬بأنه ‬لا ‬يوجد ‬إله ‬ولا ‬سماء ‬ولا ‬حياة ‬بعد ‬الموت، ‬بينما ‬من ‬السهل ‬جدا ‬أن ‬يجد ‬المرء ‬نفسه ‬في ‬مجتمع ‬متدين ‬ويتبع ‬تقاليد ‬أبائه ‬وأجداده ‬مطمئنا ‬إلى ‬قناعاتهم ‬المتوارثة ‬بدون ‬أي ‬تفكير ‬أحيانا (‬حَسْبُنَا ‬مَا ‬وَجَدْنَا ‬عَلَيْهِ ‬آبَاءنَا).‬
ولهذا ‬كان ‬رجال ‬الدين ‬يقومون ‬دائما ‬بتحريض ‬العامة ‬من ‬الأميين ‬والجهلة ‬ضد ‬العلماء (‬العاملين ‬في ‬حقل ‬العلوم ‬الدقيقة) ‬والفلاسفة ‬والشعراء ‬والأدباء ‬والنخب ‬الملحدة، ‬حيث ‬من ‬السهل ‬تهييج ‬العامة ‬والاستقواء ‬بها ‬ضدّ ‬النخب ‬التي ‬تلاحقها ‬تهم ‬‮«‬الزندقة‮»‬ ‬و»الإلحاد‮»‬ ‬و»الضلال‮»‬، ‬رغم ‬أنها ‬تمثل ‬زبدة ‬المجتمع.‬
4) ‬أن ‬ما ‬يبدو ‬من ‬عنواني ‬الندوتين ‬أن ‬المنظمين ‬ينطلقون ‬من ‬قناعتين ‬خاطئتين: ‬الأولى ‬أن ‬الملحدين ‬لا ‬يعرفون ‬الدين ‬إذ ‬لو ‬عرفوه ‬لانضموا ‬إلى ‬كوكبة ‬المؤمنين ‬ودخلوا ‬في ‬‮«‬حظيرة ‬الإيمان‮»‬، ‬القناعة ‬الثانية ‬أن ‬الملحدين ‬يعانون ‬من ‬مشاكل ‬نفسية ‬بسبب ‬عدم ‬اطمئنانهم ‬إلى ‬وجود ‬إله ‬وحياة ‬بعد ‬الموت، ‬ويكفي ‬هدايتهم ‬إلى ‬الحق ‬لكي ‬يزول ‬قلقهم ‬وتطمئن ‬قلوبهم ‬بالإيمان ‬واليقين.‬
والحقيقة ‬أن ‬هذا ‬التبسيط ‬السطحي ‬للغاية، ‬والذي ‬يصل ‬درجة ‬الغباء ‬في ‬بعض ‬جوانبه، ‬هو ‬سبب ‬عدم ‬فهم ‬الإشكال ‬المطروح، ‬الذي ‬يقدم ‬معطيات ‬تتعارض ‬كليا ‬مع ‬ما ‬يزعمه ‬المؤمنون. ‬ف»الملحدون‮»‬ ‬لا ‬تنقصهم ‬المعرفة ‬بالدين، ‬لأنهم ‬من ‬قرائه ‬الكبار، ‬بل ‬إن ‬موقفهم ‬لم ‬ينقلب ‬من ‬الإيمان ‬إلى ‬الإلحاد ‬إلا ‬بعد ‬بحث ‬مُضنٍ ‬واطلاع ‬كبير، ‬ومن ‬بين ‬ما ‬يمتاز ‬به ‬‮«‬الملحدون‮»‬ ‬عن ‬المؤمنين ‬أن ‬اطلاعهم ‬في ‬كثير ‬من ‬الأحيان ‬يتجاوز ‬الدين ‬الواحد ‬إلى ‬المعرفة ‬بالأديان ‬المختلفة، ‬ودراسة ‬نصوصها ‬ومقارنتها، ‬بينما ‬يتحدث ‬المسلمون ‬فقط ‬من ‬منطلق ‬الإيمان ‬بدينهم، ‬مع ‬كثير ‬من ‬الجهل ‬بالديانات ‬الأخرى ‬التي ‬لا ‬يعرفون ‬عنها ‬شيئا، ‬والدليل ‬على ‬ذلك ‬بعض ‬الأفكار ‬التي ‬يروجونها ‬عن ‬الديانات ‬الأخرى، ‬والتي ‬لا ‬علاقة ‬لها ‬بنصوص ‬تلك ‬الديانات ‬ولا ‬بتاريخها.‬
أما ‬الاضطرابات ‬النفسية ‬فالأحرى ‬البحث ‬عنها ‬لدى ‬المؤمنين ‬الذين ‬يقع ‬بعضهم ‬فريسة ‬الخوف ‬الشديد ‬من ‬‮«‬عذاب ‬القبر‮»‬ ‬أو ‬المصير ‬الأخروي ‬إلى ‬درجة ‬الحرمان ‬من ‬النوم (‬يحدث ‬هذا ‬لدى ‬النساء ‬بصفة ‬خاصة) ‬ويصل ‬ببعضهم ‬التعصب ‬إلى ‬حدّ ‬كراهية ‬الأقرباء ‬واعتزال ‬المجتمع ‬والدولة، ‬ويلقي ‬ببعضهم ‬في ‬أتون ‬الإرهاب ‬فيعمد ‬إلى ‬الانفجار ‬والقتل ‬والذبح، ‬ومن ‬بين ‬الصور ‬المعتادة ‬الأكثر ‬تعبيرا ‬عن ‬هذه ‬الاضطرابات ‬النفسية ‬سلوك ‬الدعاة ‬الدينيين ‬الإسلاميين ‬وخُطبهم ‬وفتاواهم ‬الغريبة ‬التي ‬لا ‬يمكن ‬أن ‬تصدر ‬عن ‬عقلاء.‬
فخلال ‬مظاهرات ‬عرفتها ‬اليمن ‬ضدّ ‬شريط ‬يُهين ‬شخصية ‬النبي ‬محمد، ‬توفي ‬عشرات ‬الأشخاص ‬وجرح ‬المئات ‬بسبب ‬هياج ‬الناس ‬وازدحامهم ‬لفرط ‬عاطفتهم ‬الإيمانية ‬التي ‬هيجها ‬الخطباء، ‬فقتلوا ‬بعضهم ‬بعضا ‬وكلهم ‬مسلمون، ‬رغم ‬أن ‬العدو ‬الذي ‬يتظاهرون ‬ضدّه ‬يوجد ‬على ‬بُعد ‬آلاف ‬الكيلومترات ‬في ‬أمن ‬وأمان ‬بعيدا ‬عن ‬أي ‬تهديد. ‬أليس ‬هذا ‬من ‬علامات ‬العُصاب ‬والاضطراب ‬النفسي ‬؟
ومن ‬الغريب ‬أن ‬هذا ‬الأسلوب ‬الذي ‬يتعامل ‬به ‬المسلمون ‬مع ‬غير ‬المؤمنين ‬هو ‬نفسه ‬الذي ‬تعاملت ‬به ‬‮«‬قريش‮»‬ ‬مع ‬النبي ‬محمد ‬في ‬مكة، ‬حيث ‬اتهموه ‬بأنه ‬ضحية ‬اضطرابات ‬نفسية ‬وجنون، ‬فجاء ‬في ‬القرآن (‬ومَا ‬صَاحبُكم ‬بمَجنُون)‬، ‬وقد ‬اتهم ‬بالجنون ‬من ‬قِبَل ‬قومه ‬لأنه ‬كان ‬مختلفا ‬ويقول ‬ما ‬لم ‬يتعوده ‬الناس ‬وتطمئنّ ‬إليه ‬نفوسهم.‬
في ‬الحقيقة، ‬من ‬المؤكد ‬أن ‬المؤمنين ‬سيجدون ‬أنفسهم ‬في ‬وضعية ‬صعبة ‬عندما ‬نقارن ‬بين ‬سلوكهم ‬ومعتقداتهم ‬وسلوك ‬غير ‬المؤمنين. ‬وأذكر ‬بهذا ‬الصدد ‬نكتة ‬نشرتها ‬الصحافة ‬المصرية ‬عن ‬طبيب ‬نفسي ‬سأله ‬أحد ‬الإعلاميين ‬التابعين ‬ل»الإخوان‮»‬ ‬قائلا ‬‮«‬ألا ‬تعتقد ‬يا ‬دكتور ‬بأن ‬الإلحاد ‬مرض ‬نفسي ‬؟‮»‬ ‬فما ‬كان ‬من ‬الطبيب ‬إلا ‬أن ‬أجابه ‬ساخرا :‬‮»‬في ‬الواقع ‬لو ‬جاءني ‬شخص ‬يقول ‬إنه ‬يعتقد ‬في ‬وجود ‬شخص ‬طار ‬على ‬ظهر ‬دابة ‬برأس ‬إنسان ‬مخترقا ‬السماوات ‬السبع ‬وهو ‬يدق ‬على ‬أبوابها ‬لشككت ‬في ‬سلامته ‬العقلية‮»‬.‬
ما ‬وراء ‬الظاهرة:‬
عندما ‬نتأمل ‬الموضوع ‬جيدا ‬ونتابع ‬النقاش ‬حوله ‬سوف ‬نلمس ‬بدون ‬كبير ‬عناء ‬أن ‬الأمر ‬في ‬الحقيقة ‬لا ‬يتعلق ‬بالإيمان ‬و»الإلحاد‮»‬ ‬بوصفهما ‬موقفين ‬شخصيين، ‬إذ ‬على ‬هذا ‬المستوى ‬لا ‬حاجة ‬لنا ‬بأي ‬نقاش، ‬حيث ‬يكفي ‬أن ‬يحترم ‬كل ‬واحد ‬الآخر ‬في ‬اختياراته، ‬بل ‬يتعلق ‬الأمر ‬في ‬الواقع ‬بقضايا ‬السلطة ‬والنظام ‬العام ‬وتقاليد ‬المجتمع، ‬وفي ‬هذه ‬الحالة ‬سيكون ‬علينا ‬أن ‬نبحث ‬عن ‬أسباب ‬مشاكلنا ‬وصراعاتنا ‬في ‬الحياة ‬السياسية، ‬لا ‬في ‬الأديان ‬والمعتقدات ‬أو ‬في ‬مواقف ‬الإلحاد ‬أو ‬اللادينية. ‬فالذين ‬عقدوا ‬الندوتين ‬معا ‬إنما ‬فعلوا ‬بسبب ‬شعورهم ‬ ‬بوصفهم ‬فاعلين ‬مسيّسين ‬ ‬بأن ‬موجة ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬تهدّد ‬مصالحهم، ‬وهم ‬الذين ‬يطمحون ‬إلى ‬ممارسة ‬الوصاية ‬الدينية ‬على ‬المجتمع ‬والدولة، ‬ومعلوم ‬أنه ‬لا ‬يمكن ‬الإبقاء ‬على ‬هذه ‬الوصاية ‬إلا ‬باستمرار ‬البديهيات ‬الدينية ‬وارتباط ‬نُظم ‬العلاقات ‬الاجتماعية ‬بها، ‬وهو ‬ما ‬يجعل ‬بنيات ‬الوعي ‬الجمعي ‬مستقرة ‬على ‬نفس ‬الثوابت ‬والبديهيات ‬التي ‬تمتد ‬من ‬العقيدة ‬إلى ‬التقاليد ‬لكي ‬تصل ‬إلى ‬كرسي ‬السلطة، ‬هكذا ‬يصبح ‬الإيمان ‬الديني ‬الذي ‬من ‬المفروض ‬أنه ‬موقف ‬شخصي، ‬يصبح ‬آلية ‬رئيسية ‬للحفاظ ‬على ‬نظام ‬عام ‬وحراسته ‬ومراقبته، ‬وفي ‬المقابل ‬يصبح ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬تهديدا ‬للنظام ‬العام ‬ولمن ‬يستعمل ‬الدين ‬في ‬حقل ‬الشرعية ‬والحكم.‬
من ‬هذا ‬المنطلق ‬فلعلّ ‬شعور ‬الإسلاميين ‬بخطر ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬الذي ‬لا ‬يهتم ‬به ‬المجتمع ‬في ‬الواقع، ‬إنما ‬مصدره ‬كذلك ‬شعورهم ‬بمسؤوليتهم ‬عما ‬يقع، ‬فمن ‬أكبر ‬أسباب ‬‮«‬الإلحاد‮»‬ ‬ومغادرة ‬الناس ‬الإسلام ‬نجد ‬التطرف ‬الديني ‬الإسلامي ‬الذي ‬نشره ‬الإسلاميون، ‬إذ ‬أنّ ‬ردّ ‬الفعل ‬المباشر ‬على ‬التشدّد ‬في ‬الدين ‬وتحويله ‬إلى ‬نظام ‬عام ‬قهري ‬متسلط، ‬سواء ‬من ‬قِبَل ‬الدولة ‬أو ‬الجماعات ‬المتشدّدة، ‬هو ‬النزعة ‬‮«‬الإلحادية‮»‬ ‬لدى ‬الأفراد ‬كما ‬حدث ‬في ‬أوربا ‬من ‬قبل، ‬وكما ‬يحدث ‬مثلا ‬في ‬السعودية ‬وإيران ‬والسودان ‬حاليا (‬أنظر ‬مقالنا ‬على ‬الانترنيت ‬‮«‬ظاهرة ‬الإلحاد ‬في ‬الدول ‬الدينية‮»‬).‬
لقد ‬وقعت ‬التيارات ‬الإسلامية ‬المتطرفة ‬والدول ‬الراعية ‬لها ‬في ‬خطأ ‬قاتل ‬عندما ‬قامت ‬بتعميم ‬الكثير ‬من ‬معطيات ‬الفقه ‬القديم ‬والتفاسير ‬التراثية ‬عبر ‬الأنترنيت، ‬ظنا ‬منها ‬بأنها ‬تخدم ‬‮«‬الصحوة‮»‬، ‬بينما ‬كان ‬لذلك ‬أثر ‬صادم ‬على ‬عقول ‬الشباب ‬الذي ‬أصبح ‬يجد ‬المادة ‬الدينية ‬معروضة ‬بكل ‬تناقضاتها ‬وهشاشتها ‬في ‬الفضاء ‬الأزرق، ‬فكان ‬ذلك ‬من ‬بين ‬أسباب ‬انتشار ‬الظاهرة ‬‮«‬الإلحادية‮»‬ ‬في ‬السياق ‬الراهن، ‬إذ ‬لم ‬يكن ‬المسلمون ‬يعرفون ‬الكثير ‬من ‬التفاصيل ‬ذات ‬الصلة ‬بالنصوص ‬الدينية ‬المؤسسة، ‬وبتاريخ ‬الإسلام ‬المبكر.‬
والمشكلة ‬بجانب ‬ما ‬ذكرنا ‬أن ‬الحُكام ‬والإسلاميين ‬يتسبّبون ‬في ‬الموجة ‬‮«‬الإلحادية‮»‬ ‬دون ‬أن ‬ينتبهوا ‬إلى ‬ضرورة ‬تغيير ‬أسلوبهم ‬في ‬التفكير، ‬لأنهم ‬لا ‬يعرفون ‬كيف ‬يتصورون ‬الإسلام ‬خارج ‬فكرة ‬الدولة ‬والحُكم ‬والغلبة.‬
أما ‬إذا ‬كنا ‬أبناء ‬عصرنا ‬هذا، ‬فإن ‬المرجعية ‬الكونية ‬لحقوق ‬الإنسان، ‬التي ‬يتبناها ‬الدستور ‬المغربي ‬ويعتبرها ‬أسمى ‬من ‬التشريعات ‬الوطنية، ‬تعتبر ‬حرية ‬الضمير ‬والحق ‬في ‬الإيمان ‬أو ‬عدمه ‬من ‬حقوق ‬الإنسان ‬الأساسية. ‬وقد ‬قام ‬المغرب ‬في ‬مارس ‬2014 ‬بجنيف، ‬بالتوقيع ‬دون ‬تحفظ ‬على ‬القرار ‬الأممي ‬القاضي ‬باحترام ‬حرية ‬المعتقد ‬والضمير. ‬وإنه ‬لمن ‬الغرابة ‬أن ‬يعمل ‬الإسلاميون ‬على ‬الاستمتاع ‬بحقهم ‬الأصلي ‬في ‬الإيمان ‬والدعاية ‬له، ‬مع ‬السماح ‬لأنفسهم ‬بهجاء ‬غيرهم ‬والتحريض ‬ضده ‬يوميا ‬تقريبا، ‬دون ‬مراعاة ‬حقوق ‬غيرهم ‬في ‬التعبير ‬والنقاش. ‬والحلّ ‬في ‬هذا ‬المجال ‬هو ‬فصل ‬الدين ‬عن ‬السياسة ‬فصلا ‬تاما ‬واعتباره ‬شأنا ‬شخصيا ‬حُرا، ‬عندئذ ‬لن ‬يبقى ‬هناك ‬مجال ‬لاعتماده ‬في ‬إذكاء ‬الصراعات ‬العبثية ‬بين ‬المواطنين، ‬كما ‬أن ‬هؤلاء ‬المواطنين ‬أنفسهم ‬لن ‬يجدوا ‬حاجة ‬إلى ‬نقد ‬الدين ‬أو ‬التعرض ‬له ‬ما ‬دام ‬لا ‬يُستعمل ‬سياسيا ‬لإخضاعهم ‬وحرمانهم ‬من ‬حقهم ‬في ‬اختيار ‬نمط ‬حياتهم.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.