يخرج طفل من حي بيوت البون بالنخيل الشمالي بعد أن فحصته والدته بنظرة حنان، يقصد ملعبا للقرب، تحول إلى مستنقعات وحفر، فيعود إلى حضنها بيد معطوبة بعدما تعرضت لكسر، فتستقبله بدموعها التي نزلت تعاتب مسؤولين تركوا هذا الفضاء يفترس أطفال وشباب مناطق عدة بمدينة مراكش. هسبريس قامت بجولة بعدة مقاطعات بالمدينة الحمراء، فوجدت جل ملاعب القرب بها خاوية على عروشها، دون حراسة ولا مشرف، وبعضها أبوابها مفتوحة وأخرى يقفز الأطفال والشبان إلى أرضيتها يلعبون دون أن يعلموا ما ينتظرهم من إصابات. وجاءت هذه الملاعب بعد إعطاء الملك محمد السادس تعليماته للجهات الوصية والمسؤولة بإحداث فضاءات رياضية لتكون متنفسا ترفيهيا للشباب المغربي الذي وجد نفسه بدون ملاعب بسبب الاكتساح الإسمنتي على مستوى جميع الأراضي في المدن، ما حرم الآلاف من ممارسة هواياتهم المفضلة. أصبح من الضروري طرح عدة أسئلة حول هذا المشروع الطموح، من قبيل هل فقدت هذه الرؤية أهدافها؟ وما السبب الذي حول ملاعب القرب إلى فضاء مهدد لسلامة الأطفال والشبان؟ ومن المسؤول عن حالتها الحالية بعدما أشرف الملك على تدشين بعضها؟ وهل تملك وزارة الشبيبة والرياضة تصورا لإنقاذها بعدما فقدت جاذبيتها؟ المجانية منحة ومحنة ياسين البهلولي، شاب من شباب مقاطعة النخيل، قال في تصريح لهسبريس: "لم تمض سوى فترة قصيرة على بداية استغلالها حتى تحولت ملاعب القرب بمقاطعة النخيل "دار التونسي"، التي يقطنها ما يناهز 100 ألف نسمة، إلى شبه مستنقعات، بعد أن أهملتها الجهات المسؤولة وتركتها عرضة للضياع"، وواصل: "غمرتنا فرحة كبيرة لحظة إحداث مجموعة من ملاعب القرب ذات العشب الاصطناعي بجوار حي دار التونسي بمقاطعة النخيل التابعة لمدينة مراكش، كمتنفس لنا لممارسة كرة القدم، لكنها تحولت إلى كابوس، بعدما أصبحت الملاعب مكانا تصعب ممارسة الرياضة فيه". "لقد تحول ملعب حينا إلى شبه مستنقع لا يصلح لأي شيء، فوجد الشباب أنفسهم أمام واقع مؤلم، يحتم عليهم ممارسة هوايتهم على أرضية غير صالحة لممارسة كرة القدم، ما يعرض العديد منهم لإصابات خطيرة"، يقول الشاب ذاته. ما جاء على لسان البهلولي عززته شهادة عبد الهادي بلمير، رئيس جمعية الأمل للترفيه والتحسيس بمنطقة النخيل، الذي عبر عن رفضه القاطع قرار مجانية ملاعب القرب النخيل، "لكونه سببا رئيسيا وراء الوضعية التي أضحت عليها هذه الفضاءات الرياضية"، وفي تصريحه لهسبريس أضاف: "هذه الملاعب التي شكلت فرصة للشباب لممارسة كرة القدم، وللجمعيات الرياضية في الأحياء لتنزيل أنشطتها وبرامجها التي تعنى بتربية الأطفال وتكوين لاعبين للمستقبل يمكن أن تكون انطلاقتهم منها إلى الأندية والاحتراف الرياضي، زاغت عن غايتها". وواصل المتحدث ذاته: "الحالة الرديئة التي آلت إليها الملاعب بسبب قرار المجانية أدت إلى تلاشي المدرسة الرياضية، التي أسست من طرف مندوبية الشبيبة والرياضة، وكانت تعتبر الأولى من نوعها بمنطقة النخيل، بضمها أكثر من 160 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 6 و12 سنة، بالإضافة إلى أزيد من 200 طفل ينتمون إلى جمعيات مختلفة بهذه المنطقة". وتساءل بلمير عن مصير أزيد من 300 طفل بمنطقة النخيل كانوا يستفيدون من ملعب للقرب ب25 درهما كواجب شهري للفرد، يعفى منه اليتامى، وكان يؤدى للمدرسة الرياضية النخيل التابعة لمندوبية الشبيبة والرياضة. ودخلت جمعيات المجتمع المدني على خط هذا المشكل، وراسلت والي جهة مراكش أسفي، تطالبه برفع الضرر عن المنشآت الرياضية بمقاطعة النخيل، تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس القاضية بتفعيل المقاربة التنموية في تنشيط المرافق السوسيو-رياضية والثقافية والاجتماعية، للمساهمة الفعلية في تأطير الأطفال والشباب وتنويع انشغالاتهم. للمحاميد نصيب إدريس حقي، المكلف بجمعية السد الرياضي بمراكش التي تنشط بحي المحاميد بمقاطعة المنارة، قال من جهته: "فكرة إحداث هذه الملاعب، التي جاءت وفق رؤية ملكية بعيدة المدى لتشجيع الشباب على ممارسة الرياضة، وأيضا في إطار برنامج ومشروع التنمية البشرية الجديد التي تتبعه المملكة، تبخرت للأسف رغم التعليمات والتوجيهات الملكية"، وزاد: "لقد عرفت هذه الفضاءات إقبالا كبيرا من طرف الشباب والأطفال المزاولين لرياضة كرة القدم داخل الجمعيات أو المدارس الرياضية، وكانت تسير بشكل عاد في تقديم خدماتها التربوية والرياضية والاجتماعية بكل تلقائية مقابل أثمان رمزية ساهمت في الحفاظ على جمالية هذه المرافق وحسن تدبيرها وتسييرها وصيانتها، لكن قرار مجانية استغلالها لم يكن حكيما". وبرر هذا الفاعل الرياضي رأيه قائلا: "صدر القرار دون دراسة مسبقة ودون تهييء أو تدبير عقلاني"، مضيفا: "أمام الخصاص في الموارد البشرية الذي تعرفه وزارة الشبيبة والرياضة، كانت هذه المرافق تسير وتدبر من طرف أعوان ومدربين تؤدى تعويضاتهم من المداخيل المحصلة من قبل المرتفقين، لكن المجانية لم توازيها آليات بديلة ذات فعالية لتدبير هذه الملاعب، فتم التخلي عن كل الأعوان والمدربين لعدم توفر مداخيل لأداء تعويضاتهم". "النتيجة الحتمية لهذا القرار سيادة حالة الفوضى والتسيب التي أصبحت تعرفها هذه الملاعب، وغياب الصيانة، ما جعل مرافقها تتعرض للتخريب في أحيان كثيرة"، يورد إدريس حقي، مؤكدا "استنكار الجمعيات الرياضية للقرارات السلبية والمتسرعة التي تتم دون إشراك السكان ومن يمثلهم، إذ لا يعقل أن تجهز مثل هذه المركبات بملايين الدراهم دون أن يتم التفكير في وسائل تدبيرها وصيانتها"، بتعبيره. جواد الشهداوي، شاب مكلف بملاعب القرب بشارع المدارس بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، لم تخرج شهادته عما أجمع عليه كل الفاعلين الجمعويين والرياضيين، لكن حين واجهته هسبريس بالوضعية الجيدة لهذه المرافق الرياضية كان الجواب بمستوى المفاجئة: "أجتهد لأضمن ما به أسد رمقي وأحمي هذا الفضاء الرياضي من الخراب"، وتابع موضحا: "أقوم بكراء الملابس الرياضية والكرات للفرق، وهكذا استطعت أن أوفر مبلغا ماليا لصيانة هذه الملاعب من جهة، وتوفير الوسائل التي تضمن للأطفال والشباب ومحبي المستديرة استمرار متعتهم"، مضيفا: "بهذه الطريقة تمكنت من ضمان البقاء بعدما توقفت أجرتي التي كنت أتوصل بها بشكل منظم". تدبير موضوعي أمام هذا الكم الهائل من الشكوى، لم يجد رضوان خيرات، المدير الجهوي للشبيبة والرياضة بجهة مراكش، سوى تجاوز لغة الخشب، والتسلح بالوضوح لمقاربة هذا المشكل، حين قال: "المجانية قرار سياسي متسرع طرح بقبة البرلمان، ما جعل جل الملاعب تعرف أضرارا بنيوية واضحة، بالنظر إلى عدد الطلبات والاستغلال المفرط والعشوائي الذي لا يمكن أن تتحمله الأرضية المعشوشبة". وقال المسؤول ذاته: "الضغط كبير على الملاعب التي تستغل ليل نهار، نتيجته ما وقفتم عليه"، موجها الخطاب إلى هسبريس، ومنبها إلى أن "المعدل هو إجراء خمس مقابلات يوميا بهذا النوع من الملاعب"، مضيفا: "قبل قرار المجانية كان المرتفق يستفيد من التأمين والمسؤولية المدنية والرياضية والصيانة والحراسة ليل نهار طيلة السنة، والنظافة طيلة الأسبوع؛ أما اليوم فكل من يلعب في هذه الملاعب يتحمل مسؤوليته في ما سيتعرض له من جروح أو كسور"؛ كما أشار إلى أن جل الملاعب سرقت ممتلكاتها، من شباك وأبواب وغيرها، بسبب غياب حراسة قارة، وتدهورت حالتها بفعل توقف أشغال الصيانة والإصلاح والترميم والنظافة. وختم المندوب الجهوي للشبيبة والرياضة تصريحه لهسبريس قائلا: "هناك اليوم نقاش مع الوزير الجديد الحسن عبيابة من أجل إيجاد صيغة تدبير موضوعية تراعي حاجيات الجمعيات والبنية التحتية لهذه المرافق حتى يستمر إشعاعها".