راهن ماهر إيزارين على التكوين الفرانكفوني من أجل بلوغ مكانة باسقة، لكن ذلك لم يتحقق إلا بالمرور من النظام الأكاديمي الجرماني، ليصير دكتورا بارزا في الطاقة الشمسية وتطويرها. يرصد إيزارين التحولات التي طرأت على نسيج الهجرة في أوروبا، على المستويين الرسمي والشعبي، لكنه يؤكد أن أبناء الجالية المغربية ينتظرون التشجيعات الملائمة للعودة إلى المملكة. مراكش ونانسي ازداد ماهر إيزارين سنة 1965 في مدينة مراكش، منتميا إلى أسرة يعمل ربها في الحقل التعليمي، وقد حرص على الانتقال للدراسة في مجموعة من المؤسسات التي عمل بها والده. يعجز إيزارين عن تذكر كل المؤسسات التعليمية التي مرق بين فصولها، لكنه لا ينسى "مدرسة الزيتون" في مسقط رأسه، ولا "ثانوية الحسن الثاني" التي نال فيها الباكالوريا بمراكش. يقول ماهر: "حاولت مواصلة الدراسة في المغرب، لكن قبولي في كلية الصيدلة بمدينة نانسي الفرنسية جعلني أخوض تجربة هجرة بحثا عن آفاق أرحب تناسب طموحاتي وقتها". صعوبات في فرنسا يقر ماهر إيزارين بأن الإقبال على الهجرة، أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، لم تكن بالحدة نفسها التي يعرفها المغاربة في الوقت الحاضر، وأغلبها كان بدافع الدراسة العليا. "لم أكن من النوع الذي اعتاد على البقاء بعيدا عن رعاية أسرته، لذلك وجدت صعوبات كثيرة منذ وصولي إلى فرنسا، فقد كنت ملزما بالاعتماد على نفسي كليا"، يردف المغادر مدينة مراكش. اضطر ماهر إلى العمل بالموازاة مع سير أشواط التكوين في الصيدلة، إلى أن وصل مرحلة أقرّ فيها بعدم إمكانية استمرار هذا الوضع، ثم قرر البحث عن مسار بديل دون العدول عن خيار الهجرة. هجرة ثانية استفاد ماهر إيزارين من صديق نصحه بالبحث عن فرصة أخرى للنجاح في جمهورية ألمانيا الفيدرالية، رغم أنه لا يعرف البلاد ولا لغة أهلها، والتنقيب عما يساير ميولاته العلمية. وعن هذه الهجرة الثانية يقول إيزارين: "اتخذت قرارا صعبا بالاستقرار في مجتمع لا أضبط آليات التواصل معه، وفي مدينة آخْن التقيت طلبة مغاربة قدموا لي كل أشكال المساعدة في الانطلاقة الجديدة". استغرق ماهر بعض الوقت في تعلم اللغة الألمانية للوصول إلى مستوى يتيح مواكبة الدروس الجامعية، لكنّه توجه بعيدا عن تخصصه المرتبط ب"كلية نانسي" للتكوّن في ما لا يرتبط بالصيدلة. دكتوراه في الكيمياء حرص ماهر إيزارين، بعدما دلف إلى "جامعة آخن" واستهل التعليم العالي في شعبة الكيمياء، على البحث عن فرص عمل تتيح له العيش الكريم والتشبث بأهدافه الدراسية حتى تحققها. "كان المسار شاقا فعلا، لكنه لم ينل من عزيمتي أبدا، لكنني ارتحت نسبيا حين تحصلت على منحة من الجامعة الألمانية التي ارتدتها، وكان ذلك من أجل التعمق في الكيمياء ببحث دكتوراه. استقر إيزارين في مدينة "أوسنابروغ"، شمال الدولة الألمانية، من أجل استكمال بحثه في "علوم المواد" وحضور الندوات والورشات ذات الصلة خارج الجامعة، إلى أن تخرج دكتورا في الكيمياء. الطاقة الشمسية يعترف المنتمي إلى صف الجالية المغربية في ألمانيا بأن الطاقة الشمسية أثارت شغفه في جل مراحل تكوينه الجامعي؛ وبالموازاة مع سلك الدكتوراه عمل مع مكتب هندسة متخصص فيها. لم يقبل ماهر إيزارين أن يغدو أستاذا جامعيا بعد التخرج، مفضلا الانتقال إلى جنوبألمانيا للالتحاق بشركة تعمل على إنتاج الخلايا الشمسية، مطورا موقعه من مهندس إلى مسؤول عن التطوير. "عملت مدير مبيعات أيضا، وقبلت عرض شركة كبرى مغايرة كي أشتغل مديرا للمشاريع، وهو المنصب الذي مازلت متواجدا فيه كي أربط بين الكيمياء والطاقة الشمسية"، يكشف ماهر. فرصة متاحة يرى ماهير إيزارين، من خلال التجربة المبنية على التعامل مع مصنّعي الخلايا الشمسية، أن المنافسة الشديدة تجعل المنتجين يقصدون دولا آسيوية لتوفير المنتوج المطلوب، خاصة الصين. كما يزيد الدكتور الكيميائي المراكشي أن ضمان الريادة الأوروبية في هذا الميدان أضحت صعبة جدا، بينما يمكن لدول أخرى، مثل المغرب، أن تغتنم الفرصة وتبرز قيمتها المضافة لخبراء المجال. ويعتبر إيزارين أن وطنه الأم يمكنه أن يستفيد من هذا التحول الكبير في إنتاج الخلايا الشمسية، خاصة أن البلاد لا تعرف تواجد شركات كبرى مصنّعة، وعليها خلق تشجيعات كي تبرز بين البدائل الموجودة. تشجيعات مطلوبة بعد التشديد على أن تعاطي صناع القرار الأوروبيين مع المهاجرين اختلف كثيرا عن الماضي، يقول ماهر إيزارين إن غير الحاصلين على شواهد دراسية يصعب عليهم إقناع بلدان الاستقبال بما يمكن أن يحققوه كإضافة. ويذكر مستجمع ثلاثة عقود في الهجرة أن الشابات والشبان المغاربة يمكنهم الانخراط في تجارب دولية للاستفادة من التكوينات والخبرات، لكن الأفضل يكمن في التصدي لهجرة الأدمغة عبر المساهمة في تنمية المملكة. "على المسؤولين المغاربة التوجه إلى استقطاب الكفاءات من الجالية، وبمقدورهم النظر إلى النموذج الصيني الذي لجأ، بغية التطوّر، إلى تشجيعات وازنة من أجل جلب أبناء البلد البارزين في أمريكا"، يختم ماهر إيزارين.