الملك محمد السادس يعود لأرض الوطن بعد زيارة خاصة لفرنسا    عاجل... توقف أشغال مؤتمر حزب الاستقلال بسبب خلاف حول رئيس المؤتمر    "لا حج إلا بتأشيرة".. السعودية تحذر من الشركات الوهمية    لجنة الاستئناف بالكاف تصفع اتحاد العاصمة الجزائري وتؤكد فوز بركان في مباراة الذهاب    أنشيلوتي يدعم استمرار تشافي مع برشلونة    في ظل الوضع المائي المقلق ببلادنا.. حملة تحسيسية واسعة للتوعية بضرورة الحفاظ على الماء    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    الحكومة والنقابات تتجه للتوقيع على زيادة في الأجور قدرها 1000 درهم    قميص بركان يهزم الجزائر في الإستئناف    بركة: مناورات الجزائر لإحداث تكتل جديد دون المغرب خيانة للشعوب المغاربية    عطلة مدرسية.. الشركة الوطنية للطرق السيارة تحذر السائقين    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء مرتيل    موراتينوس : دعم إسبانيا للمخطط المغربي للحكم الذاتي يعكس "التزاما سياسيا واستراتيجيا    بيدرو روشا رئيساً للاتحاد الإسباني لكرة القدم    مكتب الوداد يعلن عن تعيينات جديدة    للجمعة 29.. آلاف المغاربة يجددون المطالبة بوقف الحرب على غزة    مقتل 51 شخصا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    مندوبية السجون تغلق "سات فيلاج" بطنجة    توقعات بتساقطات مطرية وثلجية متفرقة وانخفاض في درجة الحرارة بالمغرب    مصرع 10 أشخاص في حريق بفندق برازيلي    فرنسا تبحث إمكانية الاستثمار في مشاريع المملكة خلال كأس العالم ل2030    وزارة الصحة تعلن تسجيل 10 إصابات جديدة بفيروس كورونا    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    اليوم العاشر بجامعات أمريكية.. تضامن مع فلسطين والشرطة تقمع    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    لجنة الانضباط بالرابطة الفرنسية توقف بنصغير لثلاث مباريات    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    بلقشور ورئيس نهضة بركان لاتحاد العاصمة الجزائري: مرحبا بكم فالمغرب الدار الكبيرة    جمهور ليفار ممنوع من الديبلاصمون لأكادير    توقيف مطلوب لبلجيكا بميناء طريفة قادما من طنجة    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    الشرقاوي يسلط الضوءَ على جوانب الاختلاف والتفرد في جلسات الحصيلة المرحلية    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"        محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    الأمثال العامية بتطوان... (582)    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحرير السُّلْطة من حمولات التَسَلُّط
نشر في هسبريس يوم 21 - 01 - 2020

يحيل مصطلح "سلطة" (pouvoir/ power) أو (Authority/ Autorité) في النسق السياسي والفكري والاجتماعي واللغوي الغربي على معاني "القدرة" و"الاقتدار" و"التدبير" و"التفويض" و"التداول" و"الخدمة" و"القانون" و"التأثير الإيجابي"... وهي التي تبرز على مستوى الممارسة في السلط التقليدية المعروفة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأيضا في السلطة الرابعة (الإعلام)، ولاشك أن هذه المعاني كلها إيجابية وتدل على مستوى النضج الفكري والاجتماعي والسياسي لتلك المجتمعات، وإن كانت لا تخلو بدورها من بعض المنزلقات التي تسيء لتلك المعاني، ولكنها تبقى في عمومها معزولة وغير مؤثرة ولا صادمة في بيئتها.
لكن حين نتأمل المصطلح ذاته (أي سلطة) في نسقنا السياسي والفكر والاجتماعي واللغوي العربي/ الإسلامي، وتحديدا في واقعنا المغربي، فإننا نصدم بضمور هذه الدلالات وتواريها لصالح دلالات "التسلط" و"القهر" و"الاستعلاء" و"الاستغلال" و"الاحتلال" و"الترويع" و"التحكم" و"التمكّن" وهلمّ جرا من المصطلحات التي تمتاح من مادة (س ل ط) كما هي متداولة في المعاجم اللغوية العربية المعتبرة حيث نقرأ فيها على سبيل المثال: (سلِط الشَّخص: سلُط ، طال لسانُه بالكلام وصار جارِحًا / سلَّط الرَّجلَ : أطلق له السُّلطان والقدرة / سلَّطه عليه: مكّنه منه وحكَّمه فيه، وجعل له سُلْطة عليه / السَّلْطُ : الشديدُ / السَّلْطُ : اللسانُ الطويلُ الحادُّ، يَخْشَاهُ الأَقَارِبُ وَالأَبَاعِدُ / السَّلاطةُ: القَهْرُ / تَسَلَّطَ عليه : تحكَّمَ وتمكَّنَ وسَيْطَرَ...).
وهكذا تتم ترجمة هذه المعاني في حياتنا السياسية والاجتماعية ومؤسساتنا التربوية والإدارية وعلاقاتنا الجوارية في كل مستوياتها العليا والدنيا، وبتعابير وتلوينات كلها تؤكد أن السلطة في بيئتنا المغربية هي مرادفة لمعاني التسلط، والحظوة والوصول، وعلو المقام – والجاه، والقوة...:
فالسياسي سواء كان في موقع السلطة التشريعية أو التنفيذية، يمارس سلطته على حساب الناس الذين انتخبوه، ليس على مستوى التشريع والترافع عن قضاياهم في قبّة البرلمان أو على مستوى تدبير شؤونهم العامة في الحكومة، ولكن على مستوى التظاهر بالقوة والشعور بالأفضلية في المجتمع، ولذلك يبيح لنفسه خرق القانون والتطاول على من يسهرون على إنفاذه في المؤسسات أو الطرقات أو في أي مكان، بل إن هذا السلوك لا يقتصر على شخصه وحسب بل ويتعداه إلى أقاربه الصغار والكبار وحاشيته من العمال والسائقين الذين يعملون تحت إمرته، حتى إن بعض تلك الحاشية تبيح لنفسها أن تتسلّط على المواطنين أكثر من تسلّط سيدها!! لا لشيء سوى لأنها تعيش في كنف "الحصانة البرلمانية" والسلطة التشريعية أو تحت غطاء الحقيبة الوزارية ! بل حتى المستشار الجماعي يَتَسَلّط على المواطنين، ليس بخدمتهم والسعي في قضاء مطالبهم، ولكن من خلال الشعور بامتلاك "سلطة التوقيع" أو بمجرد أنه قريب من أولئك الذين يمتلكون تلك "السلطة"!!
وأما رجال السلطة وأعوانهم –خاصة في البادية-فبعضهم ينتشون باللقب أولا، لأنه مقرون ب"السلطة"، والسلطة في لاشعورهم الباطني وفي سلوكهم العياني وفي مخزونهم المهني المتوارث لا ينبغي أن يخرج عن معنى "الخوف" و"التخويف" و"الابتزاز"... لأن ذلك "يحفظ هيبة الدولة" و"يقوي سلطة المخزن"!!
وفي الفضاءات الإدارية العمومية والخاصة، نجد بعض المسؤولين الإداريين يمارسون تسلطهم على من يعملون تحت إمرتهم لأن "القانون" "يبيح" لهم أن يمارسوا –بشكل قانوني -صلاحيات واسعة في الترقية أو التنحية أو التزكية، لكن هذه الصلاحيات تتحول في كثير من الأحيان إلى أدوات انتقامية وتفرز قرارات مزاجية ظالمة ومتعسفة!!
وفي الفضاء الجامعي، الذي يفترض أن يكون فضاء لممارسة الحرية الفكرية والديمقراطية المعرفية، أو على الأقل لتنفس نسماتها، تجد بعض "رموز العلم والمعرفة" تنتشي بممارسة "سلطة المعرفة" في حق الطالب، من خلال سلوكيات بائدة كفرض شراء "مطبوع المحاضرات" وبأثمنة مبالغ فيه، أو من خلال ما يسمى في لغة الطلبة والباحثين "بالتجرير"، أي التعسف والمماطلة في إقرار ومناقشة البحوث الجامعية والدراسات المختبرية التي ينجزها أغلب الباحثين في ظروف تتسم أصلا بخصاص مادي فظيع، ولكنها تزداد سوءا بأساليب "الابتزاز النفسي" و"التبخيس المعنوي" التي تنالهم من قبل بعض الأساتذة المشرفين على بحوثهم !!
وحتى في العلاقات الاجتماعية العامة تجد بعض الفئات الشعبية يستقوي بعضها على بعض (باعة متجولين – حراس مواقف السيارات – متسولين – عمال الموقف -طالب معاشو...) حيث تجد هؤلاء ومن على شاكلتهم ممن يعانون شظف العيش وقساوة الحياة... يقسون على بعضهم البعض سواء بالعنف اللفظي (سباب وشتم وقذف...) أو بالعنف المادي (ضرب - طرد - إيذاء ...) وتهديد بالمحو من الوجود ، بلا رحمة ولا شفقة وكأنهم أعداء لا ينتمون لنفس الوضع ولا يقتسمون نفس المعاناة!!! وكان الأولى بهم أن يتراحموا ويتعاونوا على الخير، وأن يخفف بعضهم عن بعض قساوة معيشهم اليومي..
وفي مجال النقل العمومي، وخاصة الطاكسيات الصغيرة والكبيرة والحافلات، يلجأ كثير من سائقي هذه العربات إلى التنفيس عن حالات القهر الاجتماعي التي يعيشونها مع أرباب عملهم، والتخفي خلف قناع الفتوة المزيفة والعظمة الموهومة... وذلك بممارسة أبشع أنواع التسلط المادي والمعنوي من خلال سلوكيات التعسف والشطط والتهور والعدوانية تجاه المواطنين والمواطنات الذين يضطرون إلى استعمال تلك الوسائل وتحمل كل أصناف "الإذلال" من هذه الفئة الغليظة الأكباد والجافية الأخلاق من السائقين !!!
ولم تسلم مساجدنا –بدورها- من مظاهر التسلط والتحكم، حيث يعاني كثير من الأئمة والمؤذنين من ثقل الأوامر والتوجيهات وحتى الاستفزازات من طرف بعض الأشخاص ممّنْ لهم فَضْلٌ في الإنفاق على بعض بيوت الله تعالى أو العناية بمصالحها المادية، أو من لدن بعض الأشخاص المتقاعدين الذين كانت لهم سلطة أو مسؤولية في إداراتهم ومؤسساتهم ولم يعد لهم مجال لممارستها إلا في بيوت الله!!!
ويمتد مفهوم التسلط إلى الأسر والبيوت تحت مسمى "القوامة الدينية" أحيانا، ولكن في أحيان كثيرة باسم الأعراف والتقاليد الاجتماعية المتوارثة التي تكرس دونية المرأة وتعلي من مكانة الرجل، ففي الثقافة الشعبية تروج أمثال من قبيل "النهار الأول يموت المش"، وفيه إشارة واضحة إلى ضرورة ممارسة القهر والتسلط منذ بداية الحياة الزوجية بين الطرفين !! ونجد فيها أيضا: "الرجل ولد المرا هو اللي يضرب المرا" وفيه إشارة إلى أن إرضاء الأمهات لا يكون إلا بتعنيف الزوجات!! ويتداول فيها أيضا المثل القائل: "المرا زريعة إبليس"، وإبليس هو عدو الإنسان، ومن ثم فالقضاء على "زريعته" يحتاج إلى القوة والقهر ... وقس على ذلك أمثال كثيرة من هذا القبيل التي تُشَرْعنُ للتسلط خلف أسوار البيوت!!!
إن هذا المفهوم المتداول عن السلطة يحتاج إلى تحرير وإعادة بناء في الوعي الجمعي للمواطن المغربي في كل مستوياته الخاصة والعامة، حتى يتخلص من هذه الحمولات السلبية التي علُقت به جيلا بعد جيل، وحتى ينسجم مع معاني الخدمة الإيجابية وليس الحظوة الاجتماعية، والتكليف وليس التشريف، والمسؤولية وليس التعالي والتسلط...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.