تحليل اقتصادي: مشروع موازنة 2026 يستجيب لمطالب "جيل زد" بزيادة غير مسبوقة في ميزانيتي الصحة والتعليم    الكوكب يحقق أول انتصار في الدوري    حكيمي يدعم أشبال المغرب قبل نهائي كأس العالم للشباب    "تدبير المياه" محور المؤتمر الإفريقي السابع للهندسة القروية من 22 إلى 24 أكتوبر بفاس    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى للرباط 2025 لجولة لونجين العالمية للأبطال    كأس الكونفدرالية: الوداد الرياضي يقترب من بلوغ دور المجموعات بانتصاره على أشانتي كوتوكو الغاني    احتجاجات "لا ملوك" في مدن أمريكا تستقطب حشودا كبيرة للتنديد بترامب    "حماس": ملتزمون باتفاق غزة بينما إسرائيل تواصل خرقه    لو باريسيان: بفضل مواهبه المنتشرة في كل مكان، المغرب ضمن أفضل الأمم الكروية في العالم    سرقة مجوهرات "لا تقدر بثمن" من متحف اللوفر    ندوة «فلسطين ما بعد اتفاق السلام» : أحمد مجدلاني: خطة ترامب خطة اعتراضية لإفشال المسار الدولي الذي أعلن عنه مؤتمر نيويورك    "حماس" ترفض اتهامات بخرق الاتفاق    ندوة « إفريقيا: تحديات التنمية والأجندة الجيوسياسية»: الإرث الاستعماري بإفريقيا عمق أزماتها ورهن مستقبلها للصراعات    انطلاق الموسم الفلاحي وشبح الجفاف .. المؤشرات المائية تنذر بعام صعب    تسريب مشروع قرار الصحراء يزلزل تندوف وينهي وهم "دولة البوليساريو"    "حالة استعجال قصوى" تدفع الحكومة لمنح ترخيص استثنائي لإصلاح المستشفيات    سرقة مجوهرات في متحف اللوفر بباريس    المنتخب النسوي يواجه اسكتلندا وهايتي    "باليستينو" يهدي قميصا للمدرب وهبي    إسرائيل تتهم "حماس" بانتهاك الاتفاق    "إجراءات مُهينة" بمطارات تركيا تدفع مغاربة إلى طلب تدخل وزارة الخارجية    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. التاريخ في مرآة السينما ووجع المجتمع    لا شرقية ولا غربية... وإنما وسطية    سرقة مجوهرات نابوليون بونابرت وزوجته من متحف "اللوفر"    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    تقرير يضع المغرب ضمن أكثر الدول يسود فيها الغضب في العالم    إطلاق خط بحري جديد لنقل البضائع بين طنجة وهويلفا    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    ضبط شحنة من المخدرات معدة للتهريب بساحل الحسيمة    كانت تحاول الهجرة إلى سبتة سباحة.. العثور على القاصر "جنات" بعد اختفائها    تأخر التساقطات المطرية يثير مخاوف الفلاحين المغاربة    5 سنوات لزعيم شبكة القروض بالجديدة .. أفرادها استغلوا هويات موظفين بالعمالة قبل حصولهم على 72 مليونا    جيبوتي تتخذ المغرب نموذجا في نشر القوانين وتعتبر تجربته رائدة    التعاضدية العامة تعتمد برنامج عمل لتقويم الأداء والرفع من المردودية    تونس توضح حقيقة منع تصدير التمور إلى المغرب    بعد صدور حكم بالبراءة لصالحها.. سيدة الأعمال الملقبة ب"حاكمة عين الذياب" تلجأ للقضاء الإداري للمطالبة بوقف قرار الهدم لمطعمها    حسن واكريم.. الفنان المغربي الذي دمج أحواش والجاز في نيويورك    نهائي مونديال الشيلي.. جيسيم: "عازمون على انتزاع اللقب العالمي"    استدعاء كاتب فرع حزب فدرالية اليسار بتاونات بسبب تدوينة فايسبوكية    نتانياهو يعلن عزمه الترشح مجددا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    الجيل الرقمي المغربي، قراءة سوسيولوجية في تحولات الحراك الإفتراضي وإستشراف مآلاته المستقبلية.    باكستان/أفغانستان: اتفاق على "وقف فوري لاطلاق النار" بعد محادثات في الدوحة    ارتفاع مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي ب 64 في المائة عند متم شتنبر في ميناء طانطان    "مرحبا بيك".. إينيز وريم تضعان بصمتهما الفنية في كأس العالم النسوية بالمغرب    بعد توقف ثمانية أيام.. حركة "جيل زد" تستأنف احتجاجاتها في أكثر من مدينة وسط أجواء سلمية    انتقادات تطال وزيرة المالية وسط صمت حكومي وتأخر في عرض مشروع قانون المالية على الملك    خريبكة تحتضن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمشاركة دولية ومحلية واسعة    انتقاء أفلام المهرجان الوطني للفيلم.. جدلية الاستقلالية والتمويل في السينما    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه هي السلطة.. وهذه مفاهيمها.. بقلم // محمد أديب السلاوي
نشر في العلم يوم 24 - 12 - 2015

تحيل مفاهيم السلطة في القواميس العربية إلى السلط والتسليط، أي إلى طويل اللسان. فالسلطة تستمد معناها (لغويا) من فصاحة اللسان وقوة الإقناع، كما تحيل إلى السلطان (موئل السلطة ومركزها) أي الحجة والبرهان، وكأن السلطة تقوم عليها بالإضافة إلى قيامها على التسلط(1) والإكراه.
وفي القواميس الغربية، تعود كلمة السلطة إلى أصلها اللاتيني Potestas وتعني أهلية التصرف/ القدرة على حق التصرف لحساب الآخرين.
وفي معجم Oxford نجد تفسيرا وافيا لكلمة السلطة Power في كلمتين Ontrol Authority وتعني قوة من يوجد في الحكم على إعطاء الأوامر وإخضاع الآخرين واتخاذ الإجراءات.
أما في المفهوم الإسلامي، وعلى المستوى الديني، يختلف الأمر تماما، إذ ينكر العديد من الفقهاء وجود كلمة "سلطة" في الفقه الإسلامي/ ولكنهم في الغالب يؤيدون وجود نصبها، وجعلها أساسا تنظيميا للدولة، وفق أحكام الدين الإسلامي وأخلاقه.
إن السلطة عند العديد من فقهاء الشريعة، هي تطبيق حقوق الله في الأنفس والأموال وفي الأخلاق والتنظيم الاجتماعي، كما في جمع الزكوات والخراج وأحكام النفقة والميراث(2) لذلك تشترط السلطة في صاحبها، العمل بمبدأين: الأول أن تكون سلطة دينية في أحكامها مستندة في تنظيمها وتشريعيها إلى التصوير الاعتقادي الإسلامي، والثاني أن تكون محكومة بقيم الأخلاق الإسلامية.
وفي نظر العديد من الفقهاء وعلماء الشريعة، تكمن قوة "السلطة" في حيادها، ففي نظرهم يجب أن تبقى، في كل الظروف والأحوال، أداة محايدة، لا هي بالخير ولا هي بالشر، ولا توصف بذاتها من صفات التحسن، ولكنها تستخدم لقصد السبيلين في الشريعة الإسلامية(3).
وبناء على هذا المفهوم السهل والواضح والشفاف، حدد الفقهاء وعلماء الشريعة الإسلامية قواعد السلطة في خمسة شروط، تشمل تنظيم العلاقات بين الفرد والمجتمع والدولة وهي:
المساواة بين أفراد المجتمع/ العدل بينهم/ تمتيعهم بكامل حقوقهم الإنسانية/ دعم تكافلهم الاجتماعي/ طاعة أفراد المجتمع (حمل الكافة على الطاعة بمقتضى النظر الشرعي).
وفي تفسير الفقهاء لهذه الشروط، تأكيد وإصرار على أن الإسلام يجعل من السلطة قوة (أحكام نظرية، أمر وطاعة) ولكنه يحددها بقواعد وضوابط تستمد أهميتها وقيمها من الأحكام الإسلامية، من القرآن والسنة التي تجعل المسلمين/ المواطنين سواسية أمام أحكام الشريعة، تنفذ الأحكام في الأغنياء والفقراء/ في الشرفاء والضعفاء، تطبق المساواة بين الرجل والمرأة، تحمي الدين والأخلاق، وتكفل العيش الكريم لكافة المواطنين، وتلزمهم بالطاعة فيما لا يحرمه الله في دينه الحنيف(4).
وفي المفاهيم الغربية للسلطة مقاربات متعددة، يعرفها ماكس فيبر، بأنها (الإمكانية المتاحة لأحد العناصر داخل علاقة اجتماعية معينة، يكون قادرا على توجيهها حسب مشيئته)، ويعرفها تالكوت بارسونز: بأنها (القدرة على القيام بوظائف مدنية أو سياسية، خدمة للنسق الاجتماعي، باعتبارها وحدة واحدة) وفي نفس الاتجاه، سار الكتاب الاجتماعيون والسياسيون والغربيون، مع إغناء مفهوم السلطة، من حيث وظائفها السياسية والقانونية والإدارية، أو من حيث مكوناتها وشرعيتها ومشروعيتها(5).
وانطلاقا من هذه المفاهيم، توزعت أنظمة السلطة على ثلاث مستويات(6).
السلطة التقليدية: وتستمد نظمها من التاريخ القديم، تقوم على الاعتقاد بأن أحكامها متصلة بقوة شرعية نهائية ومطلقة، إذ يعتقد أصحابها بأنهم يمارسونها من خلال شرعيتهم التاريخية، وأنهم يعملون بنظم وأحكام تلزم متلقيها بالطاعة والولاء.
السلطة الكرزماتيكية: وترتبط نظمها بالمقدس الديني.
السلطة الشرعية العقلية: وتعتمد على الأنظمة والأحكام القانونية العامة القائمة على العقل والتوافق السياسي والاجتماعي.
وفي العصر الحديث تحولت السلطة في الفكر الغربي، إلى اصطلاح دستوري، يتوزع في كافة الأنظمة على ثلاث مستويات/ السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، يناط بكل واحدة منها (حسب نظام الحكم وطبيعته) مهمة من المهمات، تؤمن للدولة سيرها القانوني والسياسي.
أ/ السلطة التشريعية (ويمثلها البرلمان) يناط بها مهمة وضع القوانين في حدود إطارها الدستوري.
ب/ السلطة القضائية ويناط بها تفسير القوانين وتنفيذها، وتتمثل في القضاة وأعضاء النيابة ومعاوينهم من المحامين، ويشترط في أعضاء هذه الهيئة (بالدول الديمقراطية) استقلال أعضائها، من حيث اختيارهم أو عدم قابليتهم للعزل، وغيرها من العوامل التي قد تؤثر في تحقيق العدالة واستقلالها.
ج/ السلطة التنفيذية فتعرف في القوانين الدستورية بسلطة الحكومة (السلطة الإدارية) وهي الهيئة المنوط بها تنفيذ القوانين وعلى رأسها رئيس الدولة (الملك/ رئيس الجمهورية) الذي يمارس سلطاته بواسطة وزرائه: أصحاب السلطة الفعلية.
وقد دفع هذا التقسيم بعلماء السياسة في الغرب، تكريس الاهتمام بإشكالية السلطة من حيث شرعيتها ومن حيث تقسيماتها وعلاقة كل منها بالأخرى، واعتبر هؤلاء العلماء أن أهم تقسيم للسلطة هو التقسيم التخصصي، وضمانا لعدم التعسف، أصرت العلوم السياسية الغربية على أن تكون السلط منفصلة عن بعضها البعض، وعلى أن تكون كل أشكال السلطة، الأخرى تابعة لواحدة من هذه السلط.
ففي النظام البرلماني (الذي يستمد وجوده من مفاهيم الفكر الغربي)، تتكون السلطة التنفيذية من الوزير الأول والوزراء، يكون الوزير الأول رئيسا فعليا للوزراء الذين يضعون السياسة العامة للدولة، ويشرفون على تنفيذها، وقد أطلق الفقه الدستوري على هذا النموذج، السلطة التنفيذية الأحادية الرأس، بحيث يصير مفهوم السلطة التنفيذية مرادفا لمفهوم الحكومة، لا تشكل مرادفا للسلطة التنفيذية التي تضم إلى جانب الوزير الأول والوزراء ورئيس الجمهورية أو الملك، بحيث يصبح مفهوم الحكومة أضيق من مفهوم السلطة التنفيذية التي هي سلطة مزدوجة الرأس، لكن من الناحية الشكلية فقط، إذ وعلى الرغم من رئاسة الجمهورية أو الملك، للمجلس الوزاري، فإن تحديد وتوجيه السياسة العامة للدولة، يبقى من اختصاص الوزير الأول وحكومته (النموذج الفرنسي) أما في النظام الرئاسي فإن السلطة التنفيذية تختزل في شخص رئيس الجمهورية المنتخب في اقتراع عام، حيث يعين عند انتخابه مساعدين له يمسون كتاب الدولة، وليست لهم أية سلطات قرارية خارج توجهات وأوامر الرئيس.
وفي نظر فقهاء الغرب المعاصرين، أن السلطات بتوزيعها الثلاثي المتوزان (تشريعية وتنفيذية وقضائية) تحولت (في النهج الديمقراطي) إلى أنواع من القوة، تنظم جهود وواجبات الآخرين، من خلال القوانين والتشريعات والأوامر التي تصدرها باعتبارها سلطة شرعية، وهي بالمعنى الديمقراطي، تختلف (بطبيعة الحال) عن السيطرة القسرية أو الجبرية التي تلزم الأفراد على التكيف لمشيئتها من خلال استعمال العقاب، ذلك لأن "السلطة الشرعية" بالمعنى الديمقراطي، أصبحت تتأثر في فعاليتها بالأجهزة التي تعتمدها لتنفيذ شرعيتها، وفي تحقيق الأهداف التي تربطها بالمواطنين/ الأفراد الخاضعين لقوتها، وهو ما يفرض علاقات قوية متكافئة بين الطرفين.
السلطة المغربية في المفاهيم المخزنية.
في المغرب يختلف مفهوم "السلطة"، عن مفاهيمها في البلاد العربية الإسلامية، أو في البلاد الغربية، ذلك لأنها اختارت مفهومها المغاير الخاص، يطلق المغاربة عليها اسم "المخزن".
والمخزن كمفهوم لغوي، يعني المكان الذي يتم فيه الخزن (المستودع) وخزن الشيء، يعني الاحتكار له أو التفرد به.
ويرى بعض الباحثين في اللغة، أن "المخزن" مصطلح مشتق من فعل خزن، بمعنى جمع، وقد كان يشار به إلى ما كان يجمع في بيت المال من ضرائب وجبايات، إلا أن هذا التحديد اللغوي في نظر باحث مغربي في العلوم السياسية(7) لا يفي بالغرض ولا يقدم تحديدا كافيا عن "المخزن" المصطلح الذي يقدم في الواقع السياسي مرادفا لمفاهيم الدولة والسلطة والنظام مجتمعة.
ومنذ القدم احتل هذا المصطلح (المخزن) مساحة واسعة من الخطاب السياسي، وارتبط بمضامين التسلط/ الحكم خارج القانون/ العنف، ومع ذلك ظلت مفاهيمه تكتنز دلالات تاريخية وسياسية عديدة، لما يمثله من سلطة وطقوس وضوابط تقليدية ومحافظة، هي المصدر الطبيعي لإنتاج الخوف والهيبة والامتثال الدائم والترهيب.
لأجل ذلك، شكل "المخزن" مصطلحا وسلوكا وقضية، محورا للعديد من الكتابات والدراسات، التي تناولته من مختلف جوانبه التاريخية والقانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وارتهن العديد منها على مستوى النتائج والاستخلاصات بزوايا المقاربة والانتماء المعرفي والثقافي والسياسي لأصحابها، وهو ما سنحاول الاقتراب منه في عجالة.
1/ في نظر موسوعة الإسلام: المخزن مفهوم اشتق من فعل خزن (أخفى وحفظ) وكان يشير عند الممالك العربية القديمة، إلى الصندوق الذي احتفظ بداخله الأمراء بالضرائب التي توجه إلى خليفة بغداد، تم تحولت فيما بعد وأصبحت مرادفا للخزينة.
أما البيت "دار المخزن" فهو الذي تجمع فيه الأموال، فكان "البيت" يعني السلطة المركزية، وأضحى أداة للإشارة إلى البيوقراطية.
2/ في نظر الأستاذ عبد الله العروسي: (في كتابه الآليات الاجتماعية والثقافية الوطنية) فإن المخزن هو تلك النخبة التي تشارك في بيعة الملك واختياره وتنفيذ قرارته، وهو كل الأفراد الذين يحصلون على أجورهم من خزينة السلطان.
3/ أما في نظر الأستاذ عبد الكبير الخطيبي: (في كتابه التناوب والأحزاب السياسية) فإن المخزن هو نظام للسلطة والتحكم، متجدر في البيئة الاجتماعية وهرمها، وهو ثقافة وسلوك وقواعد للعلاقات والتحالفات السياسية والاجتماعية وأشياء كثيرة أخرى.
4/ وفي نظر الحقوقي المغربي الأستاذ فؤاد عبد المومني: (في حوار معه) أن المخزن يرمز أيضا إلى احتكار واسع للسلط المادية والرمزية، وإلى هيكلة فضائها العام في محيط السلطة المركزية، وإلى ترتيب الفضاءات الاقتصادية على مدى قربها منه ومن مركزه ومحيطه.
5/ وفي نظر رجل السلطة العريق والمتجدر في "المخزنية" الصدر الأعظم على عهد السلطان المولى عبد العزيز، أحمد بن موسى المدعو (باحماد) أن المخزن خيمة كبيرة، عمودها المحوري وصاريتها التي ترفعها، هو السلطان وأوتادها التي تحيط بها وتشد جوانبها حتى لا تقلعها الرياح هم القياد/ رجال السلطة(8).
وحسب مراجع التاريخ المغربي، الحديثة والمعاصرة فإن نظام المخزن يعود إلى عمق التاريخ الإسلامي في المغرب، تاريخ الدولة الإدريسية، حيث كان الولاة/ رجال السلطة، يجسدون إدارة المخزن وما يخضع لسلطاتهم من موظفين، يعملون تحت سلطة النواب العاملين لأمير المومنين ويخضعون لتعليماتهم وتوجيهاتهم(9) وهو المفهوم نفسه الذي ما زال قائما بالمملكة المغربية حتى الآن...
فالمخزن هو الإدارة التي يباشر بها ومن خلالها سلاطين المغرب أمور الحكم، وهو المؤسسة التي تلتقي عندها مختلف مستويات الحكم، من عسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية، فكان المخزن بهذا المعنى هو الآلية التي تجسد عبرها الحكم الشمولي لسلطان المغرب، ولم تتغير مجموعة من الآليات المؤسساتية، التي تتحول إلى شبكات للمراقبة ولربط علاقاته بالمحيط، ونعني بها شبكة الولاة والعمال والباشوات القياد والمقدمين، وجميعهم يجسدون شرعية المخزن وسلطاته ووظائفه.
المخزن كما سبقت الإشارة، هو فئة من الموظفين، يشرفون على الشؤون العامة بالحواضر والبوادي وجميعهم يستمدون سلطاتهم من سلطات السلطان، فنظام الملكية المغربية في وضعيته التاريخية، يسمو على مؤسسة أو بنية "المخزن"، كما يسمو ويعلو على جميع المظاهر والرموز التي تشكل مقومات المجتمع المغربي، وذلك من حيث تركيبته السياسية والسيوسيو-ثقافية، أو من حيث تركيبته الروحية، فهو يعكس جميع مكونات الدولة، كما تنعكس تلك المكونات في أنظمته، الأمر الذي أعطى دولة المخزن طابعا فريدا ومتميزا على مستوى الممارسة، كما على مستوى مظاهر وتجليات المجتمع المغربي ككل.
السلطة في المفهوم "المخزني" تطال العام والخاص، بما في ذلك مفهوم الدولة ذاتها، إذ ينصرف المعنى المشاع في الرأي العام حول "المخزن"/ سلطة الدولة على كل الأجهزة والآليات، فحيثما توجد الدولة يوجد المخزن، والعكس بالعكس.
في نظر العديد من الباحثين والدارسين والفقهاء والمؤرخين، أن الذي صنع حقيقة السلطة، عبر التاريخ، تلك الروابط التي توجد بين المؤسسات السياسية والإدارية والعسكرية والصناعية، وأن السلطة، كانت وما تزال هي الطبقة القائدة لكل عصر من العصور، فهي (أي السلطة) نخبة قليلة، ولكنها قائدة ومؤثرة، في مواجهة الجماهير، أقلية تختصر التاريخ إلى صراع بينها وبين النخب الأخرى للبقاء أو للوصول إلى السلطة(10)، وإلى أهدافها البعيدة.
ونستخلص من شهادات بعض الباحثين حول السلطة في المجتمع المغربي عامة وفي الوسط القروي المغربي على الخصوص، أنها باستمرار، قامت على أساسين:
التنظيم الاجتماعي
الأعراف
فهي في نظرهم تركزت على الجذور القبلية والعائلية (القروية والمدنية) كرموز للارتقاء الاجتماعي، من هذه الجذور استمدت مفاهيمها ومارستها، كما استمدتها من الأعراف المتبعة، حيث تعتبر نفسها سلطة مكتملة الأبعاد والصلاحيات، إنها في العرف القبلي كما في الأعراف المدينية استمدت نفسها دائما من نهج العشيرة أو الأسرة، قدسيتها تتأكد من العلاقة التي تجمع المجتمع (القروي أو المجتمع الحضري) بالحاكم: إجلال وخضوع كامل وغير مبرر عقليا، ذلك لأن الخوف الذي يمتلك المواطن الفقير/ الأمي/ المهمش/ الجاهل بالقانون، في حالة عدم الطاعة، يرتقي إلى التعرض للانتهاك، ليصبح التداخل السياسي والمقدس غير قابل للجدل...
هكذا تبدو السلطة في المفهوم المخزني، ذات شخصية مستقلة لم تخضع ولم تتأثر بالمفاهيم الأخرى، سواء ذات المرجعية الإسلامية، أو ذات المرجعية الغربية. فهي ذات نسق خاص، ظل ثاتبا في آليته ومكوناته لعقود طويلة من الزمن المغربي، إلى أن حملت رياح القرن العشرين مفاهيم أخرى على يد الإدارة الاستعمارية، أو على يد إدارة عهد الاستقلال حيث وقع تعديل بعض القوانين المتصلة بالسلطة المخزنية، دون المساس بجوهرها، وهو ما جعل سلطة المخزن تبقى مستمرة، محافظة على مفاهيمها إلى اليوم.
******
- إبراهيم أبراش/ من مستجدات الحياة السياسية بالمغرب.
2 - إبراهيم محمد زين/ السلطة في فكر المسلمين (الدار السودانية للكتب/ الخرطوم 1983)
3 - إبراهيم محمد زين/ السابق الذكر
4 - إبراهيم محمد زين/ السابق الذكر
5 - إبراهيم محمد زين/ السابق الذكر
6 - دلكن ميشيل/ معجم علم الاجتماع (ترجمة الدكتور إحسان محيي الدين) منشورات وزارة الثقافة والإعلام/ بغداد 1980.
7 - عادل بن حمزة/ المخزن والمؤسسات الاجتماعية (جريدة العلم/ 28 فبراير 2001 ص: 7)
8 - خطاب للصدر الأعظم أحمد بن موسى (باحماد) نقله الأستاذ الحسين اللحية في مقالة السلطان الذي يحكم على صهوة الجواد/ جريدة الصحفية (عدد 57/15 مارس 2002)
9 - العامل الرأي الجديد القديم للسلطة (جريدة المنظمة 28 نونبر 1999)
10 - يونس دافقير/ رجالات السلطة المحلية بالمغرب (جريدة المنظمة/ 28 نونبر 1999).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.