يعتقد الإنسان في المغرب أنه يعرف كل شيء ، و لكنه مهما عاش و جال يتفاجئ بأننا في المغرب ولله الحمد دائما لدينا الجديد، و مناسبة هذا الكلام هو أنّه بعد مرور مائة يوم على تولي حزب العدالة و التنمية مقاليد الحكومة ، بدأ البعض يتذمر، لأن الحصيلة لم تكن في مستوى ما طمح إليه المغاربة، فوجدتني أتذكر فترة الإنتخابات البرلمانية، بكل ما حملته من إثارة و تشويق خصوصا كيف انقسم الشارع المغربي إلى مؤيد و معارض للحزب المسمى "إسلامي"، تذكرت أيضا النكت و الطرائف التي انتشرت حينها للتهكم على كل ما هو " إسلامي"، على أساس المثل الشعبي القائل " آش كتبيع العطار؟ كلشي باين آمولاي". و لكن جاء فوز الإسلاميين ليؤكد أنهم يعيشون عصرهم الذهبي و أنّ هناك اشتياقا و تعطشا للأحزاب الإسلامية في المغرب و خارجه، و هاهو الحزب الآن و بعد مرور مائة يوم على ممارسة مهامه يتعرض للنقد و التقييم، و التساؤل عن حصيلة المائة يوم. و الجدير بالذكر أن النقد البناء ليس عيبا بل هو واجب كل مواطن مغربي و حقه في آن الوقت، لا يحق لأي كان حرمانه منه، و لكن هل يمكن اعتبار مائة يوم مدة كافية للتقييم و إصدار الأحكام، و التنبؤ بمستقبل المغرب؟ ألا يستحق حزب المصباح أن نصبر عليه حتى ينتهي من ممارسة مهامه و نحن الذين صبرنا و اصطبرنا لمدة اثنان و خمسين عاما على تسعة و عشرين حكومة تعاقبت على المغرب منذ استقلاله؟ إذا أخدنا بعين الإعتبار أن مائة يوم لا تكفي حتى لتجهيز عرس مغربي، و خمس سنوات بل عشر سنوات كلها لا تكفي في المحاكم المغربية للبث في قضية إرث أو نزاع على عقار، فكيف يمكن أن تكفي لتقييم عمل حكومة في بلدٍ يوجد فيه الفقر، و البطالة و الجهل و الأمية و المرض، و يوجد فيه بشر يعانون من البرد و العزلة، توجد فيه الإعاقة و التمييز، و توجد الجريمة و الحكرة، و يوجد البائع المتجول الكادح المستعد للركض كلما لمح المخازني الذي يطارده و يصادر سلعته، و المرأة حاملة الأثقال بأبواب سبتة و مليلية و على جسدها أثار ضربٍ لا توجد حتى على أجساد الحمير ، و يوجد قارئ القرآن الأعمى ذو الصوت الجهوري الذي يعيش بين أزقة المدينة القديمة على صدقات القلوب الرحيمة، و يوجد قاتل أمه و ذابح أخته من أجل دراهمَ ثمنَ مخدراتٍ تنخُر عقل المراهقين و تُدّمر زهرةَ الشباب، بلدٍ يعُج بالمنتحرين بعضهم اِحترق و بعضهم وُجد مشنوقا، بلدٍ توجد فيه المُغتَصَبة المُنتحِرة و المُغتصِب الحُرّ، و توجد فيه بناتُ الليل في الحاناتِ و الفنادق و الشوارع ، يوجد فيه مغتصبوا الأطفال و ناهبوا المالِ العام باسم القانون أو ضده، و يوجد العاطلون المتظاهرون ثم المعنّفون و يوجد حاملوا الشواهد على المقاهي، في وطن يوجد فيه أُدباء منسيون، و عُلماء مهاجرون، و فنانون مُهمشون يا ويلهم من فاتورة العلاج عند المرض ! و بعد الموت قد يكرمون، في بلدٍ يوجد فيه مضربون في السجون و مضربون خارج السجون، في بلد يوجد فيه شباب طاقاته تضيع و وقته يضيع دون أن يُعطى فرصة لينتج أو يُبدع، و فيه أطفال يلعبون بالتراب، و آخرون يبيعون السجائر و دونهم أطفال يعملون في البيوت أو يفقدون أصابعهم في ورشاتِ النِجارة ، في بلدٍ يُلقي فيه أشباه المثقفين علب العصائر و السجائر من نوافدِ الحافلاتِ و السياراتِ، ليجمعها رجل يسمى "زبالا" يقضي يومه بين القذارة وينام و أولاده دون أن يعرفوا معنى الشبع، و لا يستطيع أن يحلم حتى بهيئة أو نقابة تدافع عن حقوقه، في بلدٍ نادرا ما تصل فيه سيارة الإسعاف قبل أن يموت الجريح، في بلدٍ لا يكاد يمرُّ فيه يومٌ دون أن نجد رضيعاً أو أكثر مرميا بين الأزقة أو في حاويات الأزبال، في بلدٍ يوجد فيه أناسٌ يفترشون قطع الكارتون ويلتحفون الجرائد و آخرون يُنقبّون بين الأزبالِ عن قطعةِ خبزٍ أو عظمٍ، في بلدٍ حتى الكلاب و الحمير فيه تُذبح و تُسلخ لتُقَدّم وجبةً للغافلين، في بلدٍ فيه الكثيرُ من المشاكل، و هو ما زال طفلا يحبو في مسار التقدم و التنمية. في بلدنا الحبيب لا يُمكن أن يَنهض بنا مِصباح العدالة و التنمية إلا في "ألف ليلة وليلة" على شَرطِ أن يُدعَكَ وَيخرُجَ منه العِفريت الِنفريت يسألنا عن أمانينا فنجيبَ كلّنا بصوتٍ واحدٍ: "المدينة الفاضلة". و الأسهل أن نعملَ جميعاً حكومةً و شعباً لا مِن أجلِ التنقيبِ عن "مِصْباحِ علاء الدين" ، و لكن من أجل أن نكون كلّنا فضلاء. [email protected]