استجابة لطلب بعض الإخوة الذين ارتأوا أني قد انحزت في مقالتي السابقة: "التربية على العنف" للتلميذ على حساب المدرّس، ورفعا لسوء الفهم، فإنني سأحاول من خلال هذه السطور توضيح الرسالة التي أردت تبليغها. لم يكن قصدي من مقالتي السابقة تبخيس الدور الكبير الذي يقوم به رجال ونساء التعليم، من أجل النهوض بالتعليم ببلادنا، لكن كنت أروم تسليط الضوء على ظاهرة تعنيف الأطفال داخل المدارس خاصة في المستوى الابتدائي، حيث لا زالت هذه الظاهرة منتشرة إلى اليوم، سواء في المدن والحواضر أو البوادي، وهذا ما استقيته من شهادات عدد من التلاميذ وأولياء الأمور، لكن هذا لا يعني أن جميع المدرسين يستعملون العنف مع التلاميذ، هناك معلمين ومعلمات يصدق عليهم قول الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي: قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا *** كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ***يبني وينشئُ أنفساً وعقولا سبحانكَ اللهمَّ خيرَ معلّمٍ*** علَّمتَ بالقلمِ القرونَ الأولى أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ***وهديتَهُ النورَ المبينَ سبيلا لا زلت أحتفظ بذكريات جميلة عن معلمين ومعلمات كانوا يعاملون التلاميذ وكأنهم فلذات أكبادهم، وهؤلاء يستحقون منا كل الشكر والامتنان والتنويه، لكنني في المقالة السابقة تعمدت التركيز فقط على قضية واحدة، وهي العنف الذي يتعرض له التلاميذ الصغار، حتى ألفت النظر إلى ظاهرة مشينة تسيء إلى مجال التربية والتعليم، وإذا التزمنا الصمت ولم نجد لها حلولا ناجعة، فإنها ستتسع وسيمتد ضررها ليس فقط على المدرّسين وأولياء الأمور بل على المجتمع برمته. نحن نقدّر الظروف الصعبة التي يشتغل فيها بعض المدرسين، خاصة في المناطق النائية، والأحياء الشعبية التي ينشط فيها تجار المخدرات، والتي تكون من بين الأسباب التي تجعل بعضهم يفقد توازنه النفسي والعصبي، وبالمناسبة فإن تحسين جودة التعليم ببلادنا، لا يمكنه أن يتحقق دون تحسين ظروف عمل رجال ونساء التعليم، لأن المدرس لا يمكنه أن يؤدي رسالته في ظل شروط لا إنسانية. رسالتي كانت موجهة بالأساس إلى المدرسين في المستوى الابتدائي، لأنهم غير معنيين بما يقع في الإعداديات والثانويات بشكل مباشر، لكن أسلوب التربية والتعليم الذي يقدمونه للناشئة، يكون له أثر غير مباشر على سلوك التلميذ بعد المرحلة الابتدائية. لذلك، فالمطلوب من مدرسي الطور الابتدائي، أن يتعاملوا برأفة ورحمة مع الأطفال حتى وإن أخطأوا، لأنهم في سن صغيرة، وهذا من صميم الدور التربوي للمدرس، حتى نرغّب الطفل/التلميذ في المدرسة، ونغرس في قلبه وعقله حب مدرسه وتوقيره. يجب أن نطرح السؤال: لماذا لم يعد التلاميذ يحترمون مدرسيهم كما كان الأمر في السابق؟ الحقيقة أن ما كان يجعل الأجيال السابقة، لا تتجرأ على المدرسين، ليس هو الاحترام والتوقير كما قد نتوهم خطأ، وإنما هي عقدة الخوف من المدرس، بسبب العنف الممنهج الذي كان يستعمله جل المدرسين، ابتداءا من الكتاتيب القرآنية إلى غاية التعليم الإعدادي والثانوي، حيث كانت العقوبة هي "الوصفة السحرية" التي تستعمل لإخضاع التلميذ. اليوم بعد أن تغير الوضع، وتحرر التلميذ من عقدة الخوف من مدرسه، أصبح المطلوب التعامل مع التلميذ كصديق، حتى يستطيع كسب وده واحترامه، وهذا من شأنه أن يجسر الهوة السحيقة بين بعض المدرسين وتلامذتهم، وهو ما لمسناه خلال سنوات الدراسة، حيث نجح بعض المدرسين المحترمين بحسن تعاملهم مع التلاميذ في كسب التقدير والاحترام، فصار الكل يحترمهم ويثني عليهم. لا يجب أن ننسى أن للتعليم رسالة مقدسة، ولو استطاع المدرس أن يبلغها بطريقة صحيحة، فإنه يكون قد قدم خدمة جليلة لمجتمعه، وساهم - إلى جانب الأسرة- في تربية وإعداد جيل من المواطنين الناجحين والصالحين، ومن يعي هذه الحقيقة، لا يمكنه أن يلتمس لنفسه عذرا في الظروف الصعبة لتبرير تقصيره. أرجو أن تكون رسالتي قد وصلت، اللهم إنّي قد بلّغت، اللّهم فاشهد.