نشر رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوصي ماريا أزنار في الأسبوع الماضي الجزء الثاني من مذكراته الشخصية، فأعاد الجدل حول مجموعة من القضايا في الساحة الإسبانية، بعضها طوي بشكل شبه نهائي بسبب أن البلاد تواجه تحدي تدبير معضلتين كبريين، الأولى تتعلق بالحركة الانفصالية في إقليم كاتالونيا، والثاني يتعلق بالأزمة الاقتصادية الحادة. وبحسب ما نشرته الصحف الإسبانية من فقرات من هذه المذكرات، أو القراءات والتعليقات، فإن أزنار يحاول الدفاع عن سجله في الحقبة الماضية، وغسل هذا السجل من مجموعة من الأخطاء التي وقع فيها خلال رئاسته للحكومة من 1996 إلى 2004 عندما خسر الانتخابات أمام الحزب الاشتراكي، وبشكل أخص تفجيرات محطة القطارات التي حصلت قبيل الانتخابات التي أطاحت بحزبه. الفقرات القليلة والهامة التي خصصها للمغرب في المذكرات يسترجع فيها أجزاء من حوار دار بينه وبين الملك الراحل الحسن الثاني عام 1998، عندما أثار هذا الأخير قضية سبتة ومليلية المحتلتين مشيرا إلى كلمة"حرب" في كلامه، حيث رد أزنار بأنه في حال ما اختار المغرب خوض حرب من أجل المدينيتن فسيكون الخاسر الأكبر. وبحسب أزنار، فإن المغرب لم يقدر جيدا نوايا وأهداف الحكومة الجديدة آنذاك، وأن ذلك"لم يكن خطأه الوحيد في الحساب بشأن العلاقات معنا". في مقال تحليلي قبل خمسة أيام وصف عالم الاجتماع والصحافي الإسباني بيدرو كوستا موراتا رئيس الوزراء الإسباني السابق ب"التطرف البنيوي"، وذلك تعليقا على استضافة أزنار باعتباره رئيسا لمنظمة"أخلاق السياسة والإنسانيات" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنحه الدكتوراه الفخرية، في الوقت الذي تقتل فيه حكومته الفلسطينيين وتوسع دائرة المستوطنات. ويسخر الكاتب من التبرير الذي قدمه منظمو الحفل، وهو أن الهدف هو تعزيز العلاقات مع اليهود السفارديم، والحال أن نتنياهو لا علاقة له بهذه الفئة. حالة"التطرف البنيوي" هذه هي ما يتجلى من خلال إعادة تفسير أحداث جزيرة المعدنوس عام 2002. فأزنار يتهم المغرب بالتواطؤ مع فرنسا من أجل منع أسطول بلاده من الصيد في المياه المغربية، ويسارع إلى القول بأنه مباشرة بعد تفجيرات مارس 2004 أكد أن حركة إيتا الباسكية لا علاقة لها بالأحداث، وهو ما كان يعني أن لديه الاستعداد المسبق لاتهام المغرب. وفي تصريحاته أمام لجنة التحقيق حول تلك الأحداث وجه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى المغرب، وفيما يبدو كان الهدف من تلك السياسة التي قادها الحزب الشعبي وقتها هو وضع المغرب ضمن دائرة البلدان التي تشكل خطرا على أمن أوروبا، وهو أمر يمكن فهمه من خلال مواقف حكومته آنذاك من قضية الهجرة. بل الأكثر من ذلك، فإن أزنار ينتمي إلى ثقافة قروسطية تعتبر المغرب تهديدا دائما منذ سقوط غرناطة، ألم يستنكر عام 2006 عدم اعتذار العرب للإسبان عن ثمانية قرون من الإقامة في بلادهم؟. بالنسبة لأزنار، وبعض المتعصبين في اليمين الإسباني، فإن المغرب لا يشكل فحسب المنطقة التي يمكن أن يأتي منها الصقيع، بل هو أيضا مقياس قوة إسبانيا. أي موقف يمكن أن يفهم على أنه تنازل اتجاه هذا البلد يعد مؤشرا على ضعف الثور الإسباني، ولذا وجه أزنار في مذكراته تقريعا إلى رئيس الحكومة السابق خوصي زباطيرو بسبب الزيارة التي قام بها هذا الأخير إلى المغرب في دجنبر 2001، واصفا إياها ب"الزيارة السخيفة"، مضيفا بأن"نتيجة تلك الزيارة معروفة:صورة لزباطيرو واقفا وهو يبتسم أمام خريطة تظهر فيها سبتة ومليلية بل حتى كانارياس كجزء من التراب المغربي، ويمكن أن يكون هناك ما هو أكثر". وقد احتاج أزنار إلى إعادة التذكير بالعلاقات مع المغرب بما يخدم الوضعية الراهنة التي تعيشها البلاد، لكي يقول بأن المخاطر الخارجية يجب أن تظل عامل توحيد للإسبان، كمدخل للتعبير عن موقفه من دعوة الانفصال في إقليم كاتالونيا التي يعتبر أنها"تضع إسبانيا في وضعية عالية الخطورة"، وينصح الحكومة الحالية بعدم السكوت عما يحصل حتى لا تعاني إسبانيا"المزيد من الألم". مع ذلك، هناك من رأى في مذكرات أزنار واسترجاع حادث الجزيرة مناسبة للبحث عن "بطل قومي"، فقد كتبت يومية"لاراثون" المتشددة قائلة:"إن حادث بيريخيل حدث رائع بشكل كامل... ها هو زعيم يظهر لكي يدافع عنا في وجه العدو، لكي يقول ويتصرف وفق ما هو أساسي: بأن علينا أن نحمي ما نملك".