لشغل الشاغل لوزارة التربية الوطنية هذه الأيام هو التوجيه المدرسي والمهني والجامعي. والوتيرة التي تشتغل بها الوحدة المركزية للإعلام والتوجيه تفوق بكثير نظيرتيها في قطاعي التكوين المهني والتعليم العالي. وليس هذا من باب المقارنات التدبيرية بخصوص مردودية هذا القطاع أو ذاك، وإنما من باب عقلنة هذه الوتيرة التي وعلى ما يبدو بدأت تثير مجموعة من المشاكل للقطاعين الأخريين. لذا، فمن الضروري التذكير ببعض المعطيات علها تكبح من هذه السرعة الزائدة في العمل والتي ستؤدي لا محالة بجميع أطر التوجيه التربوي إلى الارتطام مباشرة بحائط الواقع الذي لا يرتفع. أولا، وحسب آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، بلغ معدل البطالة لدى الشباب 18 في المائة. وهذه النسبة الكبيرة لا تعني إلا شيئا واحدا : سوق الشغل بالمغرب عاجزة عن إدماج الشباب !ودعك من الخطابات الديماغوجية التي تربط بين هذه البطالة وسوء توجيه التلاميذ لأن هذه الحيلة لا تنطلي إلا على من لا يفقه في حقل الاقتصاد شيئا . وليس بتوجيه التلاميذ إلى الشعب العلمية أو التقنية بدلا من الشعب الأدبية سيتغير هذا المعطى. فكلنا نعلم طبيعة الاقتصاد المغربي المبنية على الريع أساسا بشهادة البعيد قبل القريب. ثانيا، سوء توجيه التلاميذ أو عكسه لا يغير من نسب الطلبة المقبولين بمؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود لأن المنطق الذي تشتغل به هذه المؤسسات لا علاقة له بمؤهلات التلميذ المعرفية والنفسية ناهيك على أن السباق المحموم للأسر وأبنائها من أجل الظفر بمقعد بهذه المعاهد العليا لا يعكس سوى المنطق النخبوي الانتقائي الذي تروج له هذه المدارس العليا. ولو كان الأمر خلاف ذلك لكانت هذه المؤسسات مفتوحة في وجه جميع التلاميذ الحاصلين على شهادة الباكلوريا. انه وهم التفوق الاجتماعي والمنافسة الشرسة كما في عالم المقاولات ولا غير. ثالثا، قطاع التكوين المهني ولأنه في علاقة مباشرة مع سوق الشغل يدرك جيدا حدود أي مبادرة وزارية بخصوص التوجيه المهني، لذا فهو يتعامل بحس براجماتي مع المذكرات والقرارات والمراسلات الصادرة في الموضوع وليس بحس اندفاعي ومثالي كما هو الشأن بالنسبة للعاملين بالوحدة المركزية. رابعا، الجامعات المغربية تتمتع بالاستقلالية المادية والمعنوية، والتعليم العالي وان كان تتويجا لشهادة الباكلوريا إلا أنه ليس امتدادا أو استمرارا للتعليم الثانوي، والدمج الحاصل ما بين وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي ما هو إلا قرار سياسي لا غير، ولا علاقة له بالواقع الإداري لكل قطاع. خامسا، النظام الجديد للتوجيه المدرسي والمهني يرتكز بالأساس على التوجيه المبكر للتلاميذ منذ السلك الابتدائي. وإذا علمنا أن لا أحد من المتخصصين في علم نفس التوجيه أو علم اجتماع المهن عبر العالم يقول بهذه ′′الحقيقة′′ جاز لنا أن نتساءل عمن كان وراء هذه البدعة المستحدثة في منظومة التوجيه. إنها الحماسة الزائدة مرة أخرى لبعض أطر التوجيه الذين انخرطوا في برامج منظمة اليونسيف الخاصة بالتوجيه منذ عقد من الزمن. هذه المنظمة التي انحرفت عن أهدافها تحت ضغط الشركات المانحة لتصادق على اتفاقية حقوق الطفل بتاريخ 02 شتنبر 1990 والتي تشجع المادة 32 منها على عمالة الأطفال بطريقة غير مباشرة- ولا حاجة هنا للتذكير بعلاقة هذه التوصية مع التوجيه المبكر للأطفال – والمادة 34 منها على الجنس الرضائي مع الأطفالLa pédophilie والمادة 40 منها تحمل الطفل كامل المسؤولية الجنائية كالراشدين فيما يقترفه من أفعال! فعن أي توجيه تربوي نتحدث؟ ولم هذه العجلة في توجيه التلاميذ منذ السلكين الابتدائي والإعدادي؟ علما أن الطفل بحسب هذه الاتفاقية هو ما دون 18 سنة. في ظل هذه المعطيات ومع إصرار الوحدة المركزية على تضخيم وتضخم منظومة التوجيه على حساب باقي مكونات النظام التربوي بالمغرب، لا يسعنا إلا أن نقول كما يقال : إذا لم تستح فاصنع ما شئت !