قال النقيب عبد الرحيم الجامعي إن الدستور وفصل السلط كان دائما موضوع احتكاك سياسي قديم يعود إلى استقلال المغرب، حيث عرفت مناقشة كل الدساتير والتصويت عليها في تاريخ البلاد احتداما قويا، خاصة عندما يتعلق الأمر بفصل السلط. وتحدث الجامعي في ندوة نظمها الحزب "الاشتراكي الموحد"، نهاية الأسبوع حول " فصل السلط واستقلالية السلطة التشريعية في المغرب"، عن فصل السلط الذي أتى به آخر دستور في 2011، مشيرا أننا في المغرب إزاء سلطة مركزية تمركز في يدها عدد من السلطات وفيها الجانب الديني والسياسي، وفيها أيضا جانب التدخل والمراقبة والتحكيم والفصل في العديد من القضايا بدون الرجوع إلى المؤسسات الأخرى، وهي المؤسسة الملكية. احتواء السلطات وأشار أنه في دستور 2011 هناك فصل للسلط لكن هناك احتواء لكثير من السلطات من طرف المؤسسة الملكية، وذلك بالرجوع إلى مجموعة من القواعد التي أتى بها الدستور بدء بالمادة 42 إلى المادة 78، مؤكدا أن عدد المواد التي أعطاها الدستور إلى المؤسسة الملكية تطرح السؤال إذا كان دستور 2011 يشكل قطيعة مع الدساتير السابقة. وأكد الجامعي أنه حان الوقت بعد مرور عشر سنوات على اعتماد الدستور، أن نتحدث عن هذه التجربة وماذا أعطت فيما يتعلق بممارسة السلطة التنفيذية لاختصاصاتها؟ ولممارسة السلطة التشريعية لاختصاصاتها؟ ومن تأسيس لسلطة قضائية على أسس الاستقلالية وخاصة فيما يتعلق بتعيين المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وشدد على أن اللعبة السياسة في المغرب غير واضحة بالرغم أن من يشارك فيها هي المؤسسات التي نص عليها الدستور، لافتا أنها غير واضحة بفعل اختصاصات المؤسسة الملكية، وبفعل التوزيع الذي شهده المغرب في انتخابات 2011. وانتقد النقيب الجامعي غياب نقاش سياسي وفكري بين المثقفين والمتخصصين في الفكر السياسي والدستوري في المغرب، حول معضلة فصل السلط، متسائلا هل هي إشكالية الدستور نفسه؟ أم إشكالية العلاقات بين الأحزاب والتنظيمات السياسية؟ وهل هي مرتبطة بطمس الهوية السياسية من أجل بلوغ مستوى دولة القانون والمؤسسات؟. وأضاف " الدستور وكما يعلم الجميع عندما أتى بالسلطات الثلاثة تحدث عن الملك كسلطة رابعة، وتحدث عن المؤسسة الملكية كمؤسسة تحتوي كل المؤسسات بدورها التاريخي والديني والسياسي، وتفاعلها مع كل المؤسسات حتى التي توجد خارج الدائرة السياسية مثل المجلس العلمي". هيمنة المؤسسة الملكية وتابع " لم يكن منتظرا أن تأتي التجربة البرلمانية الحديثة بعد 2011 بفصل حقيقي للسلط، حيث الممارسة أن مؤسسات المغرب ضعيفة تحتاج إلى النضج والاستماع، وتحتاج من السياسيين والمثقفين التدخل المباشر في مجال سير المؤسسات في البلاد". وزاد" إلى جانب استحواذ المؤسسة الملكية على الكثير من المظاهر السياسية في البلد، والمقصود هنا ليس المظاهر السيادية بل السياسية ابتداء من السهر على الدستور وسير المؤسسات وعلى الحقوق والحريات، والمعاهدات الدولية، وعلى إرساء القوانين بظهير، وعدم خضوعها للنقد والمحاسبة وصلاحياتها في رئاسة مجلس الوزراء وحل مجلس النواب، إلى جانب حق العفو". وأكد أن كل هذا يوضح أن المؤسسة الملكية لها سلطات واسعة ولا تخضع للنقد والمحاسبة، لأن النص الدستوري يقول إنه يجب أن يخصص للملك الوقار الكامل وعدم المس بشخصيته، علما أن الدستور لم ينص على ما جاءت به الدساتير السابقة التي أكدت أن شخص الملك مقدس ولا تنتهك حرمته. احترام الملك بين النص والتقاليد وأضاف الجامعي " هنا يجب أن نتساءل هل الانتقاد والمحاسبة يدخل ضمن المساس بالوقار الذي يجب أن يكن للملك؟ أم أن هذا أمر تتحكم فيه التقاليد العريقة وليس النص؟"، مؤكدا أن كل هذا يجعل من المؤسسة الملكية مؤسسة فوق المراقبة والمساءلة. وأبرز أن الدستور ينص على صلاحيات كل المؤسسات، لكن السؤال المطروح هل هذه المؤسسات تقوم بأدوارها وتتعاون وفق الإطار التقليدي المعروف في الديمقراطيات التي أسست لهذا المبدأ في انجلترا وأوروبا بصفة خاصة؟ أم أن تعاون السلطات في بلادنا والفصل بينها له طابع خاص؟. وشدد الجامعي على أن ممارسة السياسيين هي التي تبرهن مدى دفاعهم عن سلطاتهم، وعلى حماية الاختصاصات المحددة لهم في الدستور، وعلى قدرتهم في رد كل محاولات الاحتواء والهيمنة. وأكد أنه في الممارسة السياسية نعلم جميعا أنه بقدر ما تضعف المؤسسة التشريعية بقدر ما تتغول المؤسسة الحكومية، خاصة إذا لم تدافع المؤسسة التشريعية عن نفسها عن طريق الأسئلة الحقيقية والمحرجة للعمل الحكومي، وإذا لم تؤسس في كل القضايا الشائكة لجان تقصي الحقائق، وإذا لم تكن ورقة سحب الثقة وملتمس الرقابة حاضرة في عمل الفرق السياسية بما فيها الأغلبية. غياب تعاقد حقيقي وأبرز أن الإشكال الكبير في المغرب هو عدم وجود تعاقد حقيقي، وأن التحديات الكبرى في العالم المرتبطة بمدى سيادة القانون ودور الديمقراطية في إنضاج رأي عام متفاعل وضاغط في السياسة العمومية غائبة. واعتبر الجامعي أن المغرب له أزمة سياسية كبيرة، هي أولا أزمة الأحزاب السياسية، وأزمة المؤسسة التشريعية ودورها في إنتاج التشريع، مضيفا " ليس لنا إنتاج تشريعي في المغرب فهل يعقل أن قانون الإضراب منذ الستينات وهو يراوح مكانه ولم يخرج للوجود بعد، وهل من المنطقي أن القانون التنظيمي المرتبط بالدفع بعدم دستورية القوانين لم يخرج بعد، ونفس الأمر ينطبق على المنظومة الجنائية والتنظيم القضائي". وأضاف " هل من الطبيعي اليوم أن نناقش هل يأتي رئيس النيابة العامة للبرلمان ويناقش التقرير السنوي الذي تصدره هذه المؤسسة". وأكمل بالقول " إذا كان البرلمان هو منتج السياسية الجنائية فالنيابة العامة تسهر على تطبيقها من خلال ممارسة الدعوى العمومية، فلماذا لا تذهب للبرلمان من أجل تقديم نتائج عملها؟". أفق سياسي مظلم وقال الجامعي إن المغرب يعيش أفقا سياسيا مظلما فيه الكثير من التهريج السياسي ومحاولات طمس معالم الأزمات الحقيقية، والخطير في الأمر أن السلطات الثلاث لا تعترف بوجود أزمة حقيقية في البلاد، مرتبطة بالمكونات السياسية والممارسات السياسية. وتابع " بسبب هذه الممارسات أصبح من العادي أن نرى برلمانا فيها أناس لهم سوابق في ارتكاب الجرائم ونهب المال العام والفساد السياسي، لأنه انبثق من انتخابات شهدت كل مظاهر التلاعبات". وأكد الجامعي أن المغرب بحاجة إلى تغيير دستور حقيقي، حتى تكون لنا حكومات تملك السلطات الكاملة، لأن هذا ما يخلق الفرجة السياسية ويفتح الباب أمام الآفاق السياسية. وخلص إلى أن هناك موتا للحياة السياسية والبرلمانية في المغرب، لأننا نعيش أزمة دستور وأزمة مؤسسات، وأزمة آفاق سياسية أمام تحديات دولية كثيرة، مما يجعل مستقبل الوطن مهددا.