نيويورك تايمز 07 سبتمبر, 2018 - 10:38:00 كان المشهد مليئا بالصراخ و الاتهامات والدموع والإغماءات عندما مثل أمام المحكمة اثنا عشر شابا متهمين باختطاف و اغتصاب وتعذيب فتاة عمرها 17 سنة وذلك في أول جلسة عقدتها المحكمة لتنظر يوم الخميس الماضي في هذا الملف الذي قسم الرأي العام في المغرب. "أنت كذابة وهو لا زال صغيرا ولا يقدر على اغتصاب أي شخص"، هكذا صرخت امرأة في وجه الفتاة خديجة التي وقفت أمام هيأة المحكمة في صمت ورباطة جأش، ثم أضافت المرأة الصارخة: "لقد دمرتم حياتنا تدميرا كاملا وآذيتمونا أشد الأذى. " تقول الفتاة إنها اختُطفت في منتصف شهر يونيو في "أولاد عياد، واحتُجزت لمدة شهرين من طرف مجموعة من الرجال الذين اغتصبوها مرارا وتكرارا وأجبروها على تناول المخدرات والمشروبات الكحولية. قالت إنها عاشت في شبه ضباب كيميائي ولا تتذكر من منهم كان يحقنها بالمخدرات تحت بشرتها، هي تتذكر فقط أنها استيقظت من كثرة الألم فوجدت رسوم الوشم على ذراعها الأيمن و يدها اليمنى و ساقيْها والجزء الخلفي من عنقها، ومن بين تلك الرسوم هناك صليب معقوف وامرأة عارية واسم أحد الرجال. أما محامي خديجة يوسف الشهببي فهو يضيف في حوار عبر الهاتف تفاصيل أخرى لروايتها: "لقد ظلت مختطفَة و عرضة للاغتصاب والتعذيب والوشم على يد عصابة من المراهقين عمرهم بين 14 و 15 سنة يتلاعبون بجسدها ويحرقون جسدها بأعقاب السجائر و يؤلمونها بالقطع النقدية". لقد ذهبت الفتاة إلى الشرطة ضدا على رغبة عائلتها التي كانت تخشى الفضيحة ولا تحب أن يحظى الموضوع بمتابعة وطنية ونقاش عمومي واسع النطاق خصوصا وأنها هي و الشبان الذين تزعم أنهم اعتدوا عليها ينتمون لنفس المنطقة و عائلاتهم تعرف بعضها بعضا. ثم أنشأ المدافعون عنها #كلنا_خديجة. أما نشطاء الدفاع عن حقوق الإنسان فقد تبنوا الملف بسرعة وتم إنشاء عريضة لجمع الأموال من أجل مساعدتها. لكن البعض الآخر شكك في سلوك الفتاة ومصداقيتها وقال إنها رافقت الشبان عن طيب خاطر ووشمت نفسها بنفسها قبل ذلك الاختطاف المزعوم و أحرقت جلدها بالسجائر. قبل جلسة المحاكمة الأولى، حيث كانت تغطي ذراعها ويديها بنوع من القفاز الأسود، قالت في مقابلة صحفية إنها على استعداد لمواجهة مهاجميها في المحكمة. لكن المواجهة بدأت قبل الجلسة خارج القاعة عندما اقترب آباء المتهمين من والدها وبدؤوا الصراخ بصوت مرتفع، و من بينهم من طالبه بالاعتذار ومنهم من طلب منه التنازل عن الملف أصلا ولكن دون جدوى، ومنهم من كان يصرخ في وجهه قائلا : "نحن كلنا جيران و نتمنى لو لم يحدث كل هذا أصلا". داخل المحكمة شرعت بعض النساء في البكاء عندما رأين أبناءهن واقفين أمام المحكمة، وأيديهم مكبلة كما أن إحداهن أغمي عليها قبل أن تتدخل الشرطة لإخراجها من القاعة، ثم نادى القاضي على المتهمين واحدا واحدا ( وكلهم أعمارهم تتراوح بين 18 و 28 سنة ) قبل أن يأمر بإعادتهم إلى السجن في انتظار استمرار أطوار المحاكمة في جلسات مقبلة. وفقا لمحضر الشرطة الذي استطاع فريق "نيويورك تايمز" أن يطّلع عليه رغم أنه ليس وثيقة عمومية فإن معظم المتهمين اعترفوا بممارسة الجنس مع الفتاة، ولكن بموافقتها وهو فعل يكوّن في حد ذاته جريمة بموجب القانون المغربي لأنها قاصر وعمرها أقل من 18 عاما، كما صرح محاميها الشهبي أن أحد الشباب اعترف أنها لم تكن من قبل تحمل الوشم على جسدها. وأضاف المحامي أن الفتاة كانت متوجهة إلى بيت خالتها في يوم من أيام منتصف يونيو عندما اقترب منها شابان على دراجة نارية وأحدهما يحمل سكينا هددها به وطلبا منها مرافقتهما. ثم اقتاداها إلى بستان كبير فيه أشجار الزيتون و شرعا في التناوب على اغتصابها قبل أن يلتحق بهما شبان آخرون وينضموا لعملية الاغتصاب الجماعي. ثم أضاف المحامي أن الفتاة عادت إلى أسرتها في يوم 17 غشت الماضي بعد أن عقد الشباب نوعا من الصفقة مع والدها : "سيعيدون إليه ابنته على قيد الحياة على شرط أن يلتزم بعدم اللجوء إلى الشرطة". وعادت الفتاة ولكنها بعد يومين ذهبت لتشتكي عند الشرطة. وأضاف الشهبي أن بعض الناس بدأوا يلومون موكلته متهمين إياها بإثارة أولئك الشبان الذين تتهمهم باغتصابها. أما أحمد الهايج، رئيس "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" فهو يقول: "من وجهة نظر حقوقية نحن نعتبر أن الاعتداء الذي تعرضت له سيترك عليها آثارا وخيمة، بالإضافة إلى انتهاك السلامة البدنية هناك الأضرار التي تمس كرامتها واستقرارها النفسي والاجتماعي،" وكانت هذه الحالة هي الأخيرة في سلسلة من الاعتداءات المزعومة على النساء والتي تسببت في غضب شعبي عارم في المغرب في السنوات القليلة الماضية. في عام 2012 ، أقدمت الشابة أمينة الفيلالي ، البالغة من العمر 16 عاماً على الانتحار بابتلاع سم الفئران بعد أن أُرغمت على الزواج من مغتصِبها، وقد ساهمت هذه الواقعة في إقناع السلطات المغربية بضرورة تغيير القانون الذي كان يسمح للمغتصب بالتزوج من الضحية. في عام 2016 ، توفيت شابة أخرى هي خديجة السويدي ، البالغة من العمر 16 عاماً ، وهي حامل ، عندما أضرمت النار في جسدها بعد أن تم الإفراج عن الشاب الذي كانت تتهمه بابتزازها وتهديدها بنشر صورها لحظة الاغتصاب، وفي العام الماضي أقدمت شابة أخرى على شنق نفسها وهي نسيمة الحر البالغة من العمر أيضا 16 سنة بعد أن تمت تبرئة الشاب الذي كانت تتهمه باغتصابها. في شهر غشت 2017، اهتز الرأي العام بعد نشر فيديو لامرأة عمرها 24 سنة عندما كان يجري عليها الاعتداء الجنسي بالتناوب من طرف العديد من الرجال على متن حافلة عمومية في الدارالبيضاء. وقد أظهر الشريط الذي اكتسح شبكات التواصل الاجتماعي مرتكبي الاعتداء على تلك المرأة وهم يضحكون ويمزقون ثيابها بينما الركاب الآخرون يتفرجون ولا يحركون ساكنا. كان الرد الجزئيً على مثل هذه الحالات البارزة هو اعتماد المغرب هذا العام قانوناً جديدا بشأن العنف النساء. يقول أحمد رضى بنشمسي مدير التواصل في منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في حوار عبر الهاتف: "من الواضح أن النساء في المغرب لا يتمتعن بالمساواة مع الرجال وهذا القانون كان خطوة في الاتجاه الصحيح لأن العنف ضد النساء لم يكن من قبل معترفا به كجريمة أصلا لكن لا تزال هناك ثغرات عديدة ". من بين تلك الثغرات، هناك الافتقار إلى الآليات الضرورية لمساءلة ومحاسبة رجال السلطة وحماية ضحايا العنف العائلي . - التحقيق من إنجاز: عايدة العلمي في بني ملال و إيليانا ماغرا من لندن. - الترجمة إلى العربية: موقع لكم 2 - المصدر: نيويورك تايمز