جانين دي جيوفاني. (كاتبة وباحثة بمعهد العلاقات الدولية بباريس). عن موقع ذا دايلي بييست ترجمة سعد الدين لمزوق بتصرف (مغاربكم) تعيش فتاة تونسية مختبئة هذه الأيام بعد أن تعرت دفاعا عن الأفكار النسائية. لكن في بلد على حافة خسارة حرياته المدنية يمكن للاحتجاج عبر الإنترنت أن يؤدي إلى نتائج عكسية. قبل أن تصير سيدي بوزيد مهد الربيع العربي، وقبل أن يفر بن علي بسبائكه من الذهب وعائلته الجشعة، وقبل أن تنزع فتاة في التاسعة عشر من عمرها بلوزتها وتكتب على صدرها "جسدي ملكي وليس شرف أي أحد"، كانت هناك أفكار وحركة نسوية في تونس. من جهة يرجع ذلك إلى موقعها الجغرافي. تونس هي قريبة من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ومعظم الساكنة المتعلمة بها هم أشخاص ممن يتقنون لغات عدة ،وترعرعوا وهم يشاهدون تلفزيونات العالم. سلسلة من المدارس أطلقت في السبعينات من أجل الأطفال النجباء مما يعني أن جيلا كاملا من التونسيين الأذكياء –رجالا ونساءا- قد تم تشكيله. حتى في ظل دكتاتورية بن علي كان يتم الترويج للتعليم. النساء تبوأن مواقع لم يكن يسمع عنها في الدول العربية الأخرى. اليوم يهيمن حزب النهضة الإسلامي على الحكومة التونسية وهناك تقارير متزايدة تتحدث عن صعود سلفيين متشددين كذلك إلى مراكز السلطة. هاته التقارير غالبا ما تعارض من من طرف التونسيين أنفسهم إذ يقولون أنها مبالغة من طرف الصحافة. على أي حال، فإن حقوق المرأة في تونس في حالة حصار. عقلية البلد في تحول بحيث بدأت تنزاح بعيدا عن مبادئها المدنية التي كانت في الماضي وهي في طريقها لتصبح أكثر محافظة. رد أمينة على هذا الخطر كان من خلال نزعها ملابسها وتوجيه إشارة الأصبع إلى الكاميرا، تصرف جلب عليها عداءا فوريا على صفحات الإنترنت. كانت تلك محاولة من طرفها لإدخال المنظمة الأوكرانية "فيمين" إلى تونس. في ما يخص حالة منظمة "فيمين" فغالبا ما أشعر بأن زعيمتها، آنا تشيفشينكو، وكأنها تعتبر التعري قضية أكبر من مساعدة القضية النسوية على مستوى العالم. هذه الحالة ليست شبيهة بالاحتجاجات النسوية في السبعينيات من خلال حرق حمالات الصدر في شارع ماديسون بنيويورك ضد ترويج الصورة الجنسية عن المرأة في الإعلانات. "فيمين" لديها أهداف مشكوك فيها. إذ يبدو وكأن المرأة تصبح عضوا فيها بمجرد نزع ملابسها وتصوير نفسها. الصور غالبا ما تنتشر بسرعة عبر فايسبوك. المنظمة قد تكون مرحة ولكنني لست متأكدة من أجندتها. من خلال النظر إلى احتجاجاتها المختلفة عبر العالم أصبح غير متأكدة من أنني أشاهد شيئا مختلفا عن مشاهد إباحية. عندما تم اصطياد سيلفيو برلسكوني، وهو معروف بكونه يستمتع بحفلات البونغا بونغا، هل كان ذلك مسليا أو مستفزا بكل بساطة؟ فكيف عندما تمشي مجموعة من الحسناوات الأكرانيات في الشارع منتعلات أحذية بكعب عال، وبالكاد بعض الملابس الداخلية في عز البرد، كيف سيمكننا ذلك من الحصول على رواتب متساوية مع الرجل أو سيجعل الرجال يرون في النساء أكثر من مجرد أدوات جنسية. عندما أنظر إلى جيل والدتي من الكتابات النسائية- وأجد كتبا مثل مؤلف سوزان براون ميلر عن الاغتصاب"ضد رغبتنا" الذي أصبح مرجعا منذ 1975، وكتاب غلوريا شتاينم "أفعال صادمة وتمرد كل يوم" والذي أصبح مرجعا منذ 1983. هؤلاء النسوة كن يدافعن حقا عن قضية وقد صنعوا الفارق بالفعل. أما نساء "فيمين" فلا أستطيع أن أمنع نفسي من الإحساس بأنهن يبحثن عن الشهرة. إنهن جيل يوتوب ممن يحصلن على 15 دقيقة من الشهرة العارية. وحتى الدوافع التي جعلت أمينة تقوم بتصرفها ذاك تبدو غيربريئة. منذ أن تم الحكم عليها بالرجم من طرف شيخ سلفي اختبأت وتناسلت الإشاعة حول سلامتها الجسدية. البعض قال أنها أدخلت إلى مصحة عقلية فيما تؤكد محاميتها أنها بخير برفقة عائلتها. من دون أدنى شك لقد تركت بصمتها في الإنترنت من خلال صورها التي جابت العالم. ولكن لما لا تخرج إلى الشارع مثل العديد من الناشطات التونسيات أو تكتب مدونة أو تحاول تسليط الضوء على معاناة النساء بطريقة أكثر نفعا؟. أخشى أن تكون أمينة قد عادت بقضية المرأة في تونس إلى الوراء بدل المضي بها إلى الأمام. لما يتم استفزاز بلد النساء فيه على حافة خسارة حقوق كانت في السابق من المسلم بها؟ بعض النساء صرحن للبي بي سي مؤخرا أنهن اخترن ارتداء النقاب، اللباس الإسلامي الذي لا يظهر سوى العينين، بعد ثورة 2011. نساء أخريات أخبرنني أنه بينما لطالما كانت تونس بلدا متقدما في مجال حقوق المرأة، يخشين الآن أن تصبح هاته الحقوق مهددة. من المؤكد أن حركة النهضة لم تنتزع هاته الحقوق التي كانت على عهد بن علي كالطلاق على قدم المساواة مع الرجال أو عدم السماح بتعدد الزوجات. أحد المسؤولين صرح للبي بي سي أنهم لا يسعون إلى فرض نمط حياة معين على أي كان. "نحن هنا من أجل الدفاع عن الحريات"، يقول المسؤول. رغم ذلك، هناك جيل من النساء ممن يشعرن بالقلق. هاته التغيرات لا تحصل على مستوى السطح بل في أعماق المجتمع. "هناك عدد أكبر من المتشددين"، تقول آمنة قلالي، مديرة هيومان رايتس واتش بتونس. "هؤلاء الذي يسمون أنفسهم جماعات سلفية يحاولون فرض نظرتهم الخاصة للمجتمع والدين. أعتقد أن هذا سيكون له تأثير كبير على وضعية المرأة". خلال ثورة الياسمين والأشهر السعيدة التي تلتها كان من المفرح رؤية عدد من النساء الشابات يجبن الشوارع في مظاهرات سلمية للمطالبة بالديمقراطية. استجوبت العشرات من النساء الشابات من المدونات والناشطات والمتظاهرات. لقد ألهمنني. كن يردن أن يكن جزءا من النظام الجديد الذي سيدخلهم إلى عهد الحرية وحقوق الإنسان والمساواة. لقد كنا محترمات أيضا. أي متظاهر يعرف أن الطريق الوحيد إلى جعل النضال ينجح هو بجعل الناس ينضمون إلى صفك. أما "فيمين" فلا تجعل من نفسها محببة إلي أي شخص باستثناء بعض المراهقين ربما. قد يكون قلب أمينة سليما لكنني أتمنى أن تغطيه بقميص وتتظاهر بهدوء لكن بفعالية بدل أن تتجرد من ملابسها.