يتعب السفر كثيرا، ليس بسبب التنقل من مكان إلى آخر، فقد يسّرت التكنولوجيات والتطور العلمي فرصة ذلك بكل راحة ومتعة أيضا، لكن السّفر متعب، كما يقول غي دوموباسون ''السفر يشبه ذلك الباب الذي نخرج من خلاله من الواقع، وكأننا ندخل إلى واقع يشبه الحلم''. فنحن ننتقل من واقع إلى واقع مغاير، خاصة إذا كان هذا الواقع في الأصل ''تعبان''، فيخلق في ذواتنا كثيرا من مشاعر القنوط والحسرة والغبن والتشاؤم واحتقار الذات، ويحيلنا على العديد من الأسئلة التي لا تجد لها إجابة في حينها، لكنها بالأخص تحدث لحظتها ألما عميقا، نابعا من إدراكنا لمقدار الهوّة الموجودة، بين واقع المكان الذي قدمنا منه والآخر الذي نحن فيه. وقد يعاني كثير من الجزائريين من هذا الإحساس ويطرحون عديد التساؤلات عن أسباب هذا التأخر في اللحاق بالركب.. هل نحن بشر كخلق الله أم حثالة هذه البشرية؟ هل نستحق فعلا التواجد بين هؤلاء البشر وكيف؟ ونحن لا نساهم بأي شيء في بناء تراكماتها الحضارية، بل نعجز حتى عن نفع أنفسنا. وكيف عجزنا نحن وقد امتلكنا كل المؤهلات لنهضة حقيقية، قد نتصدر من خلالها كل الأمم؟ لمَ لم نستطع نحن بينما استطاع غيرنا أن يقفز هذه القفزات النوعية في الرقي والتقدم واحترام الإنسان وتحقيق درجة عالية في بناء المواطن، باحترام الواجبات مع إدراك شديد للحقوق، بينما نقبع نحن في المكان نفسه نناقش، ننتظر حلا خارجا أو حتى معجزة كونية. هذا إحساس المواطن البسيط الذي لا يملك لا ناقة ولا جملا في تسيير وطنه، وتغيير واقعه هو إلى الأفضل. لكن السؤال المحير والتصور الذي يتبادر إلى الذهن، هل يملك مسؤولون هذا الإحساس وهم يتجوّلون بين أصقاع العالم ويقفون على ما خطّته شعوب ودول من تقدم ورقيّ، قد لا تملك نفس المؤهلات والمعطيات التي تتمتع بها الجزائر؟ ألا يستحون وهم يتكلمون باسم الجزائر والشعب الجزائري في كل القضايا.. أقول ألا يستحون والعالم يعلم إلى أي درجة فساد وانحطاط وتأخر يعيش فيه وطنهم؟ ألا يملكون هذه الغيرة على الجزائر في أن يجعلوها تشبه تلك الدول؟ ألا يملكون هذا الإحساس الذي يقودهم إلى البحث عن أنجع السبل للخروج من هذا الواقع المهين لنا ولتاريخ ثورتنا (لمن مازال يتشدق بالشرعية الثورية). يشبه حال مسؤولينا حال تلك المرأة ''الخايبة'' التي تملك بيتا جميلا، لكنها أهملته فسكنه العفن والفوضى، ولا تستحي أبدا من زيارة بيوت النساء الأحرار، اللواتي رغم بساطة إمكاناتهن، إلا أن فيهن من الذوق والجمال والترتيب ما يعجز اللسان عن التعبير عنه.. أجل إن السفر يجعلنا نتألم ونتعب ونحلم أيضا بأن يأتي يوم نرى فيه جزائرنا، بكل مقوماتها، ترتقي إلى مصاف دولة كتركيا، كان يلزمها فقط 10 سنوات لتخرج من النفق، وتوظف كل إمكاناتها للتوجه إلى العالم ليس من أجل سفر تهرب فيه من واقعها، لكن لتتم بناء حلمها على امتداد التاريخ، لأن متعة السفر، كما يقول الفونس كار ''لا تتولد من اكتشافنا للمكان الذي نذهب إليه، لكن من تخلصنا من حالة الملل من المكان الذي جئنا منه''.