شكل العمل الإرهابي الجبان الذي استهدف مقر صحيفة "تشارلي إيبدو" بباريس أول أمس، وأودى بحياة 12 شخصا يعملون بالجريدة الباريسية، حلقة أخرى من حلقات استهداف الصحافة والصحفيين من قبل أعداء الديمقراطية والقيم الإنسانية النبيلة أصحاب الفكر الإرهابي الدموي الشوفيني الرافض لحرية التعبير والحق في الاختلاف وإبداء الرأي، وهي حلقة تؤكد مرة أخرى أن خطر الإرهاب على المجتمع الإنساني برمته وليس مجتمعا بعينه، مازال قائما وموجودا، ويعمل بقوة لنسف قيم السلام والتعايش والتسامح بين الأديان والحضارات والثقافات والأمم. فما حدث بباريس من قتل وحشي لأشخاص كل ذنبهم أنهم اختاروا الوقوف في صف الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية ومحاربة الأفكار المتطرفة والشوفينية من أي جهة كانت، لا يمكن لنا كحزب ليبرالي ديمقراطي مؤمن بالقيم الدينية والإنسانية النبيلة، إلا التنديد به بقوة وشجبه بصرامة، والدعوة إلى محاربته بكل الوسائل المشروعة، وتكاثف كل الجهود بين الدول والمنظمات الدولية والقوى الديمقراطية والحداثية، في العالم من أجل استئصال شأفته، بما يمثله من خطر حقيقي على الحضارة الإنسانية والمجتمع الدولي وعلى السلام في العالم. إن الاتحاد الدستوري وعلى إثر هذا العمل الإرهابي الجبان، لا يملك إلا أن يعبر بكل صدق وإخلاص عن وقوفه التام وتضامنه الكامل مع الشعب الفرنسي بكل قواه ومكوناته السياسية والمجتمعية الحية في هذه المحنة، وعن أحر تعازيه الصادقة لذوي وأقارب القتلى، ولكل الباريسيين والفرنسيين، وهو يدرك تمام الإدراك الخطورة التي يمثلها استمرار التطرف الديني والفكري والسياسي في تهديد استقرار وسلامة وأمن الشعوب والأمم، بل وتهديد استقرار العالم، حيث إن الإرهابيين في العمق لا يملكون أية تبريرات أو أسباب لتعليل أعمالهم الوحشية المنافية لكل المبادئ والقيم والأخلاق والشرائع السماوية، فالمغرب ظل على قناعة تامة أن جهود كل دولة بمفردها لمكافحة الإٍرهاب، غير كافية بل وغير مجدية في القضاء عليه، بل من الضروري تكثيف الجهود والتنسيق أكثر بين الدول من أجل محاربته والوحدة والتعاون في مواجهته، وبالتالي من غير الممكن مكافحة الإرهاب دون تنسيق تام وتعاون متعدد الجوانب بين الدول. إن هذا الشر لا يمكن التسامح أو المهادنة معه تحت أي مبرر مهما كان، لكونه يمثل تهديدا حقيقيا لأمن واستقرار وسلامة كل الأمم والشعوب، وما حدث بمقر جريدة "شارلي إيبدو"، أكبر دليل على أن الإرهاب لا ملة له ولا دين، وهو سلوك همجي بالغ الخطورة، لا يراعي في أحد إلا ولا ذمة، ويستبيح قتل النفس، ويتنافى مع مبادئ الدين الاسلامي الحنيف وكل القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية وهو عمل إجرامي آثم يسيء إلى صورة الإسلام والمسلمين داخل الرأي العام الغربي، ويقدم أكثر من مبرر لدعاة العنصرية ومتطرفي اليمين في أوروبا وفرنسا بالخصوص، للهجوم مرة أخرى على الإسلام والمسلمين، والاعتداء على مقدساتهم ورموزهم الدينية. ففي هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها العالم العربي من جراء ما تشهده عدد من دوله من مأس وجرائم ضد الإنسانية على يد الإرهابيين، لا يمكن لبلادنا إلا أن تكون على أهبة الاستعداد والحيطة والحذر بما أن خطر الإرهاب لا زال قريبا من أبوابنا وحدودنا، والعمل على محاربته بكل الوسائل، باعتباره ظاهرة تستهدف الأمن والاستقرار في العالم والمنطقة، وتستوجب التعاون والتضامن على جميع المستويات لاستئصال هذه الظاهرة التي تسعى إلى نشر الخراب والدمار والفوضى. فاللجوء إلى الإرهاب سيظل علامة بارزة من علامات القصور والعجز الفكري لدى أصحابه، ومظهرا بارزا من مظاهر الرغبة المريضة في قمع الحريات والتضييق عليها باسم الإسلام والإسلام براء منهم.