لم تقم الحكومة بمواجهة إشكالية الأجور برمتها، على كل مستوياتها، بتبايناتها البنيوية من قطاع إلى قطاع، من أعلاها إلى أسفلها، بين الرجال والنساء، بين مختلف المناطق.. بل اكتفت بالنفخ في بوق الزيادة في الحد الأدنى لأنه أكثر شعبوية، حيث يهم أجور الشغيلة الشعبية!. وهكذا قررت حكومة الحد الأقصى للاستهزاء بأجور الحد الأدنى (قررت) بدون علم حتى وزير التشغيل (!) الرفع من الأجور الدنيا في الوظيفة العمومية التي تقل عن 3000 درهم، بزيادة 200 درهم على دفعتين، تخص 70.000 موظف موجود تحت الحد الأدنى الموعود تجاوزه منذ الحملة الانتخابية البيجيدية! ثلاثة دراهم ونصف في اليوم قدمها وزير التشغيل ك «هدية كبيرة» بعدما غيرت أحوال استوزاره «ثورية» أقواله السابقة المدافعة عن «البروليتاريا المسحوقة»!. نفس مستوى الزيادة الهزيلة سيخص «السميك» الصناعي (SMIG) أي 10 بالمائة على دفعتين خلال شهر يوليوز من السنة الحالية والمقبلة. زيادة تبدو رغم ذلك كبيرة في عيون المركزية المقاولاتية( CGEM)! في بلد المليون بطالى، معرضة للزيادة ب 150.000 عديمي الشواهد من المغادرين السلك المدرسي كل سنة، في بلد لاتخلق فيه الحركة الاقتصادية أكثر من 14.000منصب سنويا، وعدتنا نقابة الباطرونا ب 500.000 شغل خلال السبع سنوات المقبلة، قبل أن تستدرك وتخبرنا بأنه، إلى حد الآن تضيع على النشاط الصناعي 30.000 منصب كل سنة، خاصة في الصناعة التحويلية «كالنسيج» المصابة بالزكام كلما عطست الاقتصاديات الغربية الزبونة! فيتحول تفاؤل كل دراسات الأمس القريب إلى تشاؤم الباطرونا بدعوى الزيادة البئيسة في مستوى «السميك». ليخلص إلى أن الزيادة المرتقبة (من 12,24 درهما في الساعة إلى 12,85، قبل الوصول إلى 13,46 درهما في الساعة الصيف المقبل) ستؤثر سلبا على مردودية الوحدات الصناعية . كأن صغار الأجور التي لا تمكنها من الأكل لتعيش، لترميها في هواجس العيش لتأكل! كأنها هي الوحيدة المسؤولة عن تكاليف وأساليب الإنتجاية، من نوعية الآليات والأساليب التكنولوجية والتخطيط المستقبلي والتدبير المالي والماركوتين التجاري وتكوين الطاقم البشري والاقتراض العقلاني... مع العلم أن الزيادة في«السميك» الصناعي التي أغضبت CGEM لن تمكن عاملا أو عاملة يشتغل (أو تشتعل) 40 ساعة في الأسبوع إلا من بلوغ 13,46x40=538 درهما. أي 2.153,60 درهما في الشهر، بعيدا إذن حتى عن 3000 درهم الموعودة على المنصات الخطابية للحملات الانتخابية المنتهية صلاحيتها بعد المفاوضات الاستوزارية!. يدعي «الخبراء» أن «السميك» الصناعي قد عرف زيادة بلغت 35 بالمائة خلال العشر سنوات الأخيرة، معتبرين ذلك نجاحا عند مقارنته بزيادة التضخم المالي التي لاتتعدى 22 بالمائة خلال نفس الفترة، ليكن في علمهم أن تواضع تطور التضخم المالي سيتراجع مستقبلا بعد تراجع اعتمادات صندوق المقاصة الذي تحول إلى مقايسة ستزيد لا محالة في أثمنة المواد الأساسية. كما على «الخبراء» المختبئين وراء الأرقام التي تقول ما يريدون أن يعلموا أن هناك فارقا أساسيا بين القدرة الشرائية لأجر معين ومستوى المعيشة المقترح عليه على طول اللوحات الاستشهارية اليومية التي تفتح له باب الأمل في الولوج إلى «البورتابل» و«الأنترنيت» والسكن الاقتصادي والسيارة بدون تسبيق.. آفاق ليست دائما سهلة المنال، عندما نعلم أن 60 بالمائة من الأجور المصرحة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا تتعدى 2600 درهم شهريا، وأن ثلث المأجورين بالقطاع الخاص لايحصل على السميك!