حفيظ دراجي. (موقع tout sur l'algérie) ترجمة سعد الدين لمزوق (مغاربكم) سيظل إسم المجاهد والرئيس محمد بوضياف، المغتال في يوم حزين في 29 يونيو قبل 20 سنة، سيظل للأبد محفورا في الذاكرة الجزائرية. هذه الشخصية التاريخية، الثورية والوطنية، دفعت حياتها ثمنا لطيبوبتها وتلقائيتها وحبها للوطن. لقد رحل تاركا وراءه السؤال المطروح كعنوان لكتابه "إلى أين تتجه الجزائر؟". سؤال ظل من دون جواب. لقد كان بوضياف متقدما على زمنه من خلال التساؤل عن مستقبل الجزائر، وكم يظل السؤال راهنيا اليوم بعد خمسين سنة على الاستقلال. يجعلنا هذا الأمر نعتقد بأنه توقع أم ما بني على أخطاء لن يخلف سوى أخطاء متوالية، تكون أحيانا قاتلة في حق الأجيال المتعاقبة في البلد والتي تجد نفسها اليوم على هامش العالم الذي يحيط بها. "إلى أين تتجه الجزائر؟"، هذا هو السؤال يطرح نفسه اليوم بالنسبة لبلد من دون رئيس يشغل مهام الدولة ويتمم ولايته والتزامه تجاه الشعب، ولكن أيضا لوضع الإصلاحات المعلن عنها في سطيف قبل سنتين عندما صرح الرئيس أن جيله أصبح متجاوزا وأن عهد الشرعية الثورية قد ولى وأن الوقت قد حان لتسليم المشعل للأجيال الشابة. بالمقابل، يبدو أن جيل ما بعد الاستقلال هو من انطفأ قبل أن يولد لأنه لا يدخل ضمن مخططات بلد يتألم أبناءه من رؤيته في تراجع وغير قادر على مسايرة إيقاع التغيرات التي تقع في العالم وفي مختلف المجالات... "إلى أين تتجه الجزائر"؟، هو أيضا سؤال يطرح بخصوص الشرعية التاريخية والثورية التي ما تزال تتحكم بكل شيء في بلاد وتقرر في مصير الأجيال القادمة. هو أيضا سؤال موجه إلى هؤلاء الوزراء والمدراء والسفراء الذين تجاوزا سبعين عاما ويستمرون مع ذلك في مناصبهم. هذا السؤال يحيل أيضا على الكراهية المزمنة والإقصاء التي تصيب عددا لا يحصى من المواطنين نتيجة عقلية جهوية بئيسة انتشرت على مختلف الأصعدة. عقلية حصدت ضحايا في أوساط الكفاءات التي كان ذنبها الوحيد أنها تنتمي لجهة مختلفة، وأن لديها آراءا مختلفة وتطمح إلى أن تحظى بفرصتها للمساهمة في بناء بلادها... "إلى أن تتجه الجزائر؟"، سؤال يطرح بخصوص هذه الفكر السياسي والاقتصادي الأحادي والمتخلف الذي ينتج أحزابا وجمعيات من المجتمع المدني من دون أي سلطة للقرار أو قدرة على خلق رأي، وبخصوص اقتصاد يحتضر ويعتمد على الموارد النفطية والاستيراد بمختلف أنواعه. سؤال يطرح أيضا بخصوص فكر اجتماعي وثقافي لم يستوعب حاجيات الشباب الذي يتطلع إلى الحداثة والتطور وإلى عصر التكنولوجيات الحديثة... "إلى أين تتجه الجزائر؟"، سؤال يطرح بخصوص تراجع القيم وضياع المبادئ لدى الأفراد والجماعات والجمعيات والمؤسسات بينما تتفشى فضائح الفساد والنهب والاغتصاب وكل أنواع الجرائم في حالة إفلات تام من العقاب. وكنتيجة، أصبح اسم الجزائر اليوم مقرونا بفضائح الفساد ونهب الأموال التي تورطت فيها سوناطراك وسونيل غاز ومشروع الطريق السيار شرق-غرب ومسؤولين رفيعين في الدولة. اسم الجزائر لم يعد يعيد للأذهان ثورة نوفمبر الكبرى والتضحيات الجسام التي قدمت عبر التاريخ ولا جيل منفتح ومتعلم وواعي بما يدور حوله. جيل يرى في وطنه بلدا يعج بالموارد وبالمليارات بينما يعاني الشعب من البطالة ونقص البنى التحتية الصحية والرياضية والتعليمية والثقافية وتزداد فيه فقرا شريحة عريضة من المجتمع تعيش في الألم والحزن... في الحقيقة، إن الجواب على السؤال المطروح من قبل المرحوم محمد بوضياف في سنوات الستينات من القرن المنصرم هو سهل وصعب في نفس الوقت. تنقصنا الشجاعة لمواجهة العالم الحالي ولتغيير ما يجب تغييره ولاسترجاع الزمن الضائع. نفس السؤال سيظل دائما مطروحا والجواب سيكون دائما هو نفسه: تتجه الجزائر نحو المجهول إذا ما بقيت الأمور على حالها. إذا لم نضع حدا لسلطة الجهل والإقصاء والكراهية والأنانية. إذا ما اختفى الحب والاحترام واستمر تجاهل الكفاءات ورجال الأجيال الصاعدة سنستمر في التراجع في كل المجالات..