حذر أكاديميون وباحثون، مساء الأربعاء في طنجة، من التحولات العميقة التي أحدثتها الرقمنة في سلوك الفرد وبنية المجتمع، معتبرين أن الجيل الجديد يعيش في فضاء سيبراني يعيد تشكيل الذات الإنسانية ويقوض ركائز التنشئة التقليدية. جاء ذلك خلال ندوة حول "الرقمنة والمجتمع"، نظمها صالون طنجة الثقافي، وشارك فيها باحثون من تخصصات مختلفة، حيث ناقشوا تأثير الخوارزميات والوسائط الرقمية على الهوية والثقافة والروابط الاجتماعية. قال الباحث في علم النفس الاجتماعي، مصطفى الشكدالي، إن خضوع الإنسان للخوارزميات يصيب الهوية الإنسانية في مقتل، مشيرا إلى أن التنشئة الاجتماعية تشهد تفككا متسارعا بفعل الثورة الرقمية التي أنتجت جيلا له أذواق وتصورات منقطعة عن الجيل السابق. واعتبر الشكدالي، مؤلف كتاب "سيكولوجيا الإنسان المرقمن"، أن هذه التحولات تفرض ضرورة البحث في مفاهيم مستجدة مثل التنشئة الخوارزمية والتحكمية الخوارزمية والأنا الرقمي، قائلا إننا نشهد نهاية المجتمع الكلاسيكي وولادة المجتمع المرقمن، حيث تعاد صياغة الهوية وفق سياقات رقمية متغيرة. أما الباحث في التدبير والمهارات الناعمة، محمد علي بولعيش، فرأى أن الإنسان فقد جزءا من حريته لصالح الخوارزميات التي باتت تفهم انفعالاته، مضيفا أن التفاعل في الفضاء الرقمي صار مشروطا بالتنازل الطوعي عن الخصوصية، بل وبتعميق الرقابة الذاتية لبناء صورة رقمية مثالية. وأشار بولعيش إلى أن العالم السيبراني تحول إلى فضاء لإنتاج السلطة والمعنى، معتبرا أن الانعزال الاجتماعي لفائدة المشاطرة الرقمية ينتج رموزا مجتمعية جديدة تبتعد تدريجيا عن التراث الثقافي والهوية الجمعية. من جهته، أكد عبد المالك سعود، العضو المؤسس لصالون طنجة الثقافي، أن هذه الندوة تشكل الحلقة الأولى من سلسلة لقاءات مبرمجة خلال سنة 2025، موضحا أن اختيار موضوع الرقمنة جاء لما يطرحه من أسئلة راهنة تمس الحياة اليومية في عمقها. وأضاف سعود، وهو مهندس إعلاميات سابق، أن المجتمع الذي كان يقوم على رموز حميمية وعلاقات إنسانية دافئة، صار يتراجع أمام عالم رقمي تختزله لغة ثنائية بسيطة: 0 و1.