خلال التعديل الحكومي الأخير، استبشرنا خيرا بتعيين أمل الفلاح السغروشني خلفا لغيثة مزور في وزارة التحول الرقمي والإصلاح الإداري. وبعد اطلاعي على السيرة الذاتية للوزيرة الجديدة، كتبتُ مقالا حول القيمة المضافة التي يمكن للسيدة الوزيرة تحقيقها بحكم تخصصها في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، وكفاءتها في مجال الرقمنة. فالسيدة السغروشني ليست وزيرة في حكومة أخنوش وحسب، وإنما هي قائدة قطار التحول الرقمي في المغرب. وهو القطار الذي تعول عليه البلاد لخلق مغرب آخر بعد مونديال 2030، مغرب النمو والتقدم والحضارة. فمن أهم المهام المسندة لوزارة التحول الرقمي وإصلاح الإدارة، مواكبة المشروع الكبير للمملكة المغربية في التحول الرقمي ودخول البلاد عالم الرقمنة، كأحد الخيارات الاستراتيجية التي أكد عليها النموذج التنموي الجديد. السيرة الذاتية للرئيسة التنفيذية سابقا للمركز الدولي للذكاء الاصطناعي بالمغرب، والأستاذة الجامعية بكلية العلوم والهندسة بجامعة السربون، جعلتنا نعتقد أنها ستنجح فيما فشلت فيه الوزيرة السابقة غيثة مزور. أول مبدأ في الرقمنة هو محاربة الملفات الورقية وتعويضها بملفات رقمية يتم تخزينها إلكترونيا. عملية من شأنها إصلاح الكثير من الأعطاب التي تعاني منها الإدارة، على رأسها غياب تحديد المدة الزمنية في معالجة الملفات وطلبات المرتفقين. فالجواب في غضون أسبوع أو شهر سيان في إدارتنا المغربية "غير الله ارزق الصحة والسلامة، كلشي كيف كيف". ثاني مبدأ في التحول الرقمي، هو اعتماد منصات رقمية لتجميع المعطيات وتيسير الإجراءات الإدارية للموظف كما للمرتفق. تعميم هذه المنصات على جميع الإدارات، من شأنها تقليص الزمن التنموي في إصلاح الإدارة. وإذا علمنا أن الإدارة هي من أهم المعيقات لتحقيق التنمية، ندرك أهمية الوزارة التي تترأسها الدكتورة السغروشني، وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها. ثالث مبدأ يقوم عليه التحول الرقمي هو إمكانية الاشتغال من أي بقعة في الأرض، وإلغاء مفهوم المسافة والبعد الجغرافي. فالمواطن يصير بإمكانه طلب وثائقه وتتبع ملفاته من منزله وفي أي وقت. رابع مبدأ في التحول الرقمي وهو الأهم، يكمن في الشفافية المصاحبة لمشاريع التحول الرقمي. فتعميم الرقمنة، من شأنه تكريس الشفافية في المعاملات، وهو ما من شأنه أن يجعل بلدنا قادرا على معالجة إحدى أخطر التحديات أمام طفرته التنموية. الوزيرة الشغروشني، عمليا هي شخصية تكنوقراطية، وهو البروفايل المناسب لهذا المنصب الحساس لأنه من المفروض أن يؤسس لمغرب آخر متقدم نام ومزدهر. وتحقيق هذا الهدف، يتطلب شخصية بدون حسابات حزبية أو سياسية، تُنفذ مشاريعها بصرامة، وتفرض سلطة الوزارة على جميع الإدارات. كنا نأمل أن تكون وزارة السيدة السغروشني في مقدمة الوزارات، تتمتع بقوة اقتراحية، تُقابلها جرأة وشجاعة كبيرة في التنزيل. فالمتشبع بروح التحول الرقمي، يهتم كثيرا بالوقت ويعطي قيمة كبيرة لزمن التنزيل وتطبيق المشاريع. وهذه من أكبر المعضلات التي تُعيق التحول الرقمي في بلادنا، وأكبر عقبة أمام الزيادة في وثيرة سرعة قطار التنمية. بعد مُضي أكثر من نصف سنة على تنصيب الوزيرة السغروشني لتعويض الزمن الضائع في عهد سابقتها غيثة مزور، بدأنا نرى وزيرة التحول الرقمي تلحقها عدوى الوزراء الحزبيين، وتتخلى شيئا فشيئا عن تخصصها في الرقمنة وصفتها التكنوقراطية. فبدل الانخراط في إطلاق مشاريع جدية للدفع ببلادنا في عالم التحول الرقمي، صرنا نرى السيدة الوزيرة تدشن وتتحدث عن المنجزات وكأننا في حملة انتخابية، بعيدا عن روح الرقمنة ووجدان التحول الرقمي. والأكثر من ذلك، هو انخراطها في المخططات السياسية للسيد رئيس الحكومة، الذي يحدد لها الأنشطة التي تشارك فيها، ويمنعها من حضور أنشطة لأن الحزب الحاكم له حساباته الخاصة. وهو عمل بعيد كل البعد، عن دور وزارة مهمتها التحول الرقمي والإصلاح الإداري. وزارة تعول عليها البلاد لتسريع وثيرة التنمية. لا وألف لا السيدة الوزيرة...التحول الرقمي هو مشروع وطني، وفرصة من ذهب، للبلدان التي تعرف كيف تستفيد من هذه الفرصة وتجعل منها رافعة لتحقيق طفرتها التنموية وإقلاعها الاقتصادي. ونريد لمغربنا أن يكون من بين البلدان التي تعرف كيف تستفيد من الفرص التي تتيحها الرقمنة. خبراء التحول الرقمي يدقون ناقوس الخطر بسبب التأخر الكبير لبلدنا في مجال التحول الرقمي. فهل تعي جيدا السيدة الوزيرة هذه الحقيقة؟ يكفي أن نشير إلى أن دول ناشئة كرواندا مثلا في إفريقيا، تمكنت في ظرف وجيز من التأهيل الرقمي لمعظم إداراتها، وأصبح بإمكان المستثمر إحداث شركة أو مقاولة في هذا البلد الإفريقي الذي عرف أكبر حرب أهلية للتطهير العرقي، عبر منصة رقمية وفي أقل من ساعتين. فهل المملكة المغربية تستطيع إنشاء منصة رقمية لتمكين المستثمرين من إحداث شركة في ساعتين؟ الجواب هو لا. والسبب هو بُعد الإدارة عن الرقمنة وتأخر البلاد في مشروع التحول الرقمي. وزارة التحول الرقمي والإصلاح الإداري، تحتاج لمتخصص يحترم تخصصه، وليس لسياسي غارق في حساباته الحزبية. نحن نتحدث عن مستقبل وطن، وليس مستقبل حزب. سعيد الغماز-كاتب وباحث في الذكاء الاصطناعي