بدأ انتحار الزوجات يتصدر صفحات الجرائد دون كبير اكتراث لهذه الحوادث التي يعتقد البعض أنها مجرد حالات عرضية غير قابلة للتكرار. لكنها مع ذلك تتكرر، ليراود شبحها عدد من النساء اللواتي لم يخفين رغبتهن في الإقدام على هذه الخطوة وفقا لما كشف عنه التقرير السنوي الثالث، الصادر عن المرصد المغربي للعنف ضد النساء في نونبر، 2011 والذي ذكر أن 166 امرأة ممن زرن المركز يفكرن في الانتحار هربا مما يعتبرنه أوضاعا غير قابلة للتغيير. كانت الاحصائيات منطلقا للإصغاء لهذه الأصوات داخل الجمعيات، وحتى خارجها حيث تتردد الحكايات بعيدا عن مراكز الإستماع. فاطمة واحدة من الأصوات المغلوبة على أمرها التي تتمكن من شق طريقها نحو مسامعك كرها لا طوعا، داخل أماكن عمومية دون مراعاة “لترف الخصوصية”. لم تتردد فاطمة لحظة في ذكر تفاصيل معاناتها التي طمست تقاسيم وجهها الأبيض، ليتحول محيط عينيها وأنفها إلى بقع حمراء، تفضح المزيد مما لم ترغب هي نفسها في ستره، «بعت ماء وجهي، صبرت لشتى أنواع التنكيل، قاطعت عائلتي... لكن كل شيء انتهى الآن... سأشنق نفسي». اختلطت عبارات تمني الموت بدموع فاطمة التي أحست بالضياع بعد صدور حكم بحق ابنها القاصر المتهم بالسرقة. كان عزاء فاطمة كبيرا في ابنها البكر من أجل انتشالها من جحيم الزوج الإتكالي الذي أرغمها على العمل ليتفرغ إلى نزواته التي وجدت نفسها مجبرة على “تمويلها” رغما عنها. «أضع بين يديه كل درهم أجنيه حتى أحمي أبنائي من غضبه وكلماته الخادشة التي لا تراعي حرمة علاقته بأبنائه». كشف استرسال فاطمة في الكلام أن حديثها عن شنق نفسها لم يكن مجرد عبارات كبيرة تخفف من احتقانها النفسي، «أضع حبلا داخل المطبخ.. ألمسه كل يوم بين يدي واستغفر الله مما أفكر فيه... لكن أنا علي يقين بأن الله لا يحب الظلم». يقين يرجح كفة الرحيل هربا من المشاكل التي تتراكم يوما بعد يوم، وكأنها تعلن التحدي اختبارا لمدى قدرة فاطمة على التحمل. «اضطررت للعمل، تحملت الضرب والتنكيل، جرحت كرامتي وأنا أسمع قصص خيانته تزامنا مع تهديدات صاحب البيت بطردنا إلى الشارع» تقول فاطمة التي وجدت نفسها أمام أبواب موصدة، ليصبح الموت الخلاص الأخير. «دعيت الله باش يديه، حطيت ليه العجب في الماكلة ولكن الله مابغاش يشوف من جيهتي»، تقول فاطمة التي شعرت بالمزيد من الغبن بعد صدور حكم في حق ابنها الذي اختار حياة الشارع هربا من جحيم الأب. نهاية الإبن داخل السجن بعد أن كان تلميذا متفوقا، جعل الأم تشعر بالمزيد من الضياع، وتفكر جديا في وضع حد لحياتها. «الموت أرحم من تعذيبه» تجاوز الأمر مسألة التفكير إلى المحاولة الفاشلة كما هو الحال بالنسبة للمرأة الخمسينية، أو “النصرانية” كما تنادي نفسها في إشارة إلى ملامحها الأروبية، «كانوا كيعيطو لي غير النصرانية، ولكن خرجت على راسي نهار تزوجت بواحد معصب»، تقول الخمسينية المتحسرة على جمالها الغابر. «لم يكن أنفي مشوها في السابق لكنه تعرض للكسر على يد زوجي»، تضيف الزوجة التي لم ينج جبينها وفكها من حمل آثار إصابات أخرى ناتجة عن اعتداءات الزوج العصبي. ولد الاعتداء المتكرر على الزوجة خوفا نتج عنه العديد من السلوكات الغير طبيعية، «أشعر بالرعب بمجرد اقترابه، كما أنني أصبحت عاجزة عن النوم بطريقة طبيعية بسبب خوفي من التعرض للضرب، لأنه عادة ما يقوم بركلي وأنا نائمة بدل المناداة علي». تصف “النصرانية” طرق زوجها المجردة من الإنسانية، مما أدخلها في نوبة من الخوف الذي تعاني منه العديد من الزوجات ممن يعشن اضطرابات نفسية، والبالغ عددهن 2968 سيدة وفقا للتقرير الصادر عن المرصد المغربي. تجاوز الأذى طاقة السيدة الخمسينية. بدأت تفكر في الانتحار للتخلص من الخوف وحالة اللاإستقرار التي تعيشها، غير أن المحاولة كانت فاشلة بعد أن عملت على ارتداء جلبابها وطرق باب جارتها طلبا للنجدة، «شعرت بالخوف، ولم أستطع تحمل الألم، لذا طلبت من الجيران نقلي إلى المستشفى»، تقول السيدة التي يبدو كلامها متناقضا وهي تهدد بالإنتحار حينا، وبين الإعلان عن تخوفها من الخطوة حينا آخر. تصمت السيدة لثوان، لتسترسل في الحديث في انتظار دورها في “الشكوى” داخل إحدى الجمعيات النسائية المتواجدة بضواحي الدارالبيضاء. تتقاسم مع النساء مشاكلهن، كأنها ترى في مصائب الأخريات عزاء لها. تقابل نصيحتهن لها بعدم تكرار التجربة بعبارات تطبعها السخرية، لتخبرهن أنها تتمنى الإنتحار بطريقة آمنة لا تدفعها للإحساس بالألم. «قد تتغير الظروف مستقبلا»، تقول احدى السيدات محاولة بعث الأمل في الزوجة المحبطة التي تصر على أن الغد سيكون أكثر سوداوية، «أفضل الرحيل في هذا السن على الانتظار.. لا يوجد لدي ابن أستند عليه مستقبلا، واعتداءات زوجي تستنزف صحتي يوما بعد يوما... أدعو الله أن يأخذ روحي نائمة ويخلصني من هذا العذاب بدل أن أنتحر وألقاه عاصية». «سأنتحر هربا من الشماتة» «تخيفني نظرتها إلى القطار»، تقول نادية أثناء حديثها عن والدتها التي فقدت توازنها النفسي بعد أن وجدت نفسها ضرة لخادمتها. امتد ارتباك الأم نحو أبنائها وعائلتها التي أصبحت تتخوف من تلقي نبأ انتحار الوالدة في أي لحظة. على عكس النساء اللواتي يعبرن صراحة عن رغبتهن في الرحيل هربا من المشاكل، اختارت صفية الصمت والعزلة، “بعد أن كانت إنسانة مرحة” كما تصفها ابنتها نادية التي تشعر بالأسى لحال والدتها، ولحالها كابنة تعاني من فراغ الأب الذي اختار حياة جديدة رفقة الخادمة، بمجرد خروجه من ضائقته المالية، التي ما كان أبدا ليتجاوزها دون مساعدة زوجته الأولى. «أصيبت والدتي بانهيار، وامتنعت عن محادثتنا مكتفية بالكلام منفردة داخل غرفتها، دون أن نتمكن من معرفة ما تفكر فيه»، تقول نادية التي فوجئت بشقيقها الأكبر يدخل في نوبة بكاء وهو يصطحب والدته نحو البيت بعد أن كانت قاب قوسين أو أدني من إنهاء حياتها، «لم أتخيل يوما أن والدتي ستفكر في وضع حد لحياتها من خلال اعتراض طريق القطار، ولولا تنبيه أحد أبناء الجيران الذي أشار لشقيقي أن والدتي تسير نحو القطار بطريقة غريبة، لانتهت الأمور بطريقة مأساوية»، تقول نادية التي اختارت رفقة أشقائها تضييق الخناق على والدتها خوفا تكرار الحادث. ترى نادية أن تخوفها على والدتها يزداد كل يوم، «لقد خرجت عن صمتها بعد حادثة القطار، لذا لا تتوانى عن المجاهرة الآن برغبتها في الموت.. تهدد بحرق نفسها، أو بالقفز من سطح المنزل. أشعر برعب حقيقي عندما أتخيل أن نهاية والدتي قد تكون بهذا الشكل». تقول نادية التي أصبحت تعاني بدورها من القلق والأرق، والكثير من الشك مخافة أن يتحول أي شيء داخل المنزل إلى أداة تنهي بها الأم حياتها... سكينة بنزين