مباحثات تجمع بنعليلو برئيس "الأنتربول"    إسلام آباد.. ولد الرشيد يجري مباحثات مع عدد من رؤساء وفود البرلمانات الوطنية المشاركين في مؤتمر البرلمانات الدولي    وزير الفلاحة يتفقد مشاريع "الجيل الأخضر" بالجديدة وبنسليمان    بعد القرار 2797.. تغييرات إدارية في بعثة "المينورسو" تمهد لمرحلة جديدة من الإصلاح    المنهجية ‬التشاركية ‬الاستشرافية ‬تنبثق ‬عن ‬الرؤية ‬الملكية ‬الحكيمة    انتعاش مؤشرات بورصة الدار البيضاء    مجلس ‬المنافسة ‬ومندوبية ‬التخطيط ‬يستعدان ‬لوضع ‬النقط ‬على ‬الحروف الكشف ‬عن ‬جشع ‬الوسطاء ‬والمضاربات ‬غير ‬المشروعة    إعلام إسرائيل يعلن عودة الرحلات مع المغرب.. ومصدر: "لارام" غير معنية    موريتانيا تُحرج البوليساريو وترفض الانجرار وراء أوهام الانفصال    قمة المناخ 30.. البرازيل تقرر تمديد المحادثات بشأن قضايا خلافية شائكة    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    منخفض "كلوديا" يعيد التساقطات إلى المغرب بعد أسابيع من الانتظار    إسرائيل تشن غارات في جنوب لبنان    الكونغرس يقرّ إنهاء الإغلاق الحكومي    تراجع أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    افتتاح مركز دار المقاول بمدينة الرشيدية    بالصور .. باحثون يكتشفون سحلية مفترسة عاشت قبل 240 مليون عام    المديرية الإقليمية للشركة الجهوية متعددة الخدمات ابن مسيك سيدي عثمان مولاي رشيد سباتة .. تدخلات متواصلة لصيانة و تنظيف شبكة التطهير السائل    كيوسك الخميس | المغرب يضاعف إنتاج محطات تحلية المياه عشر مرات    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    تقرير دولي يرصد ارتفاعاً في مؤشر الجريمة المنظمة بالمغرب مقابل تحسن محدود في "المرونة المؤسسية"    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    ديمقراطيون يكشفون عن رسائل مسرّبة تكشف اطلاع ترامب على فضائح إبستين الجنسية قبل تفجّرها    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    إعادة رسم قواعد اللعبة السياسية من خلال الضبط الصارم وتشديد الرقابة الرقمية وتوسيع دائرة العقوبات    تفكيك شبكة إجرامية تهرّب الحشيش من المغرب إلى إسبانيا بواسطة طائرات مسيّرة    بعد ضغط أوربي... تبون يعفو عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال    عامل إقليم الحسيمة يترأس لقاء تشاورياً حول برامج التنمية الترابية المندمجة (فيديو)    بنكيران يدعو لدعم إمام مغربي حُكم بالسجن 15 عاما في قضية "صامويل باتي"    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    الحكم الذاتي: من الإقناع إلى التفاوض إلى التطبيق ..    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    عجز في الميزانية يقدر ب55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم (خزينة المملكة)    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    ليلة الذبح العظيم..    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقوبة والإبتلاء في الدنيا
نشر في أخبارنا يوم 12 - 06 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ اللهَ يبتلي المؤمنَ بالمصائب والشدائد والبلايا في الدنيا إمّا عقاباً له على ذنوبِه وخطاياه، قال تعالى (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) (النساء: 123)، وقال تعالى (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ) (النساء: 79). فتكفرُ المصيبةُ عن المؤمن ذَنبَه وخطيئتَهُ كما أنَّهُ إقامةُ الحدِ على المحدود في الدنيا كفارةً لذنبه. وفي الحديث ( لما نزلت : مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ( النساء : 123 ) بلغتْ من المسلمين مبلغًا شديدًا . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " قارِبوا وسدِّدوا . ففي كلِّ ما يصابُ به المسلمُ كفارةٌ . حتى النكبةِ ينكبُها ، أو الشوكةَ يشاكُها " . قال مسلمٌ : هو عمرُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ مُحيصنٍ ، من أهلِ مكةَ) ( الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2574 خلاصة حكم المحدث: صحيح). وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ما مِن مصيبةٍ تصيبُ المسلِمَ إلَّا كفَّرَ اللَّهُ بِها عنهُ ، حتَّى الشَّوكةِ يُشاكُها) ( الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:5640 خلاصة حكم المحدث: صحيح). وعنه عليه الصلاة والسلام قال: ( ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ.) ( الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5641 خلاصة حكم المحدث: صحيح ) والنصب: التعب. والوصب: المرض.
وإمّا إبتلاءاً وإمتحاناً للمؤمن ليرفعَ اللهُ درجتَهُ في الجنة إذا سَلّمَ لمشيئة الله فيما أراد فَرَضي بإبتلاء اللهِ له وصَبرَ عليه، قال تعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (العنكبوت: 2-3)، و قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ* وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ) (العنكبوت: 10-11)، وقال تعالى (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: 35). وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إنَّ عِظمَ الجزاءِ معَ عظمِ البلاءِ و إنّ اللَّه إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم فمن رضِيَ فله الرِّضا و من سخِطَ فلَهُ السُّخطُ.) ( الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم:146 خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن )، وعنه عليه الصلاة والسلام قال: (عَجَبًا للمؤمنِ ! إنْ أصابه خَيْرٌ حَمِدَ اللهَ وأَثنَى عليه وشَكَر ، وإنْ أصابَتْه مُصيبةٌ ؛ حَمِدَ اللهَ وصَبَرَ ، فالمؤمنُ يُؤجَرُ في كُلِّ أمرِه ، حتى في اللُّقمةِ يرفعُها إلى فِي امْرَأَتِه.) ( الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم : 1674 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح).
فإذا كانت المصائب والشدائد عقاباً، فالأصلُ في عقاب اللهِ لعبادهِ المؤمنين هو الرحمة بهم لأن عذابَ الدنيا أخفُ بكثيرٍ من عذاب الآخرة، قال تعالى (وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ)(طه: 127). فمن يعاقبهُ اللهُ عزوجل في الدنيا على ذنوبه بالمصائب والشدائد والضراء كي يُكفر عنه سيئاتِهِ ويمحوها؛ خيرٌ له من أن يُعاقب بها في الآخرة في جهنم. وكذلك لأنَّ عقابَ اللهِ له بالمصائب والشدائد في الدنيا يُكفر عنه سيئاته وذنوبه فيحفظ حسناته من النقصان وبالتالي يفوز بالدرجات العلى في الجنة إن شاء الله تعالى. وذلك لأن الحسناتُ يمحون السيئات، قال تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (هود: 114)، وعنه عليه الصلاة والسلام قال: (اتَّقِ اللهَ حيثُ كنتَ وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ) ( الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: ابن العربي - المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم:4/349 خلاصة حكم المحدث: صحيح) ما يعني أن الحسناتِ يَنقُصن بمحو السيئات، فينقصُ من الحسنات مقدارُ عددَ السيئاتِ، لأنَّ كُلَّ سيئةٍ تأخذُ حسنةً مقابلها كي تمحوها. ومثالُ ذلك رجلٌ كسب عشرين ألف درهماً وعليه دينٌ بخمسةِ آلاف درهمٍ، فما يملكُ هو خمسة عشر ألف درهماً وليس عشرين ألف درهماً لأنَّ خمسة آلاف درهماً من هذه العشرين سوف تذهب لسدادِ الدين فيتبقى له خمسةُ عشر ألف درهماً. ما يفيدُ أنَّ المؤمنَ تنقص درجته في الجنة لذهاب جزءٌ منها في محو سيئاته، أمّا إذا عاقبه اللهُ بالمصائب والبلايا في الدنيا ليُكفر عنه سيئاته فإن ذلك سوف يحفظ حسناته في الآخرة من النقصان وبالتالي لا تنقص درجتُهُ في الجنة، وهذا من رحمة الله الرحمن الرحيم بعبده. ومن عدلهِ سبحانه وتعالى في معاقبةِ عبدهِ أن لا يُعاقبَهُ بعقوبةٍ أشدُ من العقوبة التي يستحقها على ذنبهِ سواءٌ في الدنيا أو في الآخرة لأنَّ اللهَ يعدلُ مع عباده ولا يَظلمُهم، مع العلمِ بأنَّه مهما أصابَ المؤمنَ من مصيبةٍ وبلاءٍ في الدنيا فإنَّه هينٌ عند الله عزوجل لأنَّ الدنيا كُلَها لا تساوي وزناً عنده سبحانه وتعالى فهي حقيرة صغيرة دنيئة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ.) ( الراوي: سهل بن سعد الساعدي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2320 خلاصة حكم المحدث : صحيح.). وكذلك من رحمته عزوجل أن يعفو عن ذنب عبده مع عدم توبته منه، لقوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (الشورى: 30)، ولقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء: 48)، وأن يعفو عن ذنب عبده عند توبته وإستغفاره اللهَ عزوجل منه، قال تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) (الزمر: 53-54). ومن رحمته سبحانه وتعالى أن يُخففَ عقوبةَ الذنبِ عن عبده، لأنَّه إذا كان اللهُ يعفو عن الذنب كُلِه فإنه مؤكدٌ أنَّ اللهَ يرحمُ عبدَهُ برحمةٍ أخفُ من رحمة العفو عن الذنبِ بتخفيف العقابِ عليه إن شاء الله تعالى ذلك.
أمّا إذا كانت المصائب والشدائد إبتلاءاً للعبد وإمتحاناً له، فالله العليم الحكيم يبتلي عبدَهُ بها ليرفعَ منزلتَهُ ومكانتَه عنده عزوجل في الدنيا بأن يتخذه سبحانه وتعالى ولياً له وفي الآخرة بأن يرفعَ درجتَه في الجنة ويجعله من المقربين على قدر عِظَمِ البلاء والإمتحان له في الدنيا. لأنَّ من يُسلِّم لمشيئة الله وإرادته وحُكمه عزوجل بما ابتلاه من مصائبٍ وشدائدٍ فإنَّه يختارُ أن يكون عبداً لله عزوجل طواعيةً بإنقياده وخضوعه وإستسلامه لأمر اللهِ وحُكمهِ. فإمتحانُ وإبتلاءُ اللهِ للعبدِ علامةٌ على حُبِ اللهِ لعبدهِ لأنه إذا أحبَ اللهُ قوما ابتلاهم لكي يظهروا له سبحانه وتعالى أنَّ حُبَهم له وإيمانهم به عزوجل ليس على منفعةٍ وإنَّما على تصديقٍ ويقينٍ وإتباعٍ. والدار الدنيا هي دار إبتلاءٍ وإمتحانٍ وليست دار نعيمٍ ورخاءٍ فالعبدُ خُلقَ فيها لكي يمتحنه اللهُ ويبتليَهُ في عبادته له سبحانه وتعالى. فالعبادةُ لله عزوجل هي في أساسها تضحيةٌ لطلب رضوان اللهِ عزوجل، فالعبد المؤمن يُجهِدُ بدنَهُ في الصلاةِ والصيام ويُنفق ماله في الزكاة والصدقاتِ ويُضحي بنفسه في القتالِ في سبيل الله ويُفني عُمرَهُ ووقتَهُ في السعي في طاعةِ الله طلباً لهدفٍ ساميٍ وعالٍ وهو نيل رضوان اللهِ عزوجل. ولِذلكَ من الحماقةِ و الجهالةِ عبادةُ اللهِ رياءاً ونفاقاً طلباً لإرضاء النفسِ لأن عبادةَ اللهُ تقتضي بذلَ الجهدِ وإنفاقَ المالِ والتضحية بالنفسِ وهذا كله يشقُ على النفسِ فكيف يستقيمُ أن يُضيِّقَ المراءِ والمنافق على نفسه كي يرضي نفسه؟!!!. ما يفيد أنَّ العبادةَ يجب أن تكون خالصةً لله عزوجل طلباً لرضوانه ورحمته سبحانه وتعالى لأنَّ العبادةَ تضحيةٌ براحة وبعافيةِ البدنِ وبالمالِ وبالنفسِ والتضحيةُ لا تضيعُ عند من يُثمنها ويُكافئُ عليها. فاللهُ الغني العزيز الكريم يكافئُ ويجازي عبدَهُ بالثواب وبالأجر العظيم على ذلكَ فيُنعِمُ سبحانه و تعالى على عبده بالسعادة الحقيقية وبالنعيم الحقيقي وبالطمأنينة والراحة الأبدية في جنات الخلود ثواباً له على إخلاصه لله تعالى وعلى إختياره وإقباله على بذلِ ما أتاه الله في الدنيا من نفسٍ ومالٍ في سبيل مرضاتِ الله.
وقد يجمعُ اللهُ سبحانه وتعالى العقابَ والثوابَ في المصائبِ والشدائدِ التي يبتلي اللهُ عبدَهُ بها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال ( : ما من مسلمٍ يشاكُ شوكةً فما فوقَها ، إلا كُتبتْ له بها درجةٌ ، ومُحيَتْ عنه بها خطيئةٌ) . ( الراوي: الأسود بن يزيد المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2572 خلاصة حكم المحدث: صحيح). وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( صُداعُ المؤمنِ وشوْكةٌ يُشاكُها ، أو شيءٌ يُؤذيه يرفعُه اللهُ بها يومَ القيامةِ درجةً ، ويُكفِّرُ عنه بها ذنوبَه) ( الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم:4/233 خلاصة حكم المحدث: رواته ثقات). ويكون ذلكَ بإبتلاءِ اللهِ لعبدهِ بمصيبةٍ أشدَ من الجزاءِ والعقابِ الذي يستحقهُ على ذنبهِ، والله وحدهُ أعلمُ بالعقوبة وبالجزاءِ الذي يستحقهُ العاصي على ذنبه. فيكون جزءٌ من المصيبةِ كفارةً له عن ذنبه والجزءُ الآخرُ يرفعهُ اللهُ به درجاتٍ في الآخرة.
وفي كلا الحالتين يجبُ على المسلمِ أن يُذعن ويخضعَ لقضاء اللهِ وقدرهِ خيره وشره سواءٌ إعتقد أنَّه عقوبةً له على ذنوبه أو إعتقد أنَّه إمتحانٌ له يرفعه اللهُ به درجاتٍ عنده سبحانه و تعالى. لأنَّ الإيمانُ بالقضاء والقدر هو من أركانِ الإيمانِ الستة التي يجب الإيمانُ والتسليمُ بها، فالإيمانُ بالشيء لُغةً هو التصديقُ به، والقضاء والقدر اصطلاحاً هو مشيئةُ وإرادةُ اللهِ وحُكمُهُ المبرمُ النافذُ في خلقه وعباده الذي لا يتبدلُ ولا يتغيرُ. فسبحانه وتعالى قدر وكتب مقادير الأشياء كُلها قبل خلق الإنسان والكون وفقاً لمشيئتِه وإرادتِه وحِكمتِه سبحانه و تعالى في إبتلاء وإمتحان الإنسان في عبادة الله عزوجل بالغيب في الدار الدنيا، قال تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) (الحديد: 22 )، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (قدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السمواتِ والأرضَ بخمسين ألفَ سنةٍ وكانَ عرشُه على الماءِ) ( الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: ابن تيمية - المصدر: مجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 18/219 خلاصة حكم المحدث: صحيح). إذاً الإيمان بالقضاء والقدر يعني التصديقُ بحُكم اللهِ عزوجل والمحكوم عليه لا يصدقُ بالحُكمِ إلا إذا رضي به أمّا من لا يرضى بالحُكمِ فإنّهُ يُكذبه ويُنكره. ومثالُ ذلك ولله عزوجل المثلُ الأعلى المُتحاكم إلى القاضي الذي يُصدقُ حُكمَهُ إذا رضي به ويُكذبه ولا يُذعن إليه إذا لم يرضى به. ما يفيدُ أنَّ المؤمنَ يجبُ عليه الرضى بالقضاء والقدر خيره وشره لأنه آمن وصدق به كركنٌ من أركان الإيمانِ الستةِ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.