العنف بشكل عام ظاهرة انسانية، لا يستتنى منها أي مجتمع مهما يكن انتماءه الجغرافي وطبيعة ثقافته ووضعه الاقتصادي، ولهذا فإن سلوك العنف بالوسط المدرسي ، الذي نحن بصدمبني على تراكمات وارتباطات وثيقة ، سنحاول من خلال هذا المقال تسليط الأضواء الكاشفة لهذه الظاهرة ، بالمشهد التعليمي المغربي ، متوقفين على الاسئلة التالية : ما العنف ؟ من المتسبب في استفحال هذه الظاهرة بالاوساط التربوية ؟ وما حجم هذه الظاهرة ببلادنا ؟ وعلى من تقع المسؤولية؟ ارتباطا بالأسئلة السالفة الذكر سنستهل بالحديث عن تعريف للعنف ، محاولين فهم خصوصية العنف بالوسط المدرسي ، و نظرا لتشعب هذا المفهوم يمكن الاكتفاء بهذا التعريفه الذي يفيد بأن العنف كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الاذى، بالآخرين وبالذات كذلك، قد يكون جسميا أو نفيسا ؛ ومن جهة أخرى نجد العنف في المدارس ظاهرة ذات الطابع العالمي ، لا تقتصر على مجتمع معين دون الاخر ، ولا ترتبط بغنى أو فقر أو قوه وضعف أوتقدم وتخلف ، فهي تبقى في آخر المطاف سلوكا انسانيا ، لا يمكن الجزم له في أسباب معينة ، ولا نمودج معين ، فكل مجتمع يتمظهر فيه العنف المدرسي بطريقة معينة ، فالاختلاف يمس الحدة ، لتداخل عوامل بيئية واجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها ، سنحاول التفصيل في بعض العوامل فيما بعد. وفي التعريف السيكولوجي للعنف للدكتور ادريس بحوت المفتش التربوي والباحث في علوم التربية والتواصل ، فالعنف سلوك يصدر من الفرد في حالات معينة (حالة الغضب مثلا ) بسبب اضطربات باطنية تفقده التوازن النفسي والعقلي والعصبي ،أي اضطربات هرمونية وعصبية، مما يؤدي الى اللاتوازن النفسي لدى الفرد وبالتالي يجد نفسه مدفوعا إلى ترجمة هذه التوثرات النفسية عن طريق إلحاق الأذى بذاته والآخر، او المحيط الذي يعيش فيه ويكون إما افعالا أو اقوالا .وبالتالي فالعنف المدرسي سلوك لا تربوي ، لكن لا يمكن أن نحصره في حجرة الدرس،لكونه يكتنف عناصر مركبة عميقة وفي غاية من التعقيد. ويشكل الوقوف على اسباب استفحال هذه الظاهرة بمثابة عنصر مهم لفهم وتدارس عمقها والكشف عن تعقيدتها ، فبالرغم من التشعب في الدراسات والمقاربات التي تناولت هذه الاسباب فالغاية واحدة ، سنحاول التطرق لبعض منها والتي لها حضور الآني وبإيجاز ،نستهلها بالوسط الأسري بحيث نجد الاسرة تشمر عن ساعديها لتهيئة أبنائها لسنة دراسية جديدة تحمل معها امالا وطموحات ، لكن من وجهتي نظري فإن التهييء الحقيقي يكون داخل الاسرة أساسه التواصل والانصات ، غير هذا فإن المسألة يشوبها النقص تكون لها تابيعات تظهر في تموقعات أخرى ، كما للوضعية الاقتصادية تأثير مركزي ولكن في غالب الاحيان تشوبه تأويلات تخدم اهداف ونوايا معينة ، إضافة التراجع الذي أصاب السلطة الرمزية للمدرس حيث أضحى المتعلم ينظر للمعلومات التي يقدمها المدرس قد تقادمت ،ولكن ليس من باب التعميم فهناك استتناءات تواكب وتجدد رصيدها المعرفي ،بالإضافة إلى بعض التحليلات والتفنن الخطابات التي تصاغ في المادة الاعلامية السطحية المقتصرة على معطيات احصائية، وصور هدفها استتارة مشاعر وعواطف المتلقي ، ومن المؤسف كذلك أن حدث من هذا النوع يشكل مادة اعلامية دسمة للإعلام برمته، فنجده يبدع في اختيار الصور والعناوين تضع المدرس في مقام الضعف الشيءالذي يفقده رمزيته ومكانته مجتمعيا ، لهدف الترويج لمنبره الاعلامي ، والاسباب كثيرة وعديدة كما اشارت له سابقا. وفيما يخص حجم العنف المدرسي ببلادنا ، فإن نسبة 66% من حالات العنف المدرسي تقع داخل المؤسسات التعليمية و 34% منها تحدث في محيط المدارس ، كما أن أكثر من 67% من السلوكيات المنحرفة يقع بين التلاميذ انفسهم ، بينما تتوزع 23 % المتبقية بين العنف في حق الاطر التربوية من التلاميذ أو من أشخاص غرباء عن المؤسسات التعليمية. من خلال ما سبق فإن العنف المدرسي مرتبط بالممارسات اللاتربوية في الوسط المدرسي ، لذا ينبغي تبني استراتجية تربوية محكمة تتوافق السياق الإجتماعي الراهن ، تحول دون مرور التلميذ والاستاذ إلى الفعل العنيف ، فهناك عدة رافعات تخدم هذا الغرض ، في مقدمتها التربية كعنصر اساسي لبناء التلميذ وتكوين ملامحه النفسية وكسبه الثقة بالنفس وتكوين مفهوم إيجابي تجاه الذات وتجاه الآخرين ، وتهديب السلوكات داخل المدارس ،ثم لابد من تناول وتدارس هذه الاشكالات من المدخل السيكولوجي بالدرجة الاولى ، وضرورة تعميق التكوين البيداغوجي للمدرسين خصوصا الجوانب المتعلقة بالتعامل والتواصل ، وفتح فضاءات للإنصات بالمؤسسات التعليمية يشرف عليها مهنيين ، وخلق اجواء الابداع في جميع المجالات ،لتصريف طاقة العنف قبل ان تتحول إلى الفعل ، وبالتالي العمل على تجويد المنظومة التربوية ببلادنا.