مرت 37 سنة على وفاة "الملك غير المتوج"، كما سماه الضابط المحجوب الطوبجي في كتابه المثير للجدل "ضباط صاحب الجلالة". فخلال حياته وحتى بعد وفاته شغل الجنرال أحمد الدليمي الناس و ملأ الدنيا. مما لا شك فيه أن الجنرال الدليمي ساهم بقوة في انتصارات الجيش المغربي في الصحراء ضد قوات جبهة "البوليساريو" الانفصالية، وكان حاضرا في جميع المراحل التي عرفتها قضية الصحراء، بداية من التحضير للمسيرة الخضراء إلى تنفيذها في نونبر 1975، ومن التصدي لهجمات المرتزقة إلى شل جميع تحركاتهم مع بداية بناء الجدار الأمني العازل، الذي كان الدليمي أحد مهندسيه. يعد الجنرال الدليمي، ابن مدينة سيدي قاسم التي رأى فيها النور سنة 1931، من الضباط الشباب الذين بدؤوا حياتهم العسكرية في بدايات عهد الاستقلال… وبعد وفاة الجنرال أوفقير بعد فشل المحاولة الانقلابية لسنة 1972، سيتصدر اسمه واجهة الأحداث.. فصمته وكتمانه وولاؤه أهله لتولي مسؤوليات عسكرية و أمنية كبيرة، فقد كان قبل وفاته كبير الجنرالات المرافقين للملك، وهو منصب يعادل رئاسة أركان الجيش، والمستشار العسكري للملك معا. بزغ اسم أحمد الدليمي، عندما قرر الملك الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء عام 1975، بالرغم من أن الجيش المغربي حينها لم يكن مستعدا لخوض حروب طويلة الأمد مع إسبانيا التي كانت تحتل آنذاك الصحراء، فالجيش المغربي تعرض إلى تصفية كبيرة على إثر المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين في بداية السبعينيات، وتمخض عن فشل تلك المحاولتين إعدام العديد من الجنرالات وكبار الضباط واعتقال العشرات وتسريح المئات وزرع جو من عدم الثقة بين أفراد الجيش وقيادته العليا التي كانت متمثلة في الملك الراحل الحسن الثاني. ولأول مرة في التاريخ سيخوض جيش نظامي حربا طويلة الأمد بدون وزير حرب، وقيادة عسكرية عليا؛ فالتنسيق في بداية الحروب مع "البوليساريو" كان يتم مباشرة بين الملك الحسن الثاني شخصيا وبعض كبار قادة الجيش الذين كانوا يكلفون بمهام محددة في الزمان والمكان، وكان أحمد الدليمي من بين من كان ينسق معهم الملك الراحل، وكان حينها مجرد عقيد، ولم يتم بعد ترقيته إلى رتبة جنرال. وخلال فترة الحرب الأولى اشتهر اسم العقيد أحمد الدليمي كقائد ميداني للقوات المسلحة المتمركزة في الصحراء، وفي العام 1979 سيبرز اسمه من جديد بعدما انسحبت موريتانيا من منطقة واد الذهب، وفي يوم خروج القوات الموريتانية كانت أولى فيالق الجيش المغربي قد دخلت الى مدينة الداخلة ونشرت قواتها بالمناطق التي كانت القوات الموريتانية تنسحب منها. وفي عام 1980 وجدت القوات المغربية بقيادة الدليمي نفسها أمام مهمة حماية وحراسة مساحة شاسعة هي مساحة الصحراء التي تقدر بنحو 270 ألف كيلو متر مربع! كان على الجنرال الدليمي أن يغير خططه الحربية، وهكذا تقرر خروج قوات الجيش من المدن وتشكيل أحزمة أمن خارجية لحراستها، وعندما أعطت الخطة الجديدة أولى ثمارها بدأ التفكير جديا في بناء جدار أمني طويل داخل الصحراء، ويقال إن الفكرة جاءت من أجهزة مخابرات أجنبية من بينها جهاز الموساد الإسرائيلي. وهكذا بدأت حرب جديدة هي حرب بناء الجدار التي استمرت من 1980 حتى 1987، وخاضت هذه الحرب ثلاثة فيالق مدرعة هي أحد والزلاقة ولاراك، التي كان كل فيلق منها يتكون من 20 ألف رجل. وبدأ بناء أول جدار أمني عام 1980 حول محور بوجدور السمارة بوكراع، ومع نجاح تجربة الجدار بدأت القوات المسلحة الملكية المغربية في استعادة سيطرتها على أرض المعركة، وفي أوج انتصاراتها في الصحراء سيعلن عن الوفاة المفاجئة للجنرال أحمد الدليمي في حادثة سير بمراكش ما تزال ملابساتها غامضة، حدث ذلك ذات يوم من بدايات عام 1983، وتلت تلك الوفاة المفاجئة لمن كان يعتبر قائد القوات المسلحة الملكية في الصحراء إزاحة العديد من القيادات والضباط من صفوف الجيش ممن كانوا محسوبين على الدليمي، ويبقى أبرزهم الكولونيل الغجدامي و الكومندار الطوبجي. انتصارات وحروب الجنرال الدليمي في الصحراء، لا أحد ينكرها، فقد أشادت بها أطراف رسمية في الدولية، ويبقى أبرزها البلاغ الصادر عن وزارة التشريفات و القصور الملكية و الأوسمة، بتاريخ 27 يناير 1983، بعد ساعات من وفاة الجنرال في مراكش، حيث أشاد البلاغ ببطولاته في الصحراء، و اعتبر وفاته خسارة للشعب المغربي، نظرا للانتصارات التي حققها. مؤرخ المملكة في ثمانينيات القرن الماضي تحدث بدوره عن الدليمي وقال: "… الجنرال الدليمي كان ضابطا محاربا وسياسيا محنكا وملتزما بوطنيته، ويتمتع بثقة الملك، وأدى مهمته في الصحراء بكفاءة عالية وعزيمة قوية… وهذه الثقة تبلورت أحيانا في تمثيل الملك الراحل عسكريا ودبلوماسيا. فمن الناحية العسكرية حدث أن قام مقام القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبأمر منه، بتوشيح مجموعة "Palmes de Guerre" من الضباط، وضباط الصف والجنود بأعلى الأوسمة العسكرية".