مع فصل الشتاء والبرد القارس، تحل "المآسي"، التي تخلفها مادة الفحم الخشبي أو مايسمى بالفاخر، متعدد الإستعمالات للطهي تارة والتدفئة تارة، لكنه يتحول إلى قاتل صامت. تسجل في هذه الفترة من كل عام حوادث اختناق وأمراض جراء استعمال "مجمر الفاخر" للتدفة في بيوت كثيرة، ما يتسبب في إزهاق أرواح كثيرة، لم تدرك ربما أن لحظة الدفئ ستتحول إلى حزن ورحيل إلى الأبد. آخر سلسلة الحوادث في مدينة تيفلت، كانت يوم الجمعة الماضي، حين لقي شقيقان 23 و25 سنة، مصرعهما جراء تعرضهما للإختناق الناجم عن الإحتراق غير الكامل للفحم الخشبي.
إقبال كثيف
في جولة بالسوق الأسبوعي لتيفلت، تقف "الأيام 24" على حجم الإقبال الكبير على شراء الفحم الخشبي، وغالبية المستهلكين هم من فئة التجار الذين يستعملونه في "عملية الشواء" بالمطاعم والمحلات، في وقت تسجل فيه عملية البيع الخاصة بأغراض التدفئة إقبالا متوسطا.
وعن هذا يقول جمال تاجر الفاخر بالسوق الأسبوعي "الأربعاء" هناك مواطنون يقبلون على نسب قليلة من المادة، إذ لا يتعدى الكمية 10 كيلوغرام، ويظل بحسبه "الإقتناء موسمي يرتبط بفصل الشتاء أو عيد الأضحى". ويضيف أن هذه التجارة إمتهنها منذ 15 عام، تحقق له مدخولا محترما يعيل به أسرته المكونة من ستة أفراد. وعن سؤال "هل يتسبب الفاخر وحده مسؤولية الوفيات ؟"، يعتبر جمال أن الخطأ يتحمله المواطنون لأن كثيرا منهم واع بخطورته، ولكن لا يعلمون كيفية استخدامه في البيت، مشيرا إلى أن المسألة لا ترتبط بالبيع "الفاخر" في الأسواق أن "يتم حد أرزاق المهنين".
جرح لم يندمل
ياسين شاب في عقده الثالث، فقد قبل 4 سنوات والديه في حادثة اختناق في منزلهما بمدينة الخميسات، بسبب "الفحم الخشبي"، رحيل ماتزال جراحه لم تندمل بعد. يفتح ياسين قلبه ل"الأيام 24" ويحكي بمرارة عن يوم الحادث، قائلا إنه توجه إلى مدينة مكناس حيث يشتغل وترك والديه على أمل اللقاء بهم في نهاية الأسبوع، كما جرت العادة"، غير أنه بعد مغادرته ب 24 ساعة اتصل به أحد الجيران مخبرا إياه بوفاة والديه.
ومنذ ذلك الحين، ماعاد ياسين يطيق رؤية الفحم الخشبي أو استعماله منزليا، فقد خلق له هاجس يذكره برحيل والديه، الذي تسبب بحسبه في "خطفهما من هذه الحياة".
ثقافة مغيبة
قال بوعزة الخراطي رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلكين، في اتصال مع "الأيام 24" إن بلادنا تسجل حوادث اختناق كثيرة بسبب استعمال مادة "الفاخر" بشكل سيء خاصة على مستوى المدن.
وتابع الخراطي أن عوامل كثيرة تعد من الأسباب المباشرة في تكرار الحوادث، لاسيما المرتبطة بالعوامل الثقافية.
وتتجلى هذه العوامل، وفق المتحدث في "الإفتقاد إلى الطرق السليمة والصحية لتوظيف مادة الفحم الخشبي، وغياب التواصل من لدن السلطات المعنية عبر تغييب الوصلات الإشهارية للتحسيس بخطورة الإستعمال السيء للمادة".
وأوضح الخراطي أن التصاميم المنزلية، خاصة الشقق بالعمارات غير ملائم لنمط الحياة، وذلك مايفسر تسجيل وفيات جراء الإختناق في المدن أكثر من البوادي وفي مناطق الأطلس حيث البرد القارس.