يوم بيوم سؤال التطبيع نور الدين مفتاح نشر في 28 ديسمبر 2023 الساعة 13 و 23 دقيقة ألم يُهن نتنياهو الاتفاق الثلاثي! ألم يحرجنا؟ من يمكن أن يستمر في علاقات مع رئيس وزراء معتوه سياسيا يقول علانية إنه ضد حل الدولتين؟ المغرب طبع للضرورة، ولكن هل هناك عاقل يعتقد أن الدولة المغربية في جيناتها ستكون يوما ضد الحق الفلسطيني؟ صحيح أن المغرب لا يتعامل إلا مع السلطة الفلسطينية الشرعية، لكن حتى هاته السلطة داسها نتنياهو بحذائه، وقال في تصريح خطير إن محمود عباس ضعيف وإن الجيش مستعد لاحتمال القتال ضد السلطة وأجهزتها الأمنية، بل إنه قال إن حماس والسلطة الفلسطينية وجهان لعملة واحدة، والفرق في نظره هو «أن حماس تريد إبادة فورية للإسرائيليين، أما السلطة فتخطط لذلك على مراحل». نور الدين مفتاح [email protected]
تتواصل الحرب على غزة بشكل من البشاعة لم يسبق له مثيل في كل الحروب التي عرفناها، اليد الحديدية تضرب في الشمال والوسط والجنوب، والناس يحملون الجثامين في الأكفان الملطخة بالدماء على العربات المجرورة بالحمير، والجرافات تدهس الأحياء من الجرحى في ساحة مستشفى كمال عدوان، والأشلاء تتطاير والحصيلة هي أن الكلمات لم تعد تسعف والصور فوق طاقة تحمل الإنسان، والعالم يتفرج.
في هذه الأثناء، يطوف الدبلوماسيون في المنطقة بربطات عنق أنيقة وهم يوزعون الكلام الفارغ، ونخص منهم الأمريكان. وباستثناء تصريح يتيم لبايدن قال فيه إن: «على نتنياهو تغيير حكومته المتشددة بعدما باتت تل أبيب تفقد الدعم الدولي»، فإن العالم صامت. عالمنا العربي بارد يتفرج، والعالم الإسلامي يتألم ألم العاجز والغرب يصفق مع استثناءات لا حكم لها.
ولابد أن ننوه هنا بشريك المغرب الجدي السياسي اللامع بيدرو سانشييز، رئيس الحكومة الإسبانية، فقد خرق تقليدا عريقا في أن تكون أول زيارة للرئيس الجديد لمدريد هي الرباط، وذهب بعد تنصيبه مباشرة إلى تل أبيب ليس ليبارك المجزرة كما فعل أوروبيون كثيرون، ولكن ليخبر نتنياهو ومن معه أن بلاده ستعترف بداية السنة بفلسطين كدولة. هذا له مغزى عميق في ظل كل هذا التواطؤ مع البشاعة، وبالخصوص في ظل انهيار أسطورة الحل السياسي لقضية الشرق الأوسط وواسطة عقده القضية الفلسطينية.
لقد أتاحت عملية «طوفان الأقصى» لنتنياهو وحلفائه أن ينفذوا مخططا لم يكن ليسانده أحد لولا شيطنة حماس والنفخ في بعض أخطاء ما جرى في 7 أكتوبر مثل الزعم بقتل المقاومين لأربعين رضيعا وقطع رؤوسهم وهو ما فندته الأسبوع الماضي صحف إسرائيلية ودولية. أتاحت هذه العملية لنتنياهو سندا دوليا غير مسبوق، وأطلقت يده لتنفيذ مخطط الإبادة، وأعطته الجرأة لكشف مكنون تفكيره السياسي.
ولنستمع لهذه التصريحات التي أعتقد أنها أخطر ما جرى لحد الآن في تطورات حرب الإبادة على غزة: «أنا وقفت ضد أوسلو، ومنعت قيام دولة فلسطينية. أنا فخور بمنعي قيام دولة فلسطينية»! هنا بيت القصيد، إن النار التي اشتعلت كالهشيم في المنطقة لم يشعلها «طوفان الأقصى» ولكن أشعلها نتنياهو ومن معه. وها هو يعترف بأن حتى الاتفاقيات المجحفة التي وقعت عليها دولته عمل ضدها. أي عمل ضد السلام. أي أنه دفع الفلسطينيين إلى الباب المسدود في انتظار رميهم في البحر.
إن اتفاقيات أوسلو الموقعة في 1993 على عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين تنازل فيها الفلسطينيون عن 78 في المائة من الأراضي الفلسطينية التاريخية، واكتفوا بالضفة الغربية وقطاع غزة واعترفوا بالدولة الإسرائيلية، ومنها خرجت السلطة الفلسطينية كحكم ذاتي انتقالي في انتظار «مفاوضات الوضع الدائم» التي كان مقررا أن تحسم الأمور في غضون ثلاث سنوات. وها هي ثلاثون سنة تمر بالتمام والكمال دون أن تقوم للوضع الدائم قائمة. لقد سمي اتفاق أوسلو بسلام الشجعان، وقد نكثوا العهود، وها هو نتنياهو يقر أمام العالم كرئيس وزراء لسنوات طويلة بأنه كان ضد أوسلو ومازال، وهو ضد قيام دولة فلسطينية. فما هو الحل إذن؟ وماذا كان على الفلسطينيين أن يقوموا به للتخلص من ربقة الاحتلال؟ بل إن عدد الأراضي التي اقتطعت من تلك ال 22 في المائة التي رضي بها ياسر عرفات لتصبح فلسطين الحرة ظلت تقضم من طرف المستوطنين حتى تحول عددهم إلى ما يفوق المليون على أراضي الضفة، وذاق الفلسطينيون من الحصار والتجويع والقتل والاعتقال التعسفي ما لا طاقة لبشر به. ولا يمكن لإنسان أن يعجب إلا ممن يطرح السؤال الجارح حول ماذا ربحنا من «طوفان الأقصى؟» وكأن الأمر مجرد أنانيات زعماء حركات متطرفة تسببوا في قتل شعبهم وهم في المنافي آمنون!!
إن نتنياهو هو من أطلق الطوفان. هذه الحكومة المتطرفة التي وصلت نتانة تطرفها إلى حد أن بايدن كأكبر حليف لإسرائيل طالب بتعديلها، هي التي هدمت آمال السلام في الشرق الأوسط، وتمادت في المس بمشاعر ملايين المسلمين عن طريق تدنيس المسجد الأقصى، والعمل الحثيث على مشروع بناء الهيكل والقضاء على الحق الفلسطيني وعلى تعايش الديانات الثلاث في مدينة السلام.
ما قاله نتنياهو له أبعاد أخطر، فحسب علمي لم تكن اتفاقيات أبراهام التي مهدت تطبيع عدد من الدول العربية مع إسرائيل لترى الوجود لولا التزام تل أبيب بحل الدولتين، وما تفصح عنه اليوم الحكومة المتطرفة من أنها ضد قيام دولة فلسطينية هو موجب لفسخ هذه الاتفاقات.
وحتى المغرب الذي أعاد علاقاته على مستوى مكتب اتصال مع إسرائيل في إطار اتفاق ثلاثي يضم واشنطن، لم يكن ليقدم على هذه الخطوة إذا كان ثمنها هو التنكر لحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل.
ولا بد في هذا الإطار من الرجوع إلى الرسالة التي بعثها جلالة الملك محمد السادس لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد توقيع الاتفاق الثلاثي المعروف اختصارا بالتطبيع حيث أكد على «ثبات الموقف المغربي الداعم للقضية الفلسطينية، تأسيسا على حل الدولتين المتوافق عليه دوليا، وعلى التشبث بالمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بديلا وحيدا للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع».
وأضاف جلالة الملك بكلمات قوية: «إن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة، وأنه سيواصل انخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط».
ألم يُهن نتنياهو الاتفاق الثلاثي! ألم يحرجنا؟ من يمكن أن يستمر في علاقات مع رئيس وزراء معتوه سياسيا يقول علانية إنه ضد حل الدولتين؟ المغرب طبع للضرورة، ولكن هل هناك عاقل يعتقد أن الدولة المغربية في جيناتها ستكون يوما ضد الحق الفلسطيني؟ صحيح أن المغرب لا يتعامل إلا مع السلطة الفلسطينية الشرعية، لكن حتى هاته السلطة داسها نتنياهو بحذائه، وقال في تصريح خطير إن محمود عباس ضعيف وإن الجيش مستعد لاحتمال القتال ضد السلطة وأجهزتها الأمنية، بل إنه قال إن حماس والسلطة الفلسطينية وجهان لعملة واحدة، والفرق في نظره هو «أن حماس تريد إبادة فورية للإسرائيليين، أما السلطة فتخطط لذلك على مراحل».
من يمكن أن يستمر في وضع يده في يد رجل متطرف كهذا؟ لقد فقدت الحكومة الإسرائيلية عقلها، وأبسط ما يمكن أن يحدّ من هذا الجنون هو قطع التطبيع حتى تعود إسرائيل إلى ثوابت السلام. والسلام.