من قلب أوروبا صنع "الحدث التاريخي" بعد الأحداث المتتالية التي شهدتها القضية الفلسطينية بعد عملية "الطوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي، حيث قررت كل من إسبانيا وايرلندا والنرويج الاعتراف بدولة فلسطين، وذلك ابتداء من 28 ماي الجاري، حيث وضعت هذه المبادرة تل أبيب والعواصم الغربية الداعمة لها في "موقف حرج".
ورغم أن الإجماع الذي حصل على هذا الاعتراف من طرف أغلب المراقبين، على أنه بعيد عن الجانب الإنساني والسياسي، نتيجة التطورات الجيوسياسية ودفاعا عن مصالح الدول الثلاث الأوروبية، تبقى لهذه الخطوة مكتسبات رمزية هدفها فضح السردية الإسرائيلية والاستمرار في محاصرة الكيان الصهيوني.
وفي هذا الصدد، قال سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، إنه "لم يكن ليقع اعتراف النرويج وإسبانيا وأيرلندا بدولة فلسطين، لولا صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته وإصرار مقاومته على رفع الظلم عن القضية الفلسطينية ووقف الانتهاكات في حق الأرض والمقدسات والإنسان والعمران".
وأضاف بونعمان، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "هذا الحدث يمكن اعتباره بمثابة موجة ثانية من "الطوفان" بعد حدث السابع من أكتوبر، تعزز المكتسبات الرمزية والقانونية والسياسية والأخلاقية التي حققتها القضية منذ رفع الدعوى القضائية على الكيان في محكمة العدل الدولية مرورا بالانتفاضة الشعبية والطلابية بالجامعات الغربية احتجاجا على الإبادة الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني، وانتهاء بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه بتهم ارتكاب جرائم حرب".
وأشار المحلل السياسي إلى أنه "يبقى هذا الاعتراف خطوة رمزية وسياسية لها دلالة كبيرة على مستوى فضح السردية الإسرائيلية واستمرار جهود محاصرة الكيان، والتأكيد على أن الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، فإنه أيضا يمنح شعب فلسطين دعما معنويا ودفعة مهمة في صراعهم مع الاحتلال، ويحقق ضغطا على باقي الدول الأوروبية".
"صحيح أن خطوة الاعتراف لم تقم بها الدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي والنظام الدولي كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكنها تعبير عن انتصار مقدر للسردية الفلسطينية في الفضاء الأوروبي وتقدم مطالبها وخطابها وقضاياها، بعد حقب طويلة من هيمنة ساحقة وشاملة السردية الإسرائيلية على العقل الأوروبي وصناعة القرار السياسي داخل القارة والذي زحزحته حركة الطوفان وتضحيات أهل فلسطين، كما أن الاعتراف الثلاثي تتويج لحركة التضامن الشعبي العالمية ولليقظة التي يشهدها حراك الشباب الغربي واحتجاجه على جرائم الإبادة والتجويع والحصار التي تجسدها ممارسات الاحتلال"، يضيف المتحدث.
وخلص الأكاديمي حديثه قائلا: "المهم أنها خطوة تنضاف إلى جهود وضغوط وخطوات أخرى تتغير من خلال المواقف الرسمية الغربية تجاه القضية وحقوق الشعب الفلسطيني، قد تؤدي بفعل التراكم والإحراج السياسي والأخلاقي إلى المزيد من عزل الكيان وفضح ممارساته وانكشاف وحشيته وعنصريته، والجرأة على الإعلان عن متابعة رموزه واعتقالهم، وتكريس مسار مقاطعته الشعبية والاقتصادية والأكاديمية".