هل سبق لجامعة كرة القدم المغربية ، وبالضبط اللجنة المكلفة ببرمجة وتحديد تاريخ وتوقيت مختلف المباريات ، أن فكرت في «التنسيق» مع الجهات المكلفة بقطاع التربية والتعليم محليا ، على صعيد كل مدينة وإقليم ، على غرار تنسيقها مع الجهات الأمنية ، وذلك قبل الإعلان «الرسمي» عن الجدولة الزمنية للمنافسات ؟ سؤال مبعث طرحه «تصريحات» مغلفة بغير قليل من القلق لعدد من الأساتذة والأطر التربوية ، الذين لاحظوا تسجيل غيابات في صفوف تلاميذ الثانويات الإعدادية والتأهيلية - المحسوبة على القطاع العمومي تحديدا - تزامنا مع برمجة مباريات كروية خارج الموعد المعتاد في نهاية الأسبوع - اثنين ، أربعاء ، جمعة ..- وهي «الظاهرة « التي تزايدت ملامحها خلال هذا العام، انطلاقا من منافسات كأس العرش التي شاء «أصحاب القرار الكروي» ، قبل موسمين ، أن تجرى ذهابا وإيابا ، تاركة وراءها تداعيات عدة تربك السير العادي للعملية التعليمية التعلمية ، حيث يجد المدرس نفسه حائرا أمام هذا «الطارئ» بين أمرين : تطبيق القانون الداخلي للمؤسسة وتحميل الغائبين عواقب تفضيل الفرجة الكروية على الحصة الدراسية ، أم التساهل معهم من خلال منحهم فرصة ثانية في شرح مستغلقات الدرس أو إعادة برمجة «فرض كتابي» في حصة أخرى، علما بأن السبيلين معا يفتحان باب الاحتمالات ،غير المتحكم في مآلها ، على مصراعيه. كيف لا والحرص على تطبيق المساطر قاد ، أكثر من مرة، عددا من رجال ونساء التعليم وأعضاء الأطقم الإدارية ، بمختلف مستويات مسؤولياتهم ، إلى المستشفيات جراء «ردود انتقامية» من قبل بعض «ممدرسي مدرجات الملاعب» ، والتغاضي أو التسامح يعني بداية مسلسل «التنازلات « إلى ما لا نهاية ، مع ما يؤشر عليه ذلك من « فواتير باهظة « تطال الفرد والجماعة إن عاجلا أم آجلا ؟ صحيح أن لمسؤولي «البرمجة الكروية» رزنامة من الالتزامات ينبغي الوفاء بها زمنيا، احتراما لما تنص عليه بنود العقود المبرمة مع أطراف عدة ، داخليا وخارجيا ، لكن هذا لا يمنع من استحضار معطى أساسي يتمثل في كون القاعدة الكبرى للجماهير الرياضية تتشكل من فئات التلاميذ اليافعين والأطفال الذين هم على عتبة المراهقة ، ممن تحدق بهم أخطار «الهدر المدرسي» من كل جانب و تتهددهم في كل وقت وحين . وعلى ذكر «الهدر» ، فهو مصطلح قادم من عالم الأعمال والاقتصاد ، قبل ولوجه المجال التربوي من منطلق أن التربية أضحت من أهم نشاطات الاستثمار الاقتصادي . ف « التعليم ينظر إليه اليوم ، يقول مصدر تربوي ، في كثير من البلدان المتقدمة، كاستثمار له عائده المادي ، بعد أن صار للمؤسسات التعليمية دور مؤثر في إنتاج الثروة المعرفية والتكنولوجية والاقتصادية...، من خلال إعداد الموارد البشرية المؤهلة « . وتبعا لما يؤشر عليه هذا المفهوم ، فإن « الهدر المدرسي « بمعناه العام يشمل كل ما يعيق تحقيق نجاعة العملية التعليمية التعلمية ، وتحت هذا الغطاء يمكن أن ندرج ، بهذا الشكل أو ذاك ، البرمجة الكروية النهارية خارج عطلة نهاية الأسبوع أو خارج أيام إحدى العطل الدراسية، بما يحدثه ذلك من «تشويش» في أذهان المتمدرسين ، حيث يصبح الشغل الشاغل بالنسبة للعديد منهم هو كيفية تدبير سبل حضور مباراة فريقهم المفضل، ولو كان الأمر يتعلق برحلة خارج المدينة التي يقطنون بها ، و»للتأكد من هذه الحقيقة ، يقول أحد الأساتذة ، يكفي الاستماع للأحاديث البينية بين التلاميذ ، سواء في الساحة أو داخل الأقسام ، إذ لا صوت يعلو على صوت الكرة وما يرتبط بها من أسماء لاعبين وألوان أقمصتهم ، وجديد «التيفوات» المرفوعة في المدرجات ، هذه الأخيرة التي صارت محط تنافس غير مسبوق نالت على إثره إعجابا عالميا « . بل إن احتفالية المدرجات، ساهمت ، بشكل جلي ، في استقطاب العنصر النسوي اليافع، لدرجة باتت أعداد «المهووسات « بكرة القدم في تزايد مكثف من موسم لآخر، وهو مستجد ذو دلالات عميقة يشي بأن تحولات جذرية آخذة في الحدوث في ما يخص انشغالات وتطلعات الفئات العمرية الشابة من الجنسين، تستوجب قراءة يقظة من قبل المكلفين بوضع أسس خريطة السياسة العامة للبلاد ، تفاديا لجني الثمار المرة لأي « تصادم محتمل» بين الأجيال بفعل اتساع دائرة «سوء الفهم» الذي بدأت تمظهراته في البروز على أكثر من صعيد. إنها مجرد وقفة أوحت بها بوادر علاقة «ملتبسة» - تنقل تفاصيلها أثيريا وتلفزيونيا بكثير من الحماسة الزائدة أحيانا - بين مدرجات تملأ وأقسام تهجر في عز ساعات التحصيل وفق ما تقول به «استعمالات الزمن المدرسية» ، دون أن يثير ذلك «انزعاج» الجهات المعنية بالحد من كل أسباب وعوامل « الهدر المدرسي «!