لا أحد يمكنه أن ينكر أن المغرب دولة وشعبا قد عرف بعض التغييرات التي فرضها ليس فقط نضال المواطنين الصادقين ولكن كذلك رياح الربيع العربي، ومتطلبات تحسين صورة الدولة واستمرار توصلها بالمساعدات الدولية من المنظمات المالية العالمية. كما أنه لا أحد ينكر أن هذه التغييرات منها الإيجابي ومنها السلبي على الدولة وعلى الشعب معا أو على كل واحد منهما على حدة، خاصة في ما يتعلق بالأمور التي تكون فيها مصالح الطرفين متعارضة، وهي كثيرة على كل حال. وإذا توقفنا في مجال واحد فقط وهو مجال العدالة والمهن المرتبطة بها، سواء أكان ممارسوها موظفين عموميين، أو ينتمون للقطاع الخاص، فإن ما يعرفه قطاع العدالة خلال السنتين المنصرمتين مازالت آثاره مستمرة، لا يمكن إلا أن تكون نتائجه وخيمة على هذا القطاع وعلى نظرة ليس فقط المتقاضين إليه، إنما كذلك أفراد أسرهم وذوي حقوقهم، بل ومعظم المغاربة الذين يطلعون أو يسمعون ما ينشر أو يذاع بالصوت أو الصوة أو بهما معا من حالات وقائع وشكايات ضد أحد المنتسبين لأسرة العدالة أو المرتبطة أعمالهم بها. فمن خلال ما تحمله الأخبار من إلقاء القبض على قاض من أجل الحصول على رشوة، والمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته بحكم نهائي. ومن خلال ما يصدره نادي قضاة المغرب من بيانات ضد ما يعتبره خرقا للقانون، والمتمثل في استعمال بعض رؤساء المحاكم سلطتهم الإدارية في غير محلها تجاه بعض القضاة أو تجاه بعض القرارات التي تصدر عن اجتماعهم السنوي بالمحكمة التي يشتغلون بها. ومن خلال ما يصدر عن بعض »فروع« هيئات المحامين من بلاغات ضد أحد القضاة أو المستشارين بهذه المحكمة أو تلك، معتبرين أن بعض تصرفاته تمس بحق من حقوق الدفاع. ومن خلال ما يطرحه ملفا الأستاذين المستشارين بمحكمة النقض من تساؤلات وأبعاد وخلفيات لم تستعمل ضد غيرهما: يتعلق الأمر بكل من حسون وعنبر. ومن خلال ما كشفت عنه البيانات الصادرة عن كل من المجلس الأعلى للقضاء في دورتي السنتين الماضيتين من قرارات تأديبية وعقوبات ضد بعض القضاة، وما جاءت به بلاغات بعض فروع هيئات المحامين من توقيف وتوبيخ وطرد لبعض المحامين. ومن خلال ما صدر من أحكام ضد بعض ممارسي بعض المهن الحرة من أجل الغش والتزوير والنصب وانتحال صفة والادلاء ببيانات كاذبة، والارتشاء واستغلال النفوذ، والشطط في استعمال السلطة... إلى جانب جنح وجنايات أخرى مرتبطة بالشخص وليس بالمهنة. ومن خلال الدفوعات الشكلية رغم قلتها بالمقارنة مع السنوات السابقة التي مازال بعض المحامين المهنيين الجادين يتقدمون بها ضد ما يعتبرونه خروقات لقانون المسطرة الجنائية تكون قد طالت بعض محاضر بعض أفراد الضابطة القضائية، بما فيها الفرقة الوطنية أو بعض أوامر بعض قضاة التحقيق الآمرة بالاحالة على غرف الجنايات الابتدائية أو غرف الجنايات المتخصصة في قضايا اختلاس أو تبديد المال العام. ومن خلال ما يقوم به بعضنا كأشخاص أو كمؤسسات -تحت توجيه معين - وهذا هو الخطير في الأمر، أو عن جهل بمدى التأثير السلبي على بعض فئات المجتمع المغربي، من فهم خاطئ للحدث وطريقة صياغته وتقديمه للرأي العام، خاصة إذا تعلق الأمر بالقاضي. ومن خلال عدم تعليل بعض الأحكام تعليلا قانونيا صائبا، وترجيح »حجج« طرف آخر من المقاضين وتعرضها للنقض. ومن خلال إصدار مئات الأحكام سنويا دون مصاحبة الحاصلين عليها حتى التنفيذ. ومن خلال قلة قضاة الأحكام وأعضاء النيابة العامة، وكتاب الضبط والأعوان بمجموع محاكم المملكة وعلى رأسها محكمة النقض أمام كثرة الملفات. ومن خلال عدد الشكايات التي تتوصل بها كل من وزارة العدل، والوكلاء العامون، ووكلاء الملك بكل المحاكم والضابطة القضائية، والصحافة حول ما يعانيه بعض المتقاضين. ومن خلال كل ما عرضه الاستاذ رشيد مشتاقة المستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط في ركن »دار القاضي« بالعدد رقم 22499 من جريدة العلم الصادر يوم الاثنين 21 يناير 2013. من خلال كل هذا، تولد لدى بعض المتقاضين الشك في الحصول على حقوقهم وأصبحوا مستعدين لإعطاء الرشوة لمن يطلبها ليس فقط من البوليس، وأعضاء النيابة العامة والقضاة والعاملين بمجالات الصحافة والاعلام وغيرهم من المهن التي تعمل إلى جانب القاضي لإعداد الملف حتى يصدر حكمه الذي قد يصادف أو يجانب الصواب بناء على ما استعمل في ذلك من وثائق وشهادات منجزة من أحد مساعدي القاضي. وحتى تتم إزالة هذا الشك، لابد من محاربة أسبابه حتى تعود الثقة للقاضي ومن بعده للدولة وباقي مؤسساتها، وما ذلك على شرفاء هذا الوطن بعزيز.