لا جودة في منتوج الصيد البحري دون شروط تسويق قادرة على تثمين المنتوج واحترام خصوصية المستهلك، وقد يتخيل للبعض أنه بإقرار بعض القوانين وإعطاء بعض التعليمات التي على الفاعلين في هذا القطاع الالتزام بها ، تتحقق الجودة المطلوبة! لكن الواقع غير ذلك . فالجودة الكلية أو الشاملة ، حسب المهنيين، لن تتحقق إلا بتناسق ثلاث وحدات مركبة متداخلة فيما بينها: - وحدة الانتاج والصيد وحدة التحويل والتسويق قاعدة التوافق. وإذا كانت الوحدتان الأولى والثالثة قد قطعتا أشواطا لا يستهان بها، فإن الوحدة الثانية مازالت تعاني الشيء الكثير. كما يظهر من خلال إطلالة على سوق الدارالبيضاء للسمك بالجملة كنموذج حي «يتخبط» في العديد من النقط السوداء التي لا تخدم خصوصية المستهلك ولا تحترم شروط التسويق للمنتوجات البحرية. البداية .. تفاؤل ... خيبة لقد تم تدشين هذا المرفق الاقتصادي المزود لجميع عمالات ومقاطعات «عاصمة المال والاقتصاد» وباقي المدن المغربية، من طرف جلالة الملك يوم 2008/10/24، وانطلق العمل به رسميا يوم 2008/11/16، واعتقد الجميع ساعتها أن هذا المرفق الاقتصادي والذي كلف بناءه ما يفوق 7 ملايير سنتيم ، حسب مصادر قريبة من هذا القطاع ، واستبشر التجار والمهنيون وعامة ساكنة الدارالبيضاء، أن هذا السوق الذي تصل مساحته إلى خمسة هكتارا سيكون نموذجا للسوق الحديث، حيث يضمن ويوفر جميع معايير وشروط الجودة، وبالتالي أصبح المستهلك البيضاوي بإمكانه اقتناء أي نوع من أنواع السمك المتعددة وهو مطمئن رغم تحمله عبء التكلفة ، والتي غالبا ما تكون فوق القدرة الشرائية لشريحة واسعة من السكان، لكن بعد أسابيع من افتتاح هذا المرفق الحيوي ، اتضح بما لايدع مجالا للشك، أن بنيته التحتية تعاني من «الهشاسة»، وبعيدة كل البعد عن المعايير التي تضمن السلامة الصحية والوقائية! فلم تمر على فتح أبوابه سنة كاملة حتى بدأت عمليات الترقيع والترميم والاصلاحات، اضطر معها التجار والمهنيون للعمل طيلة ما يقارب شهرين خارج السوق، حيث نصبوا خياما لهذا الغرض، وخلال أربع سنوات تم تغيير وترميم أرضية هذا السوق مرتين ، كلفت في كل مرة ، حسب مصادر من عين المكان، ما يقارب 200 مليون سنتيم. وأكدت نفس المصادر أن هذا السوق الذي يعرف في كل صباح، توافد ما يقارب 12 ألف من المتسوقين ، باختلاف طبيعة ارتباطهم بهذا القطاع ، كان في البداية مخصصا للدجاج كسوق للجملة، إلا أن وجوده بالقرب من المجازر الكبرى للدار البيضاء حال دون استعماله لهذا الغرض بعد تدخل العديد من الأطباء البياطرة، محذرين مما يمكن أن يتسرب إليه من الغبار من هذا السوق، قد يضر اللحوم التي يستهلكها البيضاويون، فتم تحويله إلى سوق للسمك والذي اعتاد الناس على وجوده بالقرب من الميناء. مشاكل و إكراهات حجم هذا السوق وعدد مرتاديه من التجار من جميع أنحاء الدارالبيضاء والمدن المجاورة والقرى وغيرها ،لا يوازيه وجود مرافق ضرورية، فعدد المراحيض المتوفرة فيه لا تفوق العشرة لما يقارب 12 ألف شخص، في حين تتوفر إدارة هذا السوق على 6 مراحيض لمجموعة من الموظفين لا يفوق عددهم العشرة! انعدام مقهى داخل السوق ، وهو ما يدفع التجار و المهنيين والزوار إلى التوجه لبعض المقاهي الموجودة خارج السوق خاصة في الساعات الأولى من صباح كل يوم! هذه الطريقة في البحث عن مكان لتناول وجبة الفطور أو انتظار زبون أو صديق تعرض أغلبهم إلى مضايقات وتحرشات من قبل أفراد من بعض العصابات ، حيث يتعرض العديدون منهم للاعتداء والسرقة. وقد تقدم ضحايا كثيرون بشكاياتهم لكل من السلطات المحلية و إدارة السوق ، ليكون الجواب غالبا ، حسب تصريحات بعض المهنيين ، ان ذلك وقع خارج السوق ويجب تقديم الشكايات لوكيل الملك مباشرة ، علما بأن هناك عدة شكايات حول العنف والسرقة داخل السوق لم يسلم منها، في أحد الايام عنصر من عناصر القوات المساعدة، الذي أصيب في وجهه إصابة بليغة بعد ان تعرض لاعتداء بآلة حديدية! أيضا عدم وجود مقر لوكالة بنكية ، يجعل المعاملات التجارية تكون على المكشوف ومعرضة دائما لخطورة عملية السطو في اي وقت ، فتجد مجموعة من التجار بعد عمليات البيع والشراء مركونة الى جانب أحد اسوار هذا السوق تتبادل الاوراق النقدية أو ما يعادلها، وهو ما يدعو للاستغراب، علما بأن ملايير السنتيمات تروج كل يوم بهذا السوق ، دون حماية، في غياب مخفر لشرطة « الستار الله وصافي » يقول بعض المهنييين ، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة! مادة الثلج، بدورها ، كثيرا ما تخلق عدة مشاكل، لأن المصنع الموجود داخل السوق لا يسد حاجيات التجار ويضطر هؤلاء في غالب الاحيان الى الاستنجاد بالثلج من مدن اخرى كالعرائش ومدن أخرى بعيدة. البنية التحتية ... أسئلة بلاجواب ؟ وتبقى الطامة الكبرى هي قنوات صرف المياه، والتي لا يمكن بأي حال من الاحوال السكوت عنها او التعامل معها بنوع من الاستخفاف، لأن المرافق الصحية في أسواق من هذا الحجم لا يمكن ان تكون على هذه الحالة في غياب تام للمراقبة الصحية والدوريات للمصالح المسؤولة عن صحة المستهلك وقبلها صحة التاجر! فالقنوات غالبيتها مكشوفة والمياه العادمة ومياه باقي مرافق السوق عارية وتظهر للعيان، والتي امتلأت بكل ما يجعل المرء يشمئز من المناظر المسيطرة على المكان والروائح النتنة أحيانا. عدم وجود مقرات او مكاتب خاصة للتجار و عدم وجود مكان كمستودع لتغيير الملابس، كل ما في الامر ان التجار غالبا ما يغيرون لباسهم امام أنظار الآخرين ، حتى أصبحت هذه العملية مألوفة ، وبالتالي أضحت جد عادية، مع التذكير يغياب « دوش» لهؤلاء العاملين داخل السوق. حين لا ترى عين المسؤولين الواقع المر! الغريب في الموضوع، ان بعض المسؤولين في وزارة الفلاحة والصيد البحري، والمكتب الوطني للصيد البحري لا يترددون في التنويه بهذا السوق في كل مناسبة ، في مختلف المناطق والمدن ، وهناك من وصفه بالسوق النموذجي الذي يتضمن كل المرافق الخاصة والحديثة ، وهو ما جعل تجار هذا السوق يردون على هذا الكلام بتنظيم وقفة احتجاجية لتكذيب ما جاء على لسان مجموعةمن المسؤولين . كما هو شأن الكاتبة العامة للمكتب الوطني للصيد البحري في أحد البرامج التلفزيونية! صرخات المهنيين والتجار واليوم هناك مشروع توسيع هذا السوق، او استغلال الفضاءات الفارغة داخل أسواره، واصبح من الضروري تخصيص أماكن للمرافق المفقودة داخل السوق، كما جاء على لسان كل من رئيس جمعية تسويق السمك السطحي ورئيس الجمعية البيضاوية لتجار السمك بالجملة، اللذين أكدا علي ضرورة العمل على توفير جميع المرافق الصحية وتدارك كل النقائص التي مازال هذا المرفق الحيوي يعاني منها . وطالب التجار المسؤولين عن القطاع و السلطات المحلية بالعمل على إخراج هذا السوق من الحالة التي يوجد عليها اليوم، والتي تستدعي التدخل العاجل للقضاء على عدة مظاهر اصبحت غير مقبولة ، كعرض المنتوجات خارج مواقعها، والنقل عبر العربات المجرروة او المدفوعة وعدم وجود وسائل الحفاظ على جودة المنتوجات البحرية ، وذلك حماية لصحة كل من المستهلك والتاجر. وقد أسفرت الحملة عن «حجز» عدد من الخيول والعربات التي تم «شحنها» في هوندات وبيكوبات، وإخلاء المكان الذي طالما شكل موضوع «شكايات» جراء الإتلاف الذي تعرضت إليه «المساحة الخضراء» ، إلى جانب الروائح الكريهة المنبعثة من «بقايا ومخلفات» الخيول.