حلّت، يوم 28 من أكتوبر، الذكرى الأربعون لرحيل عميد الأدب العربي طه حسين. وقد عرف المشهد الثقافي المصري والعربي مظاهر احتفالية متعددة الأوجه. لكن الأهم في هذا الاحتفال هو أن الكثيرين استحضروا ذكرى طه حسين من خلال ربطه بالظروف التي تعيشها مصر ومن خلالها باقي بلدان العالم العربي بعد زوبعة الانتفاضات العربية. فطه حسين هو نموذج المثقف الذي نحتاجه اليوم في هذا السياق الذي يعرف انحسارا مجتمعيا كبيرا. فقد كانَ له مشروع أدبي وثقافي وفكري ومجتمعي واسع. كان يكتب الأدب وعيْنه على المجتمع بكل مفارقاته. وهو الذي أدخل بشجاعة نادرة النقد التاريخي إلى الكتابة العربية في مناخ تقليدي محافظ. واليوم، تكاد الأوضاع تكون أكثر محافظة وتراجعا على مختلف الأصعدة. لهذا السبب يعتبر الشاعر المغربي محمد بنيس في كلمته بالمناسبة أنّ ما نعيشه من آلام طيلة السنتين الأخيرتين يغيّر اتجاه الثورة إلى ثورة مضادة. فإذا كان شبان الربيع العربي استلهموا، من حيث يدرون أو لا يدرون، ثورة طه حسين حين أصدر سنة 1926 كتاب ?في الشعر الجاهلي?، فإن ما آل إليه الربيع العربي يضاعف من غربة ثورة طه حسين، ومن غربة ثقافة الحداثة العربية برمّتها. نحن اليوم في أتّون التخلف الإسلاموي الذي لا شغل له إلا خطاب التحريم المصحوب بالضجيج الإعلامي والهراء والتحرّش الديني: تحريم الموسيقى والفنّ والتفكير والاختلاف فى الرأى. لكنهم بالمقابل، وأمام العصاب الجنسي الذي يسري في عروقهم، يحللون نكاح الجهاد وزواج المسيار والمتعة والقاصر. ظلام هنا وهناك مصدره الانغلاق الفكري والخواء الثقافي والعلمي ينسيهم أنّ الله ليس في حاجة، بأيّ حال من الأحوال، إلى ضجيجهم ولا إلى خطابهم المتهافت، ولا إلى نوعية أفكارهم عن الدين والتدين. وربما لو كف هؤلاء عن ادعاء أنهم يدافعون عن الله وانه ليس بحاجة لدفاعاتهم، ربما ينفذ إلى عقولهم قَبَس من نور طه حسيْن المتناثر في كلّ كتاباته، لعلّهم ينتبهون إلى الجرائم التي ارتكبوها بحجّة دفاعهم عن السماء، إلى المواطنين الذين عذبوهم هنا على الأرض بسبب أفكارهم المحنطة والخاطئة. وساعتها ربما يذهبون لتمثال طه حسين الذي حاولوا هدمه ويحاولون الاعتذار فينقذون أنفسهم وينقذون المستقبل من ظلام الروح والعقل. لقد كانَ طه حسين رائدا قلّ نظيره. لقد قدّم للثقافة العربية شعلة فكرية، وقدرة على إذكاء هذه الشعلة، لكننا اليوم، وأمام ما يحيط بنا من ظلام وخواء وانحطاط، في المجتمع، في المساجد، في الجامعات، في المدارس، في كل الفضاءات تقريبا، لا نكاد نجد أثراً لهذه الجذْوة المتّقدة. إن العماء الذي قاومه طه حسين وتغلّب عليه، نراه أمامنا يملأ الفضاء ويتسيّد كشعار على مرحلة لا نتمنى أن تكون في بداياتها.