لو وافق الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، المعروف بشغفه وولعه بكرة القدم، العرض الذي قدمته له قناة «كنال بلوس» والقاضي بالتعلق لصالحها على مجريات المونديال البرازيلي، لما كان قضى 15 ساعة كاملة من ليلة الثلاثاء/ الأربعاء الماضية في ضيافة فرقة مكافحة الفساد لدى الشرطة القضائية لمدينة نانتير الواقعة في الضاحية الباريسية. أجل، ففي سابقة زعزعت اليمين الفرنسي الذي يراهن بعض أقطابه على عودة الرئيس السابق لحلبة التنافس الرئاسي لسنة 2017، وجهت النيابة لساركوزي تهم «الفساد» و»استغلال النفوذ» و»إخفاء انتهاك السر المهني»، وذلك ارتباطا بالتمويل غير الشرعي المفترض من طرف ليبيا القذافي للحملة الانتخابية التي جعلت حامل لواء الديغولية يلج قصر الإليزيه سنة 2007، وهو التمويل الذي كانت محكمة النقض الفرنسية قد فتحت تحقيقا حوله وحاول ساركوزي، من على مقعده الرئاسي، معرفة مجرياته بدون وجه حق، موظفا لبلوغ هدفه علاقة مستشاره القانوني بأحد قضاة المحكمة السالفة الذكر، مقابل وعد هذا الأخير بمنصب قضائي مريح في «فردوس» موناكو. وإذا كانت أدلة اتهام ساركوزي تستند إلى التنصت لمكالماته الهاتفية مع مستشاره القانوني تييري هيرزوغ، الذي وجهت له نفس التهم الثقيلة التي قد تصل عقوبتها إلى 10 سنوات سجنا مع أداء غرامة مالية لا تقل 150 ألف يورو، فإن الرئيس الفرنسي السابق كان قد أسر، قبل توقيفه وتوجيه التهم إليه بأيام، لمجموعة من الصحفيين أن قناة «كنال بلوس» اقترحت عليه التعليق لصالحها على مونديال البرازيل. وبالفعل، وعلى هامش تسلمه «جائزة نداء 18 يونيو» التي منحتها له المنظمة الشبابية الديغولية «اتحاد الشباب من أجل التقدم» يوم 25 يونيو الماضي، كشف ساركوزي أن القناة المذكورة اقترحت عليه أن يصبح أحد منشطي برنامجها الإخباري الذي لا يخلو من سخرية «نشرة الأخبار الكبرى»، وذلك للتعليق على مباريات كاس العالم، موضحا أن رفض الاقتراح. حينها، أكد المقربون من الرئيس السابق الخبر أيضا، قبل أن تبتلعهم زوبعة اتهامه الثلاثي، مصرحين: «توصل نيكولا ساركوزي بعدة عروض لتنشيط برامج تلفزيونية، من بينها خطاطة عرض للتعليق على كرة القدم». أما المعني مباشرة بالأمر، فقال، في ذات السياق للصحفيين بلكنة ساخرة، إنه لن يذهب إلى البرازيل لمشاهدة مباريات المنتخب الفرنسي «إلا إذا طلبت مني يومية لوموند أن أكون مراسلها من هناك»!، قبل أن يوضح أنه لن يسافر للتعليق على المونديال لترديد مدى روعة فريق فرنسا على لسان أولئك الذي ما انفكوا يسمونه بالفظاعة. جميلات البرازيل وجغرافية البلد الخلابة وسحر كرة القدم تحت سمائها ونجاحات منتخب فرنسا في المونديال الحالي أفضل بكثير من قضاء 15 ساعة ليلية في مقر فرقة مكافحة الفساد بنانتير، لكن ساركوزي لم يكن يعرف أن القانون فوق الجميع وأنه يمهل ولا يهمل، ومع ذلك فهو يجد العزاء، كل العزاء، في كون المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته تحت راية دول الحق والقانون.