بين ‬التمجيد ‬والتجميد‮…‬ الثقافة، ‬عودة ‬السؤال ‬المقلق؟

من ‬حسن ‬الحظ ‬أن ‬الكتابة ‬خصوصا، ‬والقراءة ‬على ‬وجه ‬الأخص، ‬والثقافة ‬عموما، ‬حضرت ‬بقوة ‬في ‬الأسبوع ‬الذي ‬ودعناه.‬
فقد ‬احتضنت ‬فضاءات ‬سياسية ‬بامتياز، ‬نقاشات ‬حول ‬الثقافة، ‬كما ‬وقع ‬عندما ‬تناول ‬الفريق ‬الاتحادي ‬سؤال ‬الثقافة ‬مع ‬دار ‬فكر، ‬بالرباط‮..‬
وكان ‬النقاش ‬فيه ‬مرتبطا ‬بالتربص ‬الوطني ‬الكبير، ‬الذي ‬فرضته ‬البلاد ‬على ‬نفسها ‬منذ ‬دق ‬ملكها ‬ناقوس ‬الخطر، ‬ودفع ‬الجميع ‬إلى ‬استشعار ‬القلق، ‬بسبب ‬استنفاد ‬النموذج ‬التنموي ‬الحالي ‬لاحتياطاته ‬من ‬الأسئلة ‬والأجوبة.‬
وقد ‬تداعى ‬إلى ‬ذلك ‬مثقفون ‬وفنانون ‬ومبدعون ‬لتداول ‬قضية ‬مركزية: ‬كيف ‬نبني ‬نموذجا ‬جديدا ‬بحضور ‬ثقافي ‬واسع؟
كما ‬لو ‬أن ‬جوهر ‬التنبيه ‬هو، ‬حذار ‬من ‬وضع ‬نموذج ‬تغيب ‬فيه ‬الثقافة، ‬تلك ‬تصنع ‬الرؤية ‬وتبتكر ‬الهوية ‬بثوابتها، ‬الثقافة ‬كاستراتيجية ‬قادرة ‬على ‬أن ‬تعطي ‬معنى ‬لدولة، ‬وتعطي ‬معنى ‬للدولة ‬الوطنية ‬ولمرتكزاتها ‬الثقافية ‬وإنهاء ‬كل ‬أشكال ‬السلط ‬المتحجرة.‬
‬ومن ‬حظ ‬الكتاب ‬أن ‬المعرض ‬الدولي ‬كان ‬مناسبة ‬ثانية ‬لكي ‬يتحلق ‬الجميع ‬حول ‬الثقافة، ‬وهي ‬في ‬حالة ‬حراك، ‬حالة ‬تواشج ‬جسدي ‬مع ‬القراء ‬الذين ‬يكونون ‬عادة ‬مفترضين‮.‬ ‬ومع ‬المواطنين ‬من ‬كل ‬الأجيال…‬
المعرض ‬كموعد ‬بين ‬دور ‬النشر ‬والقراء ‬والمواطنين، ‬كان ‬لحظة ‬دالة ‬بنوعية ‬القراءات ‬التي ‬تمت ‬فيه‮..‬ونوعية ‬المواضيع ‬التي ‬شكلت ‬مادته ‬الخام، ‬وأيضا ‬توسيع ‬الانتماء ‬من ‬معرض ‬للثقافة ‬إلى ‬معرض ‬للمجتمع ‬المنفتح ‬على ‬وجود ‬الآخر ‬وثقافته ‬وانشغالاته‮…‬.‬
ومن ‬حسن ‬المصادفات ‬دوما، ‬أن ‬المجلس ‬الاقتصادي ‬والاجتماعي ‬والبيئي، ‬قدم ‬تقريره ‬المنتظر ‬حول ‬القراءة ‬في ‬المغرب، ‬وقدم ‬توصياته ‬في ‬المجال ‬الذي ‬يطبع ‬البلاد، ‬وهو ‬مجال ‬القراءة . ‬
ومن ‬حسن ‬حظ ‬الكتاب ‬أيضا ‬أن ‬الجهوية، ‬التي ‬تخطو ‬خطواتها ‬الأولى ‬اعتبرت ‬أن ‬جائزة ‬أدبية ‬وثقافية ‬في ‬ولادتها ‬شيء ‬ضروري ‬لكي ‬تعطي ‬لنفسها ‬هوية ‬وتجسدا ‬وحيوية.‬‮…‬
ففي ‬جهة ‬كالدار ‬البيضاء- ‬سطات، ‬تم ‬تنظيم ‬توزيع ‬جوائز ‬ذات ‬مستوى ‬وطني، ‬وفيه ‬بالأساس، ‬تكريس ‬الأسماء ‬المعروفة ‬‮:‬زفزاف، ‬الصديقي ‬،الشرايبي ‬والزرقطوني، ‬عبر ‬إطلاق ‬أسمائهم ‬على ‬أربعة ‬جوائز ‬هي ‬بالتوالي: ‬جائزة ‬في ‬الأدب ‬بالعربية، ‬والجائزة ‬الخاصة ‬بالترجمة ‬والفرنسية ‬والأمازيغية…‬
نحن ‬أمام ‬انفتاح ‬وأيضا ‬استشعار ‬خطورة ‬المسألة ‬الثقافية، ‬مع ‬توسيع ‬دائرة ‬تواجدها ‬وتطورها.‬
قد ‬نضيف ‬أيضا ‬الفدرالية ‬الخاصة ‬بالصناعات ‬الثقافية ‬والفنية، ‬والتي ‬جاورت ‬النقابة ‬المعبرة ‬عن ‬الباطرونا ‬وصارت ‬إحدى ‬فيدرالياتها ‬المكونة ‬لها.‬
كل ‬هذا ‬الاحتضان، ‬يعني ‬بأن ‬الثقافة ‬تطير ‬بأجنحة ‬جديدة ‬وتعانق ‬أجواء ‬جديدة؟
في ‬الواقع ‬هناك ‬طرفان ‬للمعادلة: ‬هناك ‬وصف ‬الحالة ‬الذي ‬يقلق، ‬ومن ‬ذلك ‬أن ‬مستوى ‬القراءة ‬جد ‬متدن، ‬وأن ‬الجيل ‬الذي ‬نعول ‬عليه، ‬أي ‬الناشئ، ‬لا ‬يتوفر ‬على ‬بنية ‬تشجعه ‬على ‬ذلك، ‬حيث ‬إن ‬9 ‬في ‬المئة ‬فقط ‬من ‬المؤسسات ‬العمومية ‬تتوفر ‬على ‬خزانات ‬مدرسية.‬
‬والمغربي ‬لا ‬يقرأ ‬إلا ‬14 ‬دقيقة ‬في ‬الأسبوع ‬بمعدل ‬دقيقتين ‬في ‬اليوم، ‬مقارنة ‬مع ‬الهند ‬مثلا ‬التي ‬يقرأ ‬فيها ‬القارئ ‬10 ‬ساعات ‬في ‬الأسبوع ‬وفرنسا ‬بمعدل ‬7 ‬ساعات ‬في ‬الأسبوع، ‬وهي ‬نتيجة ‬طبيعية ‬لغياب ‬العادات ‬القرائية ‬داخل ‬الأسر، ‬وغياب ‬الفضاءات ‬المشجعة ‬على ‬القراءة.‬
‬والإنتاج، ‬مقارنة ‬مع ‬دول ‬أخرى، ‬ناقص ‬جدا، ‬وقانون ‬المالية ‬مثلا ‬لم ‬يقدم ‬ولو ‬رقما ‬واحدا ‬في ‬دعم ‬الكتاب ‬ولا ‬صناعته ‬ولا ‬تفاصيل ‬سياسة ‬شاملة ‬في ‬الموضوع…‬
‬وهناك ‬في ‬المقابل ‬تمجيد ‬للثقافة ‬ودعوة ‬المقررين ‬إلى ‬استحضارها ‬في ‬كل ‬خطوات ‬المستقبل، ‬واعتبار ‬النموذج ‬الثقافي ‬الجديد ‬بعيد ‬المنال ‬إن ‬لم ‬تكن ‬هناك ‬إرادة ‬في ‬تغير ‬الرؤية ‬إلى ‬الثقافة…‬
‬والفدرالية ‬المقاولة، ‬لها ‬دور ‬في ‬توسيع ‬دائرة ‬الدعم ‬والإنتاج ‬وخلق ‬القيمة ‬المضافة ‬في ‬الميدان، ‬عليها ‬في ‬بيان ‬إثبات ‬الجدوى، ‬أن ‬تلبي ‬هذه ‬التوصية ‬للمجلس ‬على ‬المقاولات ‬أيضا، ‬في ‬إطار ‬المسؤولية ‬الاجتماعية، ‬أن ‬تمول ‬الخزانات ‬المدرسية ‬والمراكز ‬الثقافية. ‬
بالنسبة ‬للجهة ‬والجهوية ‬والمسألة ‬الثقافية، ‬لا ‬يمكن ‬أن ‬يبقى ‬الأمر ‬رهينا ‬بالمبادرة ‬الشخصية، ‬أو ‬بالقناعات ‬التي ‬ترتبط ‬بهوية ‬المسؤول، ‬وهي ‬في ‬حالة ‬الدار ‬البيضاء ‬‮-‬ ‬سطات ‬عالية ‬التبصر ‬والانخراط، ‬بل ‬يجب ‬أن ‬ترتفع ‬إلى ‬ما ‬هو ‬إلزام ‬وطني، ‬إذ ‬لا ‬يعقل ‬بأن ‬القانون ‬المنظم ‬للجهة ‬لا ‬يتضمن ‬ولو ‬مرة ‬واحدة ‬كلمة ‬ثقافة، ‬في ‬حين ‬تنزع ‬الدوريات ‬الصادرة ‬من ‬الداخلية ‬أي ‬سلطة ‬في ‬دعم ‬الجمعيات ‬الثقافية، ‬وتحيلها ‬على ‬جماعات ‬ترابية ‬أخرى…‬