للتواريخ سحرها الماكر،وشهر فبراير شهر المفاجآت والتحول..فهو أقل الشهور عددا وأثقلهم أحداثا .وقد جاءت حركة 20 فبراير المغربية إثر حراك عربي وتحول في البنيات الاجتماعية مما خلق شروطا للانعتاق ، غير أن التجربة المغربية ، في اعتقادي تختلف عن تجارب الربيع العربي ، وهو ما لم يفطن له عدد من الباحثين الغربيين والأمريكيين في مقاربتهم للظاهرة في المغرب العربي وتعميم بعض الأحكام. ذلك أن المغرب عرب أكثر من ربيع في مراحل أقوى وأشرس، سواء على مستوى التنظير كما رسّخه الشهيد المهدي بنبركة في انتفاضة 1959 آو الاختيار الثوري أو في مارس 1965 ، ثم لاحقا في يونيو 1981 وما تلاها من زمن صعب في نفس العقد أو في التسعينيات. إن انتفاضات ما قبل 20 فبراير 2011 كانت مؤطرة فكريا وايديولوجيا ضمن تنظيمات سياسية واختيارات تمثلها رموز ذات كاريزمة وخبرة ، استطاعت أن تؤثر وتُسمِّدَ الأرض المغربية بوَعيين ، وعي واقعي ظاهر ، ووعي سري وجميل يختزن تلك الأحلام التي استُشهدَ من أجلها الآلاف . وأعتقد أولا ، في تحليلي وقراءتي ، أن حركة 20 فبراير هي نتيجة ذلك السماد الثوري والنضالي الذي تراكم . ربما لأن الاختيارات المُلزمة للأحزاب والمنظمات ضمن تعاقدات وتوافقات سياسية واجتماعية ، لا تترك لها هامش التفكير بشكل ‹› حركي ‹› وثوري» مفتوح على احتمالات متغيرة ومرتبطة بآفاق عربية ودولية . من ثمة كانت 20 فبراير متنفسا وملاذا وحلما بألوان وطبقات، فيه الطموح النبيل والدنو من الوجدان، فيه العقل والفكر والغد، وكذلك فيه الكابوس والعجز . وأعتقدُ ثانيا ،في تقديري ، أن بُعد حركة 20 فبراير ، كان ثقافيا وتعبيريا لذلك لم تُفرز قائدا أو تصورا أو مشروعا ، وإنما استعادت الإرث النضالي وحملته بجرأة ومحبّة وطالبت بمطالب سياسية واجتماعية ، ثم تحقق ما تحقق وضاع ما ضاع ... ولربما لو جاز لي التشبيه ، فهي ابتدأت مثل قصيدة شعرية ملحمية وانتهت رواية لا بد من تأويلات عديدة لفهم تفاصليها . ملاحظة : في 20 فبراير2010 ، سنة قبل انطلاق حركة 20 فبراير 2011 ، اجتمع عدد من المثقفين بالدار البيضاء ، بعد مشاورات مع أدباء وفاعلين من مدن أخرى ، فأطلقنا حركة المراصدة المسماة «المرصد المغربي للثقافة» والذي كان انتفاضة على السياسة الثقافية ، فحققنا ما حققنا. وربما هناك تشابه بين الحركتين ، فالشرط التاريخي والسماد النضالي والرغبة في كتابة نص بالفعل لا بالكلمات .