يشكل تأطير الشباب عبر الجمعيات والمجتمع المدني ركيزة أساسية في المشهد الاجتماعي والثقافي، لكنه يظل مجالاً يتطلب قراءة متجددة تتجاوز الخطابات الرسمية لتستشرف واقعاً معقداً وتطلعات متباينة. تعمل الجمعيات كفضاءات حيوية تسمح للشباب بالتعبير عن أفكارهم وتنمية مهاراتهم، وتوفر لهم منابر للتواصل والتفاعل مع قضايا المجتمع. وفي الوقت نفسه، يلعب المجتمع المدني دور الوسيط الذي يربط بين الشباب والسلطات، ويعزز وعيهم بالمواطنة والمشاركة الديمقراطية. لكن هذه الأدوار لا تخلو من تحديات، أبرزها الحاجة إلى تجديد آليات العمل الجمعوي داخلياً، بحيث تتسم بالشفافية والديمقراطية، وتفتح المجال أمام مشاركة حقيقية وواسعة للشباب في صنع القرار. على الجانب الرسمي، تحاول وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب توفير الدعم اللازم من خلال التفكير في صيغ جديدة لمعمار دور الشباب والتدبير بالشراكة مع المجتمع المدني، هذا التصور الذي ينتظر الإجراءات القانونية لتنزيله، لإنعاش الحياة في عدد من دور الشباب، ويبدو أن الإرادة العمومية قوية في هذا الاتجاه، فقط وتيرة التنفيذ بطيئة، علما أن هذا التحول من التدبير العمومي إلى التدبير بالشراكة، من شأنه تقوية الحركة الشبابية لدور الشباب توازيا مع إطلاق برامج تدريبية وتكوينية التي دشنها قطاع الشباب الموجهة للشباب برؤية جديدة ورهانات كبرى، وإن ظلت تواجه إشكالية التوافق بين هذه البرامج الخلاقة وتطلعات الشباب، لكنها تظل واقعية وعقلانية في مواجهة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الفئات الشبابية في مختلف المناطق. العلاقة بين الجمعيات والقطاع الحكومي الوصي تحتاج إلى مزيد من التفاعل المفتوح والمرن، لتطويق الممارسات البائدة، حتى تتحول هذه الشراكة إلى حاضنة حقيقية للإبداع والمبادرة الشبابية. فالشباب اليوم يبحثون عن فضاءات تمكينية حقيقية، والمساهمة في صياغة برامج تستجيب لانتظاراتهم، ويريدون أن يكونوا فاعلين في صياغة مشاريعهم ومستقبلهم. في الوقت ذاته، يبرز تنوع في مستويات انخراط الشباب، بين من يشارك بفعالية في المبادرات المدنية والثقافية، ومن يظل متردداً أو محبطاً، ما يستدعي تطوير أدوات تأطيرية تراعي هذا التنوع وتستجيب للاحتياجات المختلفة، سواء في المدن الكبرى أو المناطق النائية. من جهة أخرى، لا يمكن إغفال أهمية تحديث البنيات التحتية لدور الشباب، وهو رهان رفعته الوزارة، مع تنزيل رؤية حداثية عصرية منسجمة مع العدالة المجالية وتوفير الموارد المادية والبشرية التي تضمن استمرارية البرامج وتأثيرها. فدعم الدولة يجب أن يكون شاملاً ومتوازنًا، يواكب دينامية المجتمع المدني ويحفز استقلاليته، والتدبير التشاركي هو الحل القوي لردم الهوة بين واقع الموارد البشرية والحاجيات الحقيقية من الأطر التربوية. يبقى تأطير الشباب عبر الجمعيات والمجتمع المدني رهيناً بقدرة الفاعلات والفاعلين على بناء شراكات حقيقية وشفافة متعددة مع القطاع الوصي والقطاع الخاص والجماعات الترابية، تتأسس على أرضية صلبة وطنية واعية بالرهانات الكبرى وعلى الحكامة والشفافية والتمكين الفعلي، بعيداً عن الخطابات البائدة التي أنتجت منظومة اتكالية أحادية احتكارية، حالت دون توسيع المشاركة الفعلية في منظومة جديدة « التدبير الذاتي»للمرفق الشبابي وفق تنافسية قوية تستند إلى دفتر تحملات واضح وملزم ورقابة عمومية قيمية ومالية وإدارية. فقط من خلال هذا التوازن يمكن أن تتحول هذه الفضاءات بما فيها دور الشباب إلى منابر حقيقية لصناعة المستقبل، حيث يجد الشباب مكانهم ويؤثرون في مسار وطنهم، وهذا معلق إلى حين تنزيل مشروع تدبير دور الشباب بالشراكة. (*) روائي وإعلامي. خبير في القيادة التربوية