فعلى سبيل المثال، كانت وجهة نظر هوبز أن الخوف من الآخرين ومن الموت يشكل قاعدة للتماسك الاجتماعي (وإن غياب الخوف هو أخطر بكثير للمجتمع من وجوده) وهي وجهة نظر تتناقض مع تفسير مونتسكيو للاستبداد، بأنه الحكم عبر الخوف و مطالبة مونتسكيو لليبراليين بالوقوف ضده. أما توكفيل فيرسم صورةَ مبكّرة لغربة الحشود المعزولة: كيف أن المجتمع الديمقراطي الذي لَمْ تعُدْ تحكمه قوَّة استبدادية، يواجه سرعة التغيير وغياب المعايير الاجتماعية بطريقة تجعل الحشود فيه في حالة ارتباك وخوف من الخيارات الصعبة التي تولدها الحريات الفردية، لذا فهي تجد الأمان في التكتل. هذه الحالة من الفوضى الاجتماعية يتكرر وصفها في تحليل حنا ارندت لحكم الحزب الواحد. رغم أنها - كما لاحظ روبن - طورت آراءها هذه إبان محاكمة أدولف ايخمان عام 1961 . حين رأت أن شرور النازي أمراً يصدر عن بشر عاديين وليس بالضرورة فعل شيطاني، ونظرت إلى النازية كسياسة معيّنة مِنْ الإرهاب يُمْكِنُ محاربتها، بدلاً مِنْ رُؤيتها كتعبير عن القلق المعاصر بوجه عام. الخوف كأسلوب أمريكي أما في الجزء الثاني فيستعرض الكاتب كيف تم توظيف الخوف في أمريكا لمصالحِ الأقوياءِ : منْ الحقبة -المكارثية- إلى الدور الذي يلعبه الخوف في المجال الاقتصادي ( الخوف من فقدان العمل) إلى التخويف بالإرهاب ..الخ. في هذا السياقِ الأمريكيِ، يَفْحص روبن الخوف كأداة سياسية، ووسيلة لحكم النخبة ويبين كيف يتم خلق الخوف ودعمه مِن قِبل القادة السياسيين أَو من قبل المحرضين الذين يَستفيدونَ منه، أمّا لأن الخوفَ يحقق لهم مكاسب سياسية محددة أو لأنه يَعْكسُ و يَدْعمُ معتقداتَهم الأخلاقية والسياسيةَ ، أَو للسببين معا. مثل هذا التحليلِ التاريخي قَدْ يسبب للبعض الكثير من الإزعاج ، ولكن الإزعاج الحقيقي في وجهة نظري يكمن في مقولة روبن أننا نَحْبُّ الخوف ونَرْغبَ في العيش خائفين. فطبقاً لروبن، يخلق الخوف قاعدة للتماسك الاجتماعي للجماعات والمجموعات السياسية والعرقية ولهذا، فإن هذه الجماعات لا تمانع الشعور بالخوف، بل حتى بتضخيمه لأنه يحقق لها ذاك التماسك ويحافظ لها على تلك الهوية. مع إنها في نفس الوقت، تدرك بأنّ الخوف وحده غير مجدي في نهاية المطاف كي يحقق تماسكها. هذا التناقض برأي الكاتب يشكل إحدى قواعد الليبرالية الأمريكية: فمن ناحية، شُيدت مؤسسات النظام السياسي على الخوف من سوء استعمال السلطة؛ و من ناحية أخرى أُستعمل الخوف بشكل قد يُقوّضُ التزام هذه المؤسسات نحو المساواةِ والديمقراطية. وهنا يسعى الكاتب إلى تأكيد فكرته أن الخوف قد لعب دورا فعالا في خلق القمع المؤسساتي التي تشكو منه المجتمعات المعاصرة. وبالرغم من كون الكتاب تحليلا وتفسيرا تاريخيا، إلا أن المرء لا يجد عناء في اكتشاف إسقاطاته على واقع أمريكا ما بعد 11/9 . فرضوخ النخبة الليبرالية لأجندة اليمين المتطرف ( المحافظين الجدد) ودعمها لسياساته كاحتلال العراق وأفغانستان و الموافقة على استصدار تشريعات مناهضة لحرية الفرد كقانون الوطنية. وينجح روبن عبر صفحات كتابه في التدليل على أن الخوف عميق الجذور في السياسات الليبرالية ، ويوضح كيف أن الخوف يؤجج شعورها بقيمة الحرية داخل وخارج أمريكا. يستهدف هذا الكتاب جمهوراً واسعاً، ويقدم بأسلوب رشيق في جزئه الأول مناقشة ممتعة (ومكثفة في بعض الأحيان) لفهم الفلاسفةَ السياسيينَ لطبيعةَ واستعمال الخوف، وتزداد متعة القراءة في جزئه الثاني. في تقديري كتاب كوري روبن هو إضافة ثمينة إلى هذا الحقلِ المتنامي من الدراسات التي ترى الخوف ضمن سياق الفكر السياسي، وَتتبّعُ العلاقة الوثيقةَ له بالفكر والممارسات السياسية.