هذه العبارة الشهيرة حين قالها المخرج الفرنسي فرانسوا رولاند تروفو، منذ أزيد من ربع قرن، لم يكن يتخيل أن يأتي اليوم الذي تُغلق فيه قاعات العرض، وتصبح فيه متعة مشاهدة الأفلام مع الجمهور أمرا مخيفا وخطيرا على حياة الإنسان. لم يكن تروفو، الذي صارع المرض الخبيث وتحمله طويلا، وظل يتردد رغم ذلك على قاعات السينما وبلاتوهات التصوير، يعلم أنه سيأتي في يوم من الأيام مرض أخبث وأخطر من السرطان، الذي كان سببا في وفاته سنة 1984. وحتى عندما كان يشتد عليه الألم، كان تروفو يردد جملته الشهيرة "محبو الأفلام مرضى"، في إشارة إلى أن السينما يقصدها الأشخاص، ليس فقط للاستمتاع، بل أيضا للشفاء من معاناتهم ومشاكلهم مع الاضطرابات النفسية، التي تفرضها الحياة اليومية. الأكيد أنه لم يكن يتخيل أن يأتي يوما تصاب فيه البشرية بمرض مشترك ولا يجرأ أحد على الذهاب إلى السينما من أجل الشفاء. لم يكن مخرج «400 ضربة»، الذي حاز جائزة أفضل إخراج في مهرجان كان لسنة 1969، يعلم أن ضربة واحدة، وليس أربعمائة، استطاعت أن تهزم العالم وتبعد الناس عن بعضهم البعض، وتقيد تنقلاتهم وحرياتهم، وهو الذي جعل بطل فيلمه يتحدى المئات من الضربات المتتالية في حياته دون أن تكسر إرادته في حب الحياة والحرية. فقد عاش "أنطوان"، في الرابعة عشرة من العمر، متاعب كثيرة ومتتالية، في بيت ضيق، بسبب سوء الفهم من قبل والدته الخائنة وزوجها الساذج، ومعلمه المتحامل عليه رغم محاولته أن يكون طالبا مجدا، واتهامه بسرقة شعر "بالزاك"، وهروبه من المدرسة والعائلة، ووضعه في السجن بجوار اللصوص، قبل أن يعانق الحرية في نهاية الفيلم. وكان بطل الفيلم رغم كل المعاناة، يتردد على قاعات السينما في العاصمة باريس، كمأوى يلهم مخيلته صوب عالم يحرره من المتاعب والقيود التي كان يواجهها في حياته اليومية. علمتنا الحياة أن الضربات التي نتلقاها يمكن أن نتصدى لها أو نتجاوزها، وفيروس "كورونا" لن يكون الاستثناء، والسينما ستفتح أبوابها قريبا.. في المغرب، قد لا يذهب الجمهور إلى قاعات العرض خلال هذه الظروف الاستثنائية، حرصا على سلامته الصحية، واحتراما لقرار الحجر الصحي الذي أعلنته السلطات العمومية، لكن السينما يمكن أن تأتي إلى غاية بيوتنا. فقد قرر المركز السينمائي المغربي خلال هذه المدة التي نقضيها في منازلنا، توفير 25 فيلما مغربيا طويلا مجانا على الإنترنت لفائدة الجميع. وتستمر هذه المبادرة إلى غاية نهاية شهر رمضان المقبل، مع احتمال تمديدها «إذا لزم الأمر»، وفق بيان صادر عن المركز. ومن بين هذه الأفلام، "وداعا أمهات" للمخرج محمد إسماعيل، الذي رشح سنة 2009 لجائزة الأوسكار في فئة "أفضل فيلم باللغة الأجنبية"، والفيلم الكوميدي الناجح جماهيريا "الطريق إلى كابول" لإبراهيم الشكيري، و"أماكننا الممنوعة" للمخرجة ليلى كيلاني، الحائز على الجائزة الكبرى في صنف الأفلام الوثائقية، في مهرجان السينما الإفريقية "الفيسباكو"، و"بيع الموت" للمخرج فوزي بنسعيدي، المتوج بجائزة الإخراج في مهرجان الفيلم الفرنكوفوني بفرنسا سنة 2013، و"جوق العميين" للمخرج محمد مفتكر، الفائز بالجائزة الكبرى لأيام قرطاج السينمائية لعام 2015. السينما في بيوتنا، فهل كلنا نتوفر على تلفزيونات ذكية وعملاقة؟ مهما كان، فلا شيء يعوض الذهاب الى السينما، وهو ما أكده المخرج محمد إسماعيل في حديثه ل"الصحراء المغربية"، عندما اعتبر أن الفرجة في السينما لها طقوسها الخاصة مع الجمهور وفي جو جماعي مشترك، الشيء الذي لا يمكن إيجاده في فضاءات أخرى كالمنازل، معتبرا مبادرة المركز السينمائي المغربي "محمودة"، في ظل الحجر الصحي الذي تشهده بلادنا، لكنه أبدى تخوفا من أن تفقد السينما ما تبقى من جمهورها إذا استمر الوضع على هذا النحو. وفي الاتجاه ذاته، ذهب الموزع السينمائي محمد العلوي، الذي أشار في حديثه للجريدة إلى أن إغلاق قاعات السينما سيوثر لا محالة في برنامج توزيع الأفلام خلال السنة الجارية، مشيرا إلى أن قرار الإغلاق الذي فرضته إجراءات الحجر الصحي، جاء أياما قليلة بعد المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الحادية والعشرين، بمعنى أن الأعمال السينمائية الحديثة التي كان ينتظر الجمهور المغربي عرضها في مارس وأبريل، ستؤجل إلى إشعار آخر.