الطريق المؤدي إلى شاطئ آسفي يشبه كثيرا مداخل المحطات النووية في روسيا وإيران. هنا المصطافون لا يمرون بجانب الرمال والصخور والفنادق والمطاعم للوصول إلى البحر، بل يمرون ويستحمون ويأخذون حصتهم من الشمس ويلعب أطفالهم أمام وحول وبجانب خزانات حديدية ضخمة للأمونياك والكبريت والحامض الفوسفوري، التي يصدرها الميناء إلى بقاع العالم بالعملة الصعبة من دون حرج في أن يقتسم مع الآسفيين وزوار الشاطئ ليس نسبة من تلك العائدات ولكن نسبة مهمة من التلوث الكيماوي، الذي يسكن الرئة ولا يفارقها، ويعلم الله والأطباء انعكاساته على صحة الأجيال. بشاطئ آسفي ليست هناك قوارب شراعية سياحية تجوب البحر أو دراجات «دجي تسكي» أو يخوت فاخرة ترسو وتتجول. هنا توجد فقط بواخر حديدية عملاقة تحمل أعلام روسيا والهند وكوريا وأوكرانيا، تمر على بعد 30 مترا فقط من أجساد المصطافين وهم وسط البحر، تشحن أطنانا من المواد الكيماوية الخطيرة وتنفث «المازوط» النتن الذي يحول مياه الشاطئ إلى محطة وقود. وفيما المصطافون يمددون أجسادهم في وجه البحر هناك شاحنات خلفهم تأخذ «حقها» من رمال الشاطئ بعد أن رخصت ولاية آسفي لشركة ببيع رمال المدينة في زمن «الغفلة» و«الريباخا» على ثروات المدينة. الشاطئ بآسفي، الذي كان يسمى قديما «تافتاست» بالأمازيغية، ليست به في السنة العاشرة بعد القرن الواحد والعشرين في زمن «البلوتوث» و«الويفي» مراحيض عمومية أو خاصة، لكن نظيفة. المراحيض الوحيدة المتوفرة هي «الجراف»، أي الصخور والبحر طبعا، وليس غريبا أن تصطدم عيناك أو رجلاك هنا ب«الخروق» و الفوط الصحية للنساء مرمية لتذكر من يفتخرون، وهم يأتون إلى الشاطئ في موكب رسمي بسيارات الدولة ليرفعوا «اللواء الأزرق»، أن اللواء الوحيد المرفوع هنا ببحر آسفي هو لواء الوسخ والتلوث. بآسفي لم نر مسؤولا عموميا واحدا يفعل كما فعل الوالي حصاد لما استحم أمام عدسات المصورين والصحافيين والمواطنين بشاطئ طنجة. هنا يأتي مسؤولو الولاية والمجلس البلدي مرة في السنة ليس بالمايوه، لكن بربطات عنق أنيقة وبأحذية سوداء مُلمعة ب«السيراج» ليلتقطوا لهم صورا وهم يرفعون «اللواء الأزرق»، الذي يرفع عادة في الشواطئ النظيفة وغير الملوثة. والظاهر أن هناك من يرى في خزانات الأمونياك والكبريت بشاطئ آسفي خزانات ماء زمزم الطاهرة، ولذلك لا يعلو وجوههم الحرج في الاحتفال بنظافة الشاطئ حتى وهم يرخصون ببيع رماله، وحتى وهم يدخلونه بأحذيتهم وسط قشور «الكرموس» و«الدلاح». ببحر آسفي ليست هناك مظلات شمسية ملونة كباقي شواطئ الدنيا. الناس هنا يأتون بحبال وأحجار وينصبون خياما بأغطية النوم ويجتمعون لأكل الكسكس وحول «شوايات» السردين... والشاطئ الذي يفتخر المسؤولون بولاية آسفي بنظافته هو ذاته الشاطئ الذي لا يأتون إليه مع أطفالهم وزوجاتهم لأنهم يعتبرونه مخيما للاجئين من بؤساء وفقراء المدينة، الذين لم تظهر عليهم نعمة 27 مليار سنتيم.. غلاف كل ما صرف على مشاريع التنمية البشرية بآسفي لوحدها. شاطئ آسفي هو مثال دال على طبقية خطيرة تجعل التلوث والوسخ من نصيب الفقراء، فيما شواطئ الأثرياء لا يرفعون فيها «اللواء الأزرق» لأنها لا تحتاج إلى ذلك. تلك الشواطئ، التي يستحمون فيها مع أطفالهم وزوجاتهم تحت مظلات من النخيل، لا رائحة فيها للأمونياك ولا الكبريت... يشربون فيها المرطبات ويسخرون فيما بينهم حين يتذكرون أن الشعب بآسفي يعوم وسط «المازوط»، ومع ذلك يعتقدون أن ذلك «بزاف عليهم».