بيتشو أسطورة بكل ما في الكلمة من معنى. ربما لأنه كان بحق لاعبا خارقا للعادة، وربما لأنه عاش حياة صعبة ومضطربة، وربما لأنه مات موتة غامضة، وربما لأنه كل هذا مجموعا، مضافا إليه ذلك الشوق النوستالجي الذي يحكيه عنه عشاقه ومن عايشوه. أحمد صبري، الصحافي والشاعر، خلد هذا اللاعب الفنان في كتاب جميل سماه «الأنشودة الحزينة»، ألقى فيه الضوء على مصطفى شكري اللاعب والإنسان، معطيا بذلك الفرصة لمن لم يعرفه كي يقترب منه، ويكتشف إلى أي حد كان هنالك لاعب فتان ومفتون بالكرة، «ملأ الدنيا وشغل الناس» في سبعينيات القرن الماضي. في الكتاب يطالعنا بيتشو إنسانا «مكتئبا» إلى حد ما، بقلق شاعري، مثل ذلك القلق الذي يلازم كل فنان، وتعقبه دائما ولادات، إما عبارة عن قصائد شعرية، أو ألحان، أو قصص، أو روايات، أو لوحات رائعة. ويوضح أحمد صبري أن ذلك القلق ولد منه جزء مع بيتشو، وزادته ظروف الحياة الصعبة اشتعالا، إلى أن وجد ضالته في ملاعب درب الكرلوطي، ومنها إلى الرجاء البيضاوي، فالوداد الرياضي، ثم الوحدة السعودي. بيتشو اللاعب لم يكن عاديا على الإطلاق، حسب أحمد صبري، وآخرين ممن جايلوه، ليس فقط لأنه كان يتوفر على قامة مثالية (تشبه قامة الهولندي كرويف، ودفعت البعض إلى تلقيبه ب«العود»)، بل لأنه، وهذا أكثر أهمية، كان يتوفر على ميزان داخلي، أشبه ما يكون بميزان أهل الملحون، يعرف بحدسه كيف يتحرك في الملعب، ومتى يمرر، وأين يتحرك، وكيف ومتى يسدد، وبأي طريقة يحرز الهدف. لماذا انتقل من الرجاء إلى الوداد؟ تلك قصة أخرى، فالناقمون على بيتشو يقولون إن حماقاته أتعبت الرجاء، وإن مسيري الخضراء، آنذاك، لم يعودوا قادرين على أن يصبروا عليه، فتخلصوا منه ليثبتوا له وللجميع أن فريقا من حجم الرجاء ليس قائما على لاعب واحد، مهما كان فنانا، ومهما كان حجم الحب الذي يكنه له الجمهور. أما من أحبوه فيؤكدون أن من كانوا يسيرون الخضراء ضيعوا جوهرة ثمينة، لأنهم لم يكونوا في مستوى عبقريته، ومن تم «اختطفه» الراحل عبد الرزاق مكوار، وأحسن وفادته، فأعطى للوداد ما أعطى. مات مصطفى شكري، الملقب ب«بيتشو»، في 22 يناير 1980 (ملحمة الوداد – امحمد الزغاري)، بالمملكة العربية السعودية، وسرعان ما تناسلت الإشاعات بخصوص وفاته، ليصبح مع مرور الوقت أسطورة بكل ما في الكلمة من معنى، يحكيها الرجاويون والوداديون، وغيرهم، بنوع من الأسى الممزوج بالشوق إلى لاعب قيل إنه كان صاخبا في الملعب، خجولا خارجه، «يعطيك اللي فوق ظهرو». ألا توجد في خزانة التلفزيون «فيديوهات» يمكنها أن تعيد إلى الأذهان لاعبا من هذا العيار؟ على الأقل ليكتشفه من لا يعرفه. الله يرحمو.