توفي الفنان التشكيلي المغربي الكبير فريد بلكاهية، مساء الخميس المنصرم، بعد معاناة مريرة مع المرض، وحضر مراسيم دفنه بمراكش عدد من الفنانين من الدارالبيضاء، بينما لوحظ غياب عدد كبير من فناني مراكش حسب مصدر موثوق. ولد الفنان بلكاهية في عام 1934 في مراكش وانتقل مع عائلته إلى ناحية أولماس ثم إلى أزمور والجديدة، وفيها أكمل دراسته الابتدائية، ثم عاد إلى مراكش، حيث أكمل دراسته الثانوية. تلقى تكوينه الفني الأولي بمرسم «أوليك تيسلار» فأبدع في رسم البورتريهات وهو في سن الخامسة عشرة، فكانت بداية لمساره الفني. عمل في بدايته معلما في ورزازات قبل سفره إلى باريس ليلتحق بمدرسة الفنون الجميلة سنة 1955، وبعدها حصل على منحة دراسية لاستكمال دراسته ببراغ بتشيكوسلوفاكيا. وعند عودته للمغرب سنة 1962 اشتغل مديرا للمدرسة البلدية للفنون الجميلة بالدارالبيضاء إلى 1974، وانخرط كعضو بمجلة أنفاس سنة 1966، كما شارك سنة 1969 في تظاهرة جامع الفنا بمراكش، وساهم في تقريب الفن للشارع. ويعتبر بلكاهية أحد أعمدة الفنون التشكيلية المغربية، حيث تخرج على يديه عدد كبير من الفنانين المغاربة الذين أصبحوا بدورهم أساتذة للفن. وفي بيان توصلت به «المساء»، لوزير الثقافة السابق (جاك لانغ) قال إن: «فريد بلكاهية عاش كبيرا، وغادرنا كبيرا، وسيبقى كبيرا في تاريخ الفن، مكانته رفيعة، ويعتبر من أكبر الفنانين المغاربة والعرب...». ولذلك، تعتبر تجربته من بين التجارب الرائدة على المستوى الوطني والإفريقي، حيث بلغت شهرته العالمية، لما تميز به من خصوصيات نوعية تضمنتها أسئلة فنية عميقة استمدت وجودها من التراث المغربي والإفريقي، محاولا إعادة النظر في فترة مبكرة في الطرح التشكيلي السائد والساذج الذي كرسه الاستعمار. وكانت للفنان الراحل اهتمامات متنوعة أخرى، من بينها مساهمته كممثل بأحد الأفلام السينمائية المغربية، واشتغاله بتقنية الاستنساخ على القصيدة الشعرية مع عدد من الشعراء المغاربة والأجانب، كما أنه قام بإنجاز عدد من المنحوتات الحديدية الضخمة بمراكش ومناطق أخرى، كان آخرها بالطريق السيار بين الدارالبيضاء والرباط... لكن ما ميز تجربته، هو عرضه الأخير الذي قدمه برواق 21 بالدارالبيضاء، حيث اشتغل على طريقة حديثة في عرض أعماله، خاصة وأن اختياره انطلق من جذور التراث المغربي، مستعملا «الحناء» كأداة تقليدية في رسم أشكاله، ومستخدما الجلد والنحاس كسند لأعماله عوض القماش، مما أعطى إبداعاته نفحة مغربية وأسلوبا شخصيا انطلق من المحلية إلى الكونية، فقرر تقديمها فوق جدار يحمل صورا من أيقوناته بتدرجات لونية خافتة، لينصهر العمل بفضاء القاعة بتناغم وانسجام، وتصبح بذلك عبارة عن مغارة تحفز على التساؤل والاكتشاف.