الطالبي العلمي: حل الدولتين السبيل الوحيد لتحقيق السلام وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط    تفعيل خدمات جديدة في مجال النقل الطرقي عبر "نظام الخدمات عن بعد" ابتداء من فاتح يوليوز    الصحراء.. برلمان أمريكا الوسطى يجدد تأكيد دعمه لمخطط الحكم الذاتي وللوحدة الترابية للمملكة    الحكومة تصادق على تحويل الONHYM إلى شركة مساهمة    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    سيوفر آلاف الوظائف.. الجرف الأصفر يحتضن أول مجمع صناعي ضخم لمواد بطاريات الليثيوم بالمغرب    اتصالات المغرب وإنوي تطلقان شركتين جديدتين لتسريع نشر الألياف البصرية وال5G    رئيس الحكومة يترأس الدورة الثامنة للجنة الوطنية للاستثمارات المحدثة بموجب ميثاق الاستثمار الجديد    رغم إصابته في حادث بأمريكا.. بنهاشم يصر على قيادة الوداد أمام العين    الزيات يعلن ترشحه لرئاسة الرجاء ويعد بمرحلة جديدة مع تفعيل الشركة    شاب يلقي بنفسه من سطح منزل أسرته بطنجة وسط قلق حول ارتفاع حوادث الانتحار    بعد غياب 6 سنوات..المعرض الوطني للكتاب المستعمل يعود في نسخته الثالثة عشر بالدارالبيضاء    الطالب الباحث عبد الفتاح موليم ينال شهادة الماستر في القانون العام بميزة مشرف جدا    ادريس الروخ يشرع في تصوير مسلسل درامي جديد            دورية لرئاسة النيابة العامة حول التفعيل الإيجابي لدورها في مساطر صعوبات المقاولة    أخنوش يدعم السكوري ويقرر إعفاء مديرة "لانبيك"    الحسيمة.. تحويط حريق بغابة "ثاندا إفران" وجهود متواصلة لإخماده    ثلاث سنوات سجنا لمتهم بتنظيم الهجرة السرية بالحسيمة    تحرير شاطئ سيدي قاسم بطنجة من مظاهر الاستغلال العشوائي لأصحاب المقاهي    في الأمم المتحدة.. المغرب يدعو لتحرك جماعي لحماية المدنيين من الفظائع    وفاة رجل أضرم النار في جسده وسط الشارع العام بطنجة إثر خلاف تجاري    عواصف عنيفة تضرب فرنسا وتخلف قتلى ودمارا واسعا    مونديال الأندية.. إنتر يتفوق على ريفر بليت ويعتلي الصدارة ومونتيري يعبر برباعية    جمعيات تحذر الوزارة الوصية من "تفويت" 54 مركزا للشباب    الذكاء الاصطناعي و"كابسولات الميوعة"..حين تتحوّل التقنية إلى سلاح لتفكيك الهوية المغربية    القضية ‬الفلسطينية ‬في ‬ضوء ‬بيان ‬اسطنبول    الدين العام الفرنسي يتجاوز 3.3 تريليون يورو متجاوزا 114% من الناتج المحلي    عبد الكبير الخطيبي: منسي المثقفين    أسعار الذهب ترتفع وسط تراجع الدولار الأمريكي    مغاربة العالم يعقدون ندوة حوارية بباريس حول الورش الملكي الخاص بالجالية    "الحسنية" تأذن بسفر المدرب الجديد    الرباط تحتضن دوري الراحل بوهلال    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    الابتزاز وراء عقوبتين بالكرة النسوية    المجر تحذر سفراء أوروبيين من المشاركة في مسيرة محظورة للمثليين    الاحتيال يهدد زبائن تأجير السيارات    تقرير: "تشظي المؤسسات" يعرقل تدبير الأزمات المائية في المغرب    معرض يستحضر الأندلس في مرتيل    أكاديمية المملكة المغربية تكرم 25 سنة من الأدب الإفريقي في "غاليمار"    إدانة رابطة مغربية لتأخير رحلة Ryanair بمطار الرباط    طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    احذر الجفاف في الصيف .. هذه علاماته وطرق الوقاية منه    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلومينينسي يعبر إلى ثمن النهائي عقب تعادل سلبي أمام صنداونز    تثبيت كسوة الكعبة الجديدة على الجهات الأربع مع مطلع العام الهجري    سوق الكوكايين العالمية تحطم أرقاما قياسية    ما علاقة الإعلام بتجويد النقاش العمومي؟    الداخلية تشرع في إعداد لوائح المجندين الجدد تنفيذا للتعليمات الملكية    نزاع حول حقوق هولوغرام عبد الحليم حافظ يشعل مواجهة قانونية بين XtendVision ومهرجان موازين    بعد وفاة مؤسسه بنعيسى... موسم أصيلة الثقافي الدولي يواصل مسيرته بصيغة صيفية حافلة بالفنون    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة    عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة الراحل فريد بلكاهية بقلم زوجته الكاتبة رجاء بنشمسي
نشر في شعب بريس يوم 26 - 09 - 2014

بعد معاناة طويلة مع المرض، توفي في وقت متأخر من مساء يوم الخميس الماضي، بمسقط رأسه مدينة مراكش، الفنان التشكيلي الكبير فريد بلكاهية، وستتم مراسم الدفن اليوم بعد صلاة العصر بالمدينة الحمراء، وينتظر أن تكون جنازة مهيبة يحضرها الرسميون والفنانون..

وندرج فيما يلي سيرة موجزة للراحل الكبير، كانت قد أعدتها شريكة حياته وأم ابنته الوحيدة فانو، الكاتبة رجاء بنشمسي، بترجمة من توقيع الناقد الجمالي فريد الزاهي:

ولد فريد بلكاهية بمراكش من امحمد بلكاهية وزهور بلقايد، وقضى جزءا من صباه بأمزميز، بعد أن ترك أبوه تجارة رحيق العطور التي مارسها بنجاح وبغير القليل من المغامرة، ليتحول إلى موظف بالمراقبة المدنية الفرنسية. رحل فريد صغيرا إلى أزمور والجديدة لمتابعة دراساته الابتدائية قبل أن يعود إلى مراكش حيث أنهى دراسته الثانوية بثانوية مانجان. ووقتها كان قد بدأ الاشتغال بالتصوير الصباغي، فدفعته رغبته المبكّْرة في الاستقلال بنفسه إلى الرحيل إلى ورززات والتّدريس بها لمدة عام.

وبفضل أبيه تشبع صغيرا بالفن. فقد كان أبوه ترجمانا من ضمن الوفد الرسمي الذي حلّ بالعاصمة الفرنسية لتدشين مسجد باريس سنة 1926 . وبما أنه كان أيضا يمارس التشكيل في أوقات فراغه فقد كان على علاقة وطيدة بالفنانين التشكيليين أنطوان وأوليك وجانين تيسلار، اللذيْن التقى بصحبتهم نيكولا دو ستيل. بل إن فريد بلكاهية قد تلقى أولى حصصه التعليمية صحبة مولاي أحمد الإدريسي بمرسم أوليك تيسلار.

رسم فرد بلكاهية منذ سن الخامسة عشرة بورتريهات بالألوان الزيتية ستكون في أصل ما سيسميه في ما بعد "مرحلته التعبيرية أو مرحلة بّراغ". وفي سنة 1954 ، أقام أول معرض له بفندق المامونية الذي كان يمرُّ باستمرار أمامه، وحيث كان ونستون تشرشل يقيم أحيانا لرسم مناظر جبال الأطلس.

وفي سنة 1955 ، غادر المغرب متوجها إلى باريس. وبوصاية من صديق لأبيه استقبله الكاتب فرانسوا مورياك الذي عثر له على مسكن بالمعهد الكاثوليكي بزنقة مادام. قام فريد بلكاهية بالتسجيل في مدرسة الفنون الجميلة بباريس بمراسم بريانشون ولوغول، ولن يتركها إلا سنة 1959. وهناك التقى مجددا بصديقه الفنان التشكيلي الجيلالي الغرباوي.

وفي السنة نفسها، شارك في المهرجان الدولي للشباب العالمي بفارسوفيا، في مسابقة العدْو، بمعية زاطوبيك.

اكتشف فريد بلكاهية في نفسه وَلعا مبكرا بالسينما وأصبح يرتاد باستمرار الخزانة السينمائية الكائنة بزنقة أولم. وبمناسبة تكريم السينمائي سيرج يوتكيفيتش الذي جاء إلى باريس ضمن الوفد الرسمي المرافق للرئيس السوفياتي خروتشوف، اتصل به وبفضله قضى أمسية كاملة برفقة السينمائي الفرنسي الشهير أبيل غانس. وبما أنه ظل عاشقا للسينما ومفتونا بها، فقد ارتبط بعلاقة صداقة مع فنانين من هذا الوسط، كبيير براسور ثم في ما بعد، براوول رويز الذي أنجز سنة 1985 فيلما تسجيليا عن مساره الفني بعنوان: "بايا وطالا أو دار فريد بلكاهية".

وفي سنة 1956 كان من ضمن الوفد الطلابي المغربي الذي انتُدب للسلام على السلطان محمد الخامس بجناح هنري الرابع بسان جرمان أون لاي وحضر البيعة الشهيرة للكلاوي.

براغ

في سنة 1959 ، وبدافع فضولٍ للتعرف على التجربة الاشتراكية في البلدان الشرقية، سافر فريد بلكاهية إلى براغ حيث تابع دراسته في السينوغرافيا بأكاديمية المسرح بالعاصمة التشيكوسلوفاكية. وهناك تعرَّف على فنان الكراكيز الشهير طركنا، وأيضا على شخصيات ثقافية معروفة كأراغون وإلزا تريولي أو أيضا رافي شنكار. ثم أصبح مذيعا بطلب من الإذاعة الفرنسية لراديو براغ.

وهناك ببراغ، بلغت أعمال فريد بلكاهية ما يمكن أن نسمّيه مرحلة النضج. فهوْس الدائرة والسَّهم ظهر في تلك المرحلة كأبجدية شخصية ستشتغل طيلة حياته الفنية باعتبارها معْلما ضروريا للتعبير عن تصور خاص للوجود. فقد اعتبر فريد بلكاهية وفي وقت مبكر أن الوجود مجموعة من القوى الأرضية، تسعى من خلال التواصل القوي مع العناصر في تعددها الفائق، إلى ضربٍ من الكلِّية الصوفية. وإلى هذه المرحلة يرجع أيضا اهتمامه المخصوص بالعنف الإنساني والتعذيب، وهكذا زار سنة 1955 معتقل أوشفيتز. كما أثار اهتمامه البالغ هنري أليغ في كتابه "المسألة" الذي يصف فيه بقوة مظاهر التعذيب بالسجون الفرنسية بالجزائر التي طالت الوطنيين الجزائريين. وسوف يلتقي به فريد بلكاهية ويحاوره مرات عديدة. ذلك ما سيسمى في ما بعد "المرحلة التعبيرية أو مرحلة براغ".

كان ذلك العصر مظلما، وغدا أكثر إظلاما بسبب الضغط الذي مارسه النظام الشيوعي لبراغ. فالشخصيات التي تبدو غالبا ممدَّدة ومشوهة تبدو كما لو أنها اقتُلعت لا من ذواتها وإنما من مفهوم الإنسان نفسه. تتشوه الأجساد كما لتطابق الخطوط المتكسرة للقلق الآسر والألم المكين. فتلك الشخصيات التي تبدو منذورة لانتظار لا موضوع له ولا بداية، تعبر عما هو أكثر من الموت، أي عن استحالة الموت، كما لو أن مفهوم الموت نفسه، وقد عُري من بعْد الصيرورة فيه، يسلب منها إنسانيتها.

هذا الانشغال بالألم الإنساني، لن يفارق أبدا فريد بلكاهية. بيْد أن عمله سوف يأخذ وجهة مغايرة عند عودته إلى المغرب. ففي سنة 1962 ، التمس منه المحجوب بن الصديق وكان وقتها كاتبا عاما للاتحاد المغربي للشغل، أن يتولى إدارة مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء. وهي المهمة التي سيقوم بها بتفان حتى سنة 1974.

وفي السنة نفسها اقترن بالتشيكية ألينا نوفوتنا، التي كانت حينها مترجمة فورية متخصصة في اللغة اليابانية.

مدرسة الفنون الجميلة ،التوجه الفلسفي

كان همُّ فريد بلكاهية يتمثل في تجديد مفهوم الفن وتعليم الفنون، لهذا أحاط نفسه بمجموعة من الرواد سيسِمون تاريخ الفن بالمغرب.

هكذا نادى على محمد المليحي، الذي كان قد عاد لتوِّه من الولايات المتحدة، للإشراف على معمل التشكيل، وعلى محمد شبعة، والحميدي وحفيظ، كما على طوني مارايني لتدريس تاريخ الفن، وبيرت فلينت الذي تكلَّف بتاريخ الفنون الشعبية بالمغرب، وأيضا جاك أزيما الذي أشرف على معمل الرسم...


وبذلك سعى بلكاهية سعيا حثيثا إلى تثبيت دعائم تعليم أكثر ملاءمة لثقافته ولخصوصية الواقع التاريخي لبلده. كما جهَد أيضا في أن يكون هذا التعليم أكثر تحررا وسهر على ألا يعاني الطلبة من الضغوط التي عانى منها هو في مدرسة الفنون الجميلة بباريس.

إضافة إلى ذلك، فإن اهتمامه العميق بذاكرة الإنسان ومساره من خلال تراثه، الذي ما فتئ يتزايد ويتسع، سيٌملي عليه منذ البداية إنشاء ورشات لتعليم تاريخ الصنائع التقليدية المغربية، من الزّربية حتى الخزف والفخار، مرورا با لحى الفضية، ولم يكُفّ بلكاهية عن تكرار هذا المبدأ: "لا يمكن إدراك الحداثة إلا انطلاقا من تمثل القيم العتيقة".

وتبعا لهذه الروح أيضا سينجز أول تجربة للفن في الشارع، بتنظيمه معرضا كبيرا بساحة جامع الفنا الشهيرة، وذلك كما صرح هو ب نفسه ، "للتمكن من مواجهة بين عوالم فكرية لم تتح لها أبدا فرصة اللقاء". كانت تلك تجربة فريدة وغير مشهودة بالمغرب كان لها صدى هائل، بحيث تمّ إدراكها باعتبارها بداية لدمقرطة الفن بالمغرب بالرغم من أنها ظلت تجربة يتيمة.

ودائما بهدف منح طلبة المدرسة بعْدا عالميا في تعليمهم، استضاف بلكاهية فنانين من قبيل: ديمترينكو، وسيزار، ولورسا. وقد خصص حينها الكثير من وقته للمدرسة، وتخلى عن الصباغة الزيتية على الورق بحيث أخذ عمله وجهة أخرى. وبدأ رحلة طويلة في صلب المادة لا تزال لحدّ اليوم تشكّل أحد الرهانات الهامة في أعماله. بيد أنه لن يتخلى أبدا عن الرسم على الورق. فعدا الكثير من دفاتر الرسم التي يُراكمها الواحد تلو الآخر، فإنه يصمم أعماله دائما على الورق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.