سبحان الله،إن الإنسان رغم كونه عاقلا ..قد لا يأبه لسماعه كلمة خير أو شر..وقد لا يأبه عند رؤية صورتها حتى،ولكن إذا ما وجد نفسه وجها لوجه مع حقيقتها،تنفعه أو تضره..لا شك أن الأمر سيختلف؟!.فموقف إنسان وضع في القفص مع الأسد..لا شك أنه يختلف عن موقفه عند سماعه كلمة أسد..أو رؤية صورته حتى ؟!.الأسد إذن كلمة وصورة وحقيقة..الإيمان كذلك والعمل..العبادة و المعاملة أيضا..الديمقراطية والانتخابات..السلطات والجمعيات..كلمات دالة وغير دالة..و صور جميلة لكنها قد تكون وهمية..وحقائق باهرة قد تكون مشوهة..ولا ذنب في ذلك إلا على الذين يشوهونها ..لأنه بجرمهم هذا لا يعملون إلا على تنمية التخلف..كيف ولماذا؟!.تلكم قصة الحقائق و الصور و الكلمات كما أوردتها هذه الحكاية المعبرة: روى الشيخ محمد سليمان،نائب المحكمة العليا الشرعية بمصر رحمه الله قال:"حدثني صديقي الكريم محمد فهمي الناضوري باشا..عن أحمد أفندي بدوي،عن أبيه عن جده،وكان من الشيوخ بالأزهر في زمن الخديوي إسماعيل قال:"لما وقعت الحرب بين مصر و الحبشة وتوالت الهزائم على مصر،لوقوع الخلاف بين قواد جيوشها،ضاق صدر الخديوي بذلك،فركب يوما مع شريف باشا و هو محرج،فأراد أن يفرج عن نفسه فقال لشريف باشا:"ماذا تصنع عندما تلم بك ملمة تريد أن تدفعها"؟!. فقال:"ياأفندينا،إن الله عودني إذا حاق بي شيء من هذا..أن ألجأ إلى صحيح البخاري..يقرأه لي علماء أطهار الأنفاس فيفرج الله عني"؟!.قال:" تكلم شيخ الأزهر وكان الشيخ العروسي..فجمع له من صالح العلماء جمعا أخذوا يتلون في البخاري أمام القبلة القديمة في الأزهر..قال:"ومع ذلك ظلت أخبار الهزائم تتوالى؟!.فذهب الخديوي ومعه شريف باشا إلى العلماء فقال لهم غاضبا:"إما أن هذا الذي تقرؤونه ليس بصحيح البخاري..و إما أنكم لستم بالعلماء الذين نعدهم من رجال السلف الصالح..فإن الله لم يدفع بكم ولا بتلاوتكم شيئا؟!.فوجم العلماء لذلك،فابتدره شيخ من آخر الصف يقول له:"منك يا إسماعيل فإنا روينا عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:"لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر،أو ليسلطن الله عليكم شراركم،فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم..أو كما قال؟!.فزاد وجوم المشايخ ،وانصرف الخديوي ومعه شريف باشا ولم يتكلما بكلمة،وأخذ العلماء يلومون صاحبهم و يؤنبونه..وبينما هم كذلك إذ بشريف باشا عاد يسأل :"أين الشيخ الذي قال للخديوي ما قال"؟!.فقام الشيخ وقال:"أنا".فأخذوه معهم،وانقلب العلماء يودعونه وداع من لا يأملون في رجوعه..وسار شريف باشا إلى أن دخل على الخديوي في قصره..فإذا به قاعد في البهو وأمامه كرسي أجلس عليه الشيخ و قال له:"أعد ما قلته لي في الأزهر"؟!.فأعاد الشيخ كلمته و ردد الحديث و شرحه،فقال الخديوي:"وماذا صنعنا حتى ينزل بنا هذا البلاء"؟!.قال له الشيخ:"ياأفندينا..أليست المحاكم المختلطة قد سمحت بقانون الربا؟!.أليس الخمر برخصة؟!.أليس الزنا مباحا؟!.(واليوم أليس الانقلاب على الشرعية ديمقراطي...والتشويه الإعلامي مهني واحترافي...) أليس...أليس...أليس؟!.وعدد له منكرات تجري بلا إنكار..ثم قال:"كيف ننتظر النصر من السماء"؟!.فقال الخديوي:"وماذا نصنع وقد عاشرنا الأجانب وهذه مدنيتهم"؟!.قال الشيخ:"إذن فما ذنب البخاري وما حيلة العلماء"؟!.فكر الخديوي مليا .. وأطرق طويلا ثم قال:"صدقت..صدقت"؟!.وعاد الشيخ بعد هذا إلى الأزهر وإخوانه قد يئسوا منه..فكأنما قد ولد من جديد"؟!.(أنظر من أخلاق العلماء لمحمد سليمان ص 97 ،تربية الأولاد في الإسلام لناصح علوان ج2 ص 498). ما ذنب البخاري في الحرب بين الإخوة الأعداء..في التوسل به في رفع الملمات و هو بدعة،في القبض على ناكر المنكر ولو كان عالما مؤهلا،في قوم يدعون فلا يستجاب لهم؟!.وما ذنب رمضان..في قول الزور و العمل به..في التقاعس عن العمل أيام رمضان خاصة..في السباب و الشجار جهارا نهارا وعلى أتفه الأشياء..في التسكع في الحانات و الطرقات طوال الليل حتى مطلع الفجر..في الإفراط في الاستهلاك..والليالي الترفيهية التافهة حتى أن الصائم لا يكاد ينفك من ضيق المائدة إلى سعة المائدة و الفائدة، فيجعل الناس مجمل حديثهم في رمضان حول السهر والجوع والعطش،بعيدا عن المقاصد التعبدية الكبرى للصيام؟!.هل هذا من الصيام و القيام؟!.هل هذا من تلاوة القرآن و تزكية النفس وتجديد الإيمان؟!.هل هذا من مقاصد الصيام التربوية والتغييرية،من العبادة والتقوى والتحرر من هوى النفس والجهل بمعالم حياة التوحيد..و الأخوة والتكافل..و التوبة و الجهاد من أجل وحدة الأمة و تنمينها ...؟!.شتان شتان بين صيام الحقائق .. وصيام الصور والكلمات،فمتى نولد من جديد يا رمضان..متى نجدد فيك إيماننا و صيامنا..ودنيانا وآخرتنا؟!.