بعد كل عملية إرهابية تتم باسم الإسلام في أي مكان بالعالم، يحتدم جدل حول علاقة الإسلام كدين بالإرهاب. وعدم الفصل بين الدين والإرهاب يولد حركات متطرفة معادية للإسلام في أوروبا. فهل بات كل ما هو إسلامي محل شك وكراهية؟ من خلال جولة في مساجد ذات طرز معمارية مميزة وبعض المتاحف، التي تهتم بعرض نماذج من الفنون الإسلامية القديمة مثل متحف الشعوب والحضارات، ومتحف الفن الحديث في ميونيخ، يلاحظ المرء أن ثمة فصلا في أوساط الزوار بين الفنون الإسلامية وبين ما يحدث من عمليات إرهابية باسم الدين. بل إن الكثير من المهتمين بدراسة الحالة الإسلامية وعلاقتها بالإرهاب يذهبون لزيارة تلك الأماكن بحثا عن إجابات محددة حول علاقة الدين الإسلامي بالعنف، وإذا ما كان هناك ثمة فنون تشير إلى تلك العلاقة. الفنون لا تعرف الإرهاب أمام مجموعة من قطع حجرية تمثل شواهد قبور مأخوذة من عدة دول إسلامية في متحف الحضارات بمدينة بميونيخ،وقفت مجموعة من الطلاب يصغون باهتمام لأستاذهم وهو يشرح العلاقة بين رسومات وزخارف بعض القبور في باكستان وحدائق الجنة الغناء الموعودة. وبعد انتهائه من الشرح، سألت الأستاذ بيتر يورغ عن أثر زيارة هذه الفنون الإسلامية على تلاميذه، في وقت تضررت فيه سمعة الإسلام كثيرا في الشارع الألماني؟ فقال: "لا أحد بمقدوره أن ينكر فضل الحضارة الإسلامية، فقد ساهمت حضارة الأندلس في نهضة أوروبا عندما كانت أوروبا غارقة في الظلام. لكن المشكلة في العالم الإسلامي الآن هي مشكلة الإسلام السياسي، فهو المسؤول عن تشويه الإسلام كدين وبالتالي سمعة العالم العربي. والممارسات الوحشية من قبل "داعش" في العراق وسوريا شئ مخيف ومرعب، لهذا تبدو أهمية أن يفهم الطلاب جوانب الفنون والإبداع في الحضارة الإسلامية حتى لا يتشكل لدى التلاميذ الصغار مفهوما مغلوطا عن الإسلام". يشكل الخط جزءا هاما من الفنون الإسلامية من جهة أخرى يرى الأستاذ يورغ، أن حل مشاكل العالم الإسلامي يكمن في فصل الدين عن الدولة، فأوروبا لم تتقدم إلا بعد انتهاج العلمانية. تلميذ صغير يدخل في الحوار ويقول: "لقد زرنا قبل عدة أسابيع أحد المساجد التركية، وكان إمام المسجد رجلا لطيفا، وارتدينا عمامته وصعدنا على المنبر وشاهدنا زخارف المسجد الجميلة والخطوط المزخرفة. وقدم لنا أحد المصلين حلوى تركية". ويضيف: "أنا لست خائفا من الإسلام ولي زملاء مسلمون في الفصل من مصر والجزائر وهم لطفاء جدا". الرسم والتصوير في الإسلام بعد إشكالية الرسوم "المسيئة" للنبي محمد وقتل الصحفيين في فرنسا، زادت أيضا نسبة الباحثين عن أصل الرسم والتصوير في الفنون الإسلامية. ووفق ما تقوله الدكتورة دورين، من متحف الحضارة في ميونيخ، فإن الفنون والثقافة بشكل عام تعتبر مدخلا مهما لفهم الدين، فمثلا سجل المتحف زيادة في أعداد الزوار الباحثين عن الرسومات الإسلامية. وبعضهم يأتي خصيصا لمشاهدة الرسومات الفنية الإسلامية المنقوشة على الخزف والجداريات. وتقول: "لاحظت أن التعرف على الفن الإسلامي يساهم بشكل كبير في تغيير الصورة النمطية التي ارتبطت في أذهان البعض عن عنف الإسلام وعلاقته بالإرهاب". من جهة أخرى تقول سيدة في العقد الخامس من العمر: "لقد أتيت إلى المتحف للتعرف على فنون المسلمين، فهنا أشياء تؤكد براعة الفنون الإسلامية خاصة فن الخط العربي وتشكيلاته المتنوعة، إنه شئ رائع ومميز". وتضيف: "أعتقد أن من يبدع هذه الإبداعات ويتمتع بهذا الخيال لا يمكن أن يكون إرهابيا. ثم تقول إنها تحترم الديانات كلها، لأنها جميعها من ذات الجذر الواحد، "لكن في نفس الوقت أيضا أحترم حرية الإبداع"، كما تقول. المسلمون أول من وضع أسس التصوير سجادة تبرز فن الخط في معرض الفن الإسلامي في ميونيخ تبدو المفارقة غريبة، ففي الوقت الذي احتشد فيه الشارع الألماني مؤيدا لحرية الإبداع ومنددا بجريمة قتل الصحفيين الفرنسيين على خلفية رسم صور للنبي محمد، نجد أن كتابا ألمانيا مهما، من تأليف أستاذ علم البصريات البروفيسور هانز بليتنج، يشهد على أن للحضارة الإسلامية تفوقها في مجالات الفنون والعمارة والزخرفة والتصوير. ويعترف بأنه لولا إسهامات العالِم العربي محمد بن الحسن بن الهيثم البصري، لما عرف العالم آلة التصوير، التي أصبحت عماد العمل الصحفي الآن. لاشك أن تواصل الحضارة العربية الإسلامية قديما مع الحضارة الغربية أثمر الكثير من المنجزات التي ساهمت في حياة أفضل للإنسان، فهل يعود هذا التلاقي الحضاري مرة أخرى بدلا من بوادر الصدام والمواجهة؟